الاثنين، 21 فبراير 2011

سلسلة رحلة إلى بلاد الأشواق "9"


بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة رحلة إلى بلاد الأشواق "9"

فضيلة الشيخ : خالد ابن عبد الرحمن الشايع

الحمد لله رب العالمين .. وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين .. نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
أما بعـــــــــد ....

فهاهي رحلتنا بعون الله إلى دار كرامته ..تنتقل بنا إلى مرحلة جديدة ,حيث مررنا بأبواب ووصفها في الكتاب والسنة , حتى كأننا نرى تلك الحشود العظيمة وهم يجاوزون الأبواب ، منطلقين إلى مساكنهم وأهليهم فيها ... وهاهي مباني الجنة وتلكم تربتها , وذلكم حصباءها تأخذ بألباب المؤمنين اللذين كانوا يوعدون في الدنيا الجنة ويوصف لهم نعيمها , فهاهم الأن في جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب .. لكن الذي يشاهدون لم يخطر لهم على بال أبدا..

فيا لعظمة ذلك البناء .. ويا لبهاء تلك الأفياء.. ويا لعلو تلك الغرف والقصور .. ولكأني بهذا المؤمن وهو يتحسس تلك الجدران ويرفع من تراب أرض الجنة .. فلا الجدار من اسمنت ولا رخام ولا غيره , ولا التراب كذلك مما عهد في الدنيا , ولكنه شيء لم تره عينه ولم يشم لمثل طيب ريحه شيئاً ًمن قبل .

يقول أبو هريرة رضي الله عنه : { قلنا يا رسول الله ..حدثنا عن الجنة !ما بناءها ؟! قال : لبنة ذهب ولبنة فضة ..وملاطها المسك (الملاط هو الذي يكون بين اللبنات ) وحصباءها اللؤلؤ والياقوت , وترابها الزعفران ..من يدخلها ينعم ولا يبأس , ويخلد لا يموت , لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه } الحديث رواه أحمد وغيره وصححه ابن حبّان وغيره .

وروى ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة موقوف قال :{ حائط الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة ودرجها الياقوت واللؤلؤ }قال { وكنا نُحدّث أن رضراض أنهارها اللؤلؤ وترابها الزعفران} صححه الألباني .والرضراض هو ما يكون في مجرى الماء .

وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال :{ خلق الله تبارك وتعالى الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة وملاطها المسك , وقال لها تكلمي .. فقالت : قد أفلح المؤمنون ..فقالت الملائكة : طوبى لك منزل الملوك} رواه الطبراني والبزار واللفظ له مرفوعا ًوموقوفا ً والصحيح وقفه .

ولما شاهد المؤمن مادة بناء مساكن الجنة , نظر لما تحت قدميه وما تمشي عليه رجلاه , فإذا به شيء يفوق خياله في الدنيا , يوضح هذا خبر المصطفى صلى الله عليه وسلم في قصة الإسراء والمعراج قال :{... ثم أدخلت الجنة .. فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ .. وإذا ترابها المسك }رواه الشيخان ..(الجنابذ هي القباب ,واحدتها جنبذة ,وأما اللؤلؤ فمعروف).

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال :{ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنة ..فقال : من يدخل الجنة يحيا فيها لا يموت , وينعم فيها لا يبأس , لا تبلى ثيابه , ولا يفنى شبابه .. قيل يا رسول الله ما بناءها ؟ قال : لبنة من ذهب ولبنة من فضة وملاطها المسك وترابها الزعفران , وحصباءها اللؤلؤ والياقوت } رواه ابن أبي الدنيا والطبراني وإسناده حسن بمجموعه .

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : { قوله ( وإذا ترابها المسك) المراد والله أعلم أن رائحة ترابها رائحة المسك وأما لونه فمشرق مبهج كالزعفران , يدل عليه ما في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال :{الجنة ملاطها المسك وتربتها الزعفران } رواه أحمد وغيره ..

