الاثنين، 21 فبراير 2011

رحلة إلى بلاد الأشواق " 7 "


بسم الله الرحمن الرحيم
 رحلة إلى بلاد الأشواق " 7 "
 فضيلة الشيخ خالد ابن عبد الرحمن الشايع

الحمد لله رب العالمين .. وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ..
أما بعــــــــــــد ..

فقد وقفت بنا هذه الرحلة على أبواب الجنة وصفتها ومفتاحها , وجاء البيان بأن أول من يقرع أبوابها ويدخلها هو الحبيب محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ..

وفي هذه الحلقة .. أبيّن ما يتعلّق بالملائكة الموكلين بالجنة  وباستقبال عباد الله المؤمنين على مشارفها  , ثم أبين صفات السابقين لدخولها من هذه الأمة عند دخولهم ..

يقول الله جل ّ شأنه (( وسيق اللذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين )) فقوله سبحانه "وسيق اللذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا " قال الألوسي رحمه الله : { أي جماعات مرتبة حسب ترتيب طبقاتهم في الفضل } والمراد بالسوق هنا الحث على المسير للإسراع إلى الإكرام , بخلافه فيما تقدّم في شأن الكفار فإنه لإهانتهم وتعجيلهم إلى العقاب والآلام .

وقال العلامة ابن القيم :{ الخزنة جمع خازن مثل حفظة وحافظ , وهو المؤتمن على الشيء الذي قد استحفظه , وقد سمّى الله سبحانه وتعالى كبير هؤلاء الخزنة رضوان وهو اسم مشتق من الرضا }.

وأما الهيئة التي يكون عليها المؤمنون عند دخولهم الجنة فقد بينها ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال :{ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر , لا يبصقون فيها ولا يتغوطون فيها , ولا يمتخطون فيها , آنيتهم وأمشاطهم الذهب والفضة ومجا مرهم الألوّة , ورشحهم المسك , ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقها من وراء اللحم من الحسن , لا اختلاف بينهم ولا تباغض , قلوبهم على قلب رجل واحد , يسبحون الله بكرة وعشيّا } والمجامر جمع مجمرة وهي المبخرة , سميت مجمرة لأنها يوضع فيها الجمر ليفوح به ما يوضع فيها من البخور , والاُلوة العود أو الألوّة في كلا الضبطين هو العود الذي يُبخّر به ..

وجاء في الصحيحين أيضا ًمن حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال :{ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر , واللذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة , لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخطون , أمشاطهم الذهب , ورشحهم المسك , ومجا مرهم الألوة , وأزواجهم الحور العين , أخلاقهم على خلق رجل واحد , على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا ًفي السماء } .

وها هنا تسأل أورده بعض العلماء .. ومن ذلك ما قاله الحافظ القرطبي : { قد يقال أي حاجة لأهل الجنة إلى المشط وهم مرد وشعورهم لا تتسخ , وأي حاجة لهم إلى البخور وريحهم أطيب من المسك ؟؟! وستأتي الإجابة عن هذا التساؤل في غضون حلقة قادمة بإذن الله لمناسبة المكان هناك ..

ولما ذكر الله جلّ وعلا  أصناف بني آدم سعيدهم وشقيهم .. قسم سعداءهم إلى قسمين " سابقين وأصحاب يمين " فقال (( والسابقون السابقون )) وقد تعددت أقوال العلماء بالمراد بهؤلاء السابقين فقيل : {هم الأنبياء عليهم السلام , وقيل هم اللذين صلّوا للقبلتين , وقيل هم أولهم رواحا ًإلى المسجد وأولهم خروجا ًفي سبيل الله } .

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :{ وهذه الأقوال كلها صحيحة , فإن المراد بالسابقين هم المبادرون إلى فعل الخيرات كما أمروا , كما قال تعالى (( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم و جنة عرضها  السموات والأرض )) وقال (( سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض )) فمن سابق في هذه الدنيا وسبق إلى الخير, كان في الآخرة من السابقين إلى الكرامة فإن الجزاء من جنس العمل , وكما تدين تدان ..ولهذا قال تعالى (( أولئك المقربون في جنات النعيم )) وإلى هذا الترجيح ذهب أبن عطية وابن القيم رحمهم الله ..

هذا في وصف السابقين بالدخول إلى الجنة جعلني الله وإياكم منهم ..

وجاء في شأن من يسبق للجنة , ما دلّ عليه ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال :{ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم وهو خمسمائة عام } رواه الترمذي وصححه ابن حبان والألباني .

وثبت في صحيح مسلم من حديث عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما قال :{ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة بأربعين خريفا } يعني بأربعين عاما  .
قال العلامة ابن القيم :{ وتختلف مدة السبق بحسب أحوال الفقراء والأغنياء , فمنهم من يسبق بأربعين , ومنهم من يسبق بخمسمائة ,  كما يتأخر مكث العصاة من الموحدين في النار بحسب جرائمهم , والله أعلم }.

قال :{ ولكن ها هنا أمر يجب التنبيه عليه وهو أنه لا يلزم من سبقهم لهم في الدخول ارتفاع منازلهم عليهم } يقول ابن القيم : لا يلزم من سبق دخول الفقراء إلى الجنة قبل الأغنياء أن تكون منازلهم أرفع من منازل الأغنياء , قال :{ بل قد يكون المتأخر أعلى منزلة وإن سبقه غيره في الدخول , والدليل على هذا أن من الأمة من يدخل الجنة بغير حساب وهم السبعون ألف , وقد يكون بعض من يحاسب أفضل من أكثرهم .

والغني إذا حوسب على غناه أو وجد قد شكر الله فيه , وتقرب إليه بأنواع البر و الخير والصدقة والمعروف كان أعلى درجة من الفقير الذي سبقه في الدخول ولم يكن له تلك الأعمال , ولا سيما إذا شاركه الغني في أعماله , وزاد عليه فيها والله لا يضيع أجر من أحسن عملا..
فالمزيّة مزيّتان : مزيّة سبق ومزيّة رفعة , و قد يجتمعان وينفردان , فيُحصّل الواحد السبق والرفعة ويعدمهما آخر, ويحصل لآخر السبق دون الرفعة , ولآخر الرفعة دون السبق ..وهذا بحسب المقتضي للأمرين أو لأحدهما وعدمه وبالله التوفيق ..}..

وبعـــــــد أيها الكرام ...

فالموفّق من جعل من أولوياته الكبرى في هذه الحياة الدنيا  أن يحمل على أن يكون من السابقين  لدخول الجنة والحلول في منازلها العالية , وليس مجرد دخولها فحسب ..

وقد استنهض الله همم عباده المؤمنين فقال سبحانه (( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدّت للمتقين )) وفي سورة الحديد قال سبحانه (( سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم )) والمسارعة والمسابقة في الآيتين تتعلق  بأسباب المغفرة , وأسباب دخول الجنة ..

أسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعا ًمن السابقين لدخول جنات النعيم .. إنه سبحانه بــرٌ رحيــــم ..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..     
                                                                                         




                                                    

0 أضف تعليق:

إرسال تعليق

أخي الزائر/أختي الزائرة:
قبل أن تكتب تعليقك ،تذكر قول الله تعالى :

{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية(18)

.๑. (النور جل جلاله) .๑.

لماكان النور من أسمائه سبحانه وصفاته كان دينه نورا،ورسوله نورا،وكلامه نورا، ودار كرامته لعباده نورايتلألأ،والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين،ويجري على ألسنتهم،ويظهر على وجوههم،ويتم تبارك وتعالى عليهم هذا النور يوم القيامة