الاثنين، 21 فبراير 2011

رحلة إلى بلاد الأشواق "6 "


بسم الله الرحمن الرحيم
رحلة إلى بلاد الأشواق "6 "
فضيلة الشيخ خالد ابن عبد الرحمن الشايع

الحمد الله رب العالمين .. وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين .. نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعـــــــــد ..

مرحبـــــــــا بكم أيها الإخوة والأخوات .. في  هذه الحلقة ضمن رحلتي وإياكم إلى بلاد الأشواق ..
وقد شرعت في الكلام عن الجنة وصفتها , حيث ذكرت ما يتعلق بأبواب الجنة , وما يتعلق بها أيضا ًمن جهة عددها وسعة أبوابها ومفتاحها الأعظم ..

ومما يتعلق بالجنة أيضا .. أن " للجنـــــّة بوّابيــــــــــن وخزنـــــــــة " , وقد عقد العلامة ابن القيم رحمه الله لهذا الموضوع بابا ًفي كتابه " حادي الأرواح " وعليه أعوّل ...

ومن أدلة ذلك قول الله تعالى (( وسيق اللذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها قال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين )) , والخزنة جمع خازن مثل حفظة وحافظ , وهو المؤتمن على الشيء الذي قد استُحفظه , وثبت في صحيح مسلم عن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال :{ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح .. فيقول الخازن : من أنت ؟ فأقول : محمد , فيقول بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك } فدلّت الآية على أن للجنة من الملائكة من يقومون عليها بأمر الله , ودلّ الحديث على أن أولائك الخزنة لهم رئيس ومقدّم في ذلك , وهو رضوان عليه السلام ..

وفي سؤاله النبي صلى الله عليه وسلم : من أنت ؟ , ليس جهلا ًمنه بحقيقة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبشخصه الشريف , وإنما هذا نوع من التقرير ولإظهار مزيّة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم , فإنه لما قال : محمد .. قال : بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك .. وهذا يُظهر شرف نبينا صلى الله عليه وسلم بخلاف ما لو أنه إذا  أقبل إلى الجنة فتح الباب , فربما ظن أنه يمكن أن يُفتح لأي قادم .. لكن لما سأله واستعلم عنه وقال : محمد , وقال : لا أفتح إلا لك , عُلم قدر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأظهر شرفه .

قال العلامة ابن القيم :{ قد سمّى الله سبحانه وتعالى كبير الخزنة " رضـــــوان " , وهو اسم مشتق من الرضا , وسمّى خازن النار" مـالــكا " , وهو اسم مشتق من الملك وهو القوة والشدّة حيث تصرفت حروفه ..
ثم إن أبواب الجنة الثمانية ..عليها خزنة , ينادون أصحاب تلك الأبواب من المؤمنين اللذين اختصوا بأعمالها  الصالحة , يدل على هذا ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :{ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أنفق زوجين في سبيل الله دعاه خزنة الجنة , كل خزنة باب أي فل هلمّ ..قال أبوبكر : يا رسول الله ..ذاك الذي لا توى عليه , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأرجو أن تكون منهم }وفي لفظ أنه رضي الله عنه قال : هل يدعى احد من تلك الأبواب كلها ؟ قال : نعم , وأرجو أن تكون منهم ..

ولابن القيم رحمه الله تعليق لطيف على همّة أبي بكر الصديق رضي الله عنه و حرصه على دخول الجنة من جميع أبوابها , فيقول : { لما سمت همّة الصديق إلى تكميل مراتب الإيمان وطمعت نفسه أن يدعى من تلك الأبواب كلها , فسأل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هل يحصل ذلك لأحد من الناس ليسعى في العمل الذي ينال به ذلك , فأخبره بحصوله وبشّره بأنه من أهله , فكأنه قال : هل يكمن لأحد هذه المراتب فيدعى يوم القيامة من أبواب الجنة كلها ؟ فلله .. ما أعلى هذه الهمّة وأكبر هذه النفس ..} .

وأنت تلحظ أخي الكريم .. أختي الكريمة أن أبواب الجنة قد اختُصّت بأعمال محددة , من جاء بها فهو من أهل  تلك الأبواب , وهذا يحمل المسلم على أن يضرب بسهم وافر لأبواب الخير والأعمال الصالحة , لعله أن يكون مدعوّا ًمن تلك الأبواب يوم القيامة ..