والملاط هو التراب الذي يختلط بالماء فيصير كالطين ,فلونه لون الزعفران في بهجته وإشراقه, وريحه كريح المسك , وطعمه كطعم الخبز يؤكل , يدل على ذلك ما في صحيح مسلم عن أبي سعيد قال :{ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن صياد :ما تربة الجنة ؟ قال : درمكة بيضاء مسك يا أبا القاسم . قال : صدقت } وجاء في رواية أن ابن صياد هو الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم وهي في صحيح مسلم أيضا .

وفي المسند عن جابر قال :{قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهود : إني سائلهم عن تربة الجنة وهي درمكة بيضاء, فسألهم فقالوا: هي خبزة يا أبا القاسم ,فقال صلى الله عليه وسلم :الخبز من الدرمك, وهذا يدل على أن لونها أبيض, وقد يكون منها ما هو أبيض ومنها ماهو أصفر كالزعفران ,والله أعلم.. }انتهى كلام ابن رجب .
فهذه ثلاث صفات في تربتها :
1- أنه من زعفران .
2- ومن مســــــــك .
3- ومن درمك أو من الدرمك وهو الدقيق الحواري الخالص البياض.

ولا تعارض بينها فذهبت طائفة من السلف إلى أن تربتها متضمنة للنوعين المسك والزعفران , ويحتمل معنيين أخرين أحدهما :
أن يكون التراب من زعفران فإذا عُجن بالماء صار مسكا .
والثاني : أن يكون زعفراناً باعتبار اللون مسكاً باعتبار الرائحة ,وهذا من أحسن شيء يكون في البهجة والإشراق في لون الزعفران والرائحة في رائحة المسك..

وكذلك شبهها بالدرمك وهو الخبز الصافي الذي يضرب لونه إلى صفرة مع لينها ونعومتها , وإلى هذا المعنى أشار العلامة ابن القيم في نونيته الرائعة حيث قال :

        وبناءها اللبنات من ذهب                   وأخرى  فضّة نوعان مختلفان
  وقصورها من لؤلؤ وزبرجد               أو فضّة أو خالص العقيان
   وكذاك من درّ وياقوت                      به نُظم البناء بغاية الاتقان
والطين مسك خالص أو زعفران           جا بذا أثران مقبولان
 ليس بمختلفين لاتنكرهما                   فهما الملاط لذلك البنيان

وعند أصحاب الذوق الرفيع والاستمتاع والتأمل رؤية مبهجة لمنظر الحصباء حين تكون صغيرة نظيفة منظومة ,هذا في الدنيا وأما حصباء الجنة فهي كما تقدّم شدرات اللؤلؤ ودرر الياقوت, وحسبك بذلك بهجـــــــــة وحبورا..

قال ابن القيم :{ حصباءها در و ياقوت            كذاك لألئ نثرت كنثر جمان }.

وما أن ينتبه المؤمن من تأمله في هذه المناظر الممتعة, والروائح المبهجة, والمشاعر السارّة بخاطره , حتى يتوجه بنظره إلى الأعلى وهو في أولى خطواته في هذه الجنة العظيمة , رفع بصره فشاهد الدرجات العالية من الجنة التي لا ينتهي إليها بصره , هناك حيث الغرف من فوقها الغرفات ,ومن فوقها القصور والخيام .
وفي وصفها ما لم ترى عين , ولم يخطر على قلب بشر , وستكون لنا بإذن الله تعالى جولة في أنحاء الغرف والخيام والقصور , نستجلي صفاتها ونستمتع بحسنها وطيبها بإذن الله ..

أسأل الله تعالى أن ينزلنا وإياكم تلك الجنات العالية ووالدينا والمسلمين ..إنه بــــر رحيم ..
 وصلى الله وسلم على نبينا محمد ..والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....             

     
    


0 أضف تعليق:

إرسال تعليق

أخي الزائر/أختي الزائرة:
قبل أن تكتب تعليقك ،تذكر قول الله تعالى :

{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية(18)

.๑. (النور جل جلاله) .๑.

لماكان النور من أسمائه سبحانه وصفاته كان دينه نورا،ورسوله نورا،وكلامه نورا، ودار كرامته لعباده نورايتلألأ،والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين،ويجري على ألسنتهم،ويظهر على وجوههم،ويتم تبارك وتعالى عليهم هذا النور يوم القيامة