 ثم إن مما ينبغي أن يُعلم أن مفتاح الجنة الأعظم هو لا إله إلا الله لمن جاء بشروطها وقام بحقوقها , روى البخاري في صحيحه عن وهب ابن منبه أنه قيل له : { أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله ؟ قال : بلى , ولكن ليس مفتاح إلا وله أسنان .. فإن جئت بمفتاح له أسنان فُتح لك , وإلاّ لم يُفتح لك } والمقصود أن الجنة لا يدخلها إلا النفس المؤمنة , وبحسب ما يكون لديها من الإيمان يكون لها البدار بالدخول , وبحسب نقص الإيمان يكون التأخير , فإذا أضمحل الإيمان وزال حُرم العبد من دخول الجنة ..

 ولنختم حلقتنا هذه بفائدة أوردها العلامة ابن القيم إثر كلامه على مفتاح الجنة حيث قال : { وقد جعل الله لكل مطلوب مفتاحا ًيفتح به .. فجعل مفتاح الصلاة الطهور , ومفتاح الحج الإحرام , ومفتاح البر الصدق , ومفتاح الجنة التــوحيــد , ومفتاح العلم حسن السؤال وحسن الإصغاء , ومفتاح النصر والظفر الصبـــر, ومفتاح المزيد الشكر , ومفتاح الولاية والمحبة الذكر , ومفتاح الفلاح التقوى , ومفتاح التوفيق الرغبة والرهبة , ومفتاح الإجابة الدعاء , ومفتاح الرغبة في الآخرة الزهد في الدنيا , ومفتاح الإيمان التفكّر فيما دعا الله عباده إلى التفكر فيه , ومفتاح الدخول على الله إسلام القلب وسلامته له والإخلاص له بالحب والبغض والفعل والترك , ومفتاح حياة القلب تدبّر القرءان والتضرع بالأسحار وترك الذنوب , ومفتاح حصول الرحمة الإحسان في عبادة الخالق والسعي في نفع عبيده , ومفتاح الرزق السعي مع الاستغفار والتقوى , ومفتاح العلم طاعة الله ورسوله , ومفتاح الاستعداد للآخرة قِصر الأمل , ومفتاح كل خير الرغبة في الله والدار الآخرة , ومفتاح كل شر حب الدنيا وطول الأمل }.

وهذا باب عظيم من أنفع أبواب العلم , وهو معرفة مفاتيح الخير والشر , ولا يوفق لمعرفته ومراعاته إلا من عظُم حظه وتوفيقه فإن الله سبحانه وتعالى جعل لكل خير وشر مفتاحا ًوبابا ًيدخل منه إليه , كما جعل الشرك والكبر والإعراض عمّا بعث به رسوله والغفلة عن ذكره والقيام بحقه مفتاحا ًللنار , وكما جعل الخمر مفتاح كل أثم , وجعل الغناء مفتاح الزنا , وجعل إطلاق النظر في الصور مفتاح الطلب والعشق , وجعل الكسل والراحة مفتاح الخيبة والحرمان , وجعل المعاصي مفتاح الكفر , وجعل الكذب مفتاح النفاق , وجعل الشح والحرص مفتاح البخل وقطيعة الرحم وأخذ المال من غير حلّه , وجعل الإعراض عمّا جاء به الرسول مفتاح كل بدعة وضلالة.

وهذه الأمور لا يصدق بها إلا كل من له بصيرة صحيحة وعقل يعرف به  ما في نفسه , وما في الوجود من الخير والشر , فينبغي للعبد أن يعتني كل الاعتناء بمعرفة المفاتيح وما جعلت المفاتيح له ..

والله من وراء توفيقه وعدله .. له الملك وله الحمد وله النعمة والفضل .. لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..                    

0 أضف تعليق:

إرسال تعليق

أخي الزائر/أختي الزائرة:
قبل أن تكتب تعليقك ،تذكر قول الله تعالى :

{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية(18)

.๑. (النور جل جلاله) .๑.

لماكان النور من أسمائه سبحانه وصفاته كان دينه نورا،ورسوله نورا،وكلامه نورا، ودار كرامته لعباده نورايتلألأ،والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين،ويجري على ألسنتهم،ويظهر على وجوههم،ويتم تبارك وتعالى عليهم هذا النور يوم القيامة