الاثنين، 21 فبراير 2011

رحلة إلى بلاد الأشواق " 13"


بسم الله الرحمن الرحيم

رحلة إلى بلاد الأشواق " 13"

فضيلة الشيخ خالد ابن عبد الرحمن الشايع

الحمد الله رب العالمين ..وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

أما بعـــــــــــد ..

ها هي رحلتنا وقد حطّت بنا في رحاب الجنة ,حيث نتجوّل مع عباد الله المؤمنين في أولى لحظات أخذهم لهذا النعيم الذي وعدهم الله جلّ وعلا ,النعيم الذي طالما تشوقوا له .

قال الله تعالى (( وَعَدَ اللهُ المُؤمِنينَ والمُؤمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجرِي من تَحتِهَا الأنهار خَالِدينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدنٍ وَ رِضوَانٌ مِنَ اللهِ أكبر ذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيم )) .

وقد تقدّم ذكر اللحظات والخطوات الأولى للمؤمنين عند دخولهم الجنة, و ما يواجهونه من النعيم الذي لم يخطر لهم على بال من قبل.

وفي سياق ما هم فيه من هذا النعيم.. فقد جعل الله لهم من الخدم والحشم ما تزداد به بهجة نعيمهم, وفي هذا يقول الله جلّ شأنه عن أهل الجنة (( وَ يَطُوفُ عَلَيهِم غِلمَانٌ لَهُم كَأنّهُم لُؤلؤٌ مَكنُون )).

قال ابن كثير:{ هذا إخبار عن خدمهم وحشمهم في الجنة, كأنهم اللؤلؤ الرطب المكنون في حسنهم وبهاءهم ونظافتهم وحسن ملابسهم, شبابهم باقٍ لا يتغيّر, وهيأتهم جميلة على حالها لا تتبدل, فهم دائماً على تلك الهيئة المنعوتة بالشباب والمنظر الحسن .. وقد مر بهؤلاء المؤمنين في دنياهم أن الشخص من تنعّمه أن يجد خادماً يُلائمه, ويُهيئ له حاجاته ويقضي له شئونه . ولا يتم هذا التنعم إلا إذا كان هذا الخادم نظيفاً رفيقاً مهذباً ,يحسن التعامل والإنجاز}.  وبيّن الله جل شأنه جانبا من خدمة هؤلاء الولدان وحالهم مع أهل الجنة, فقال سبحانه (( يَطُوفُ عَلَيهِم وِلدَانٌ مُخَلّدُونَ بِأكوَابٍ وَ أبَارِيقَ وَ كَأسٍ مِن مَعِين))بأكواب : أي يطوفون عليهم بأكواب وهي الأقداح , وهي القداح التي لا عُرى لها .
وأباريق : أي بآوان ذات عرى . وكأس من معين : أي بإناء مملؤ  بالخمر الكثير الجاري ,فقوله معين بمعنى الكثرة .
وقد أختلف في هؤلاء الولدان ..هل هم من ولدان الدنيا أم أنشأهم الله في الجنة إنشاءً ؟؟! على قولين :

قال ابن القيم :{ و الأشبه أن هؤلاء الولدان مخلوقون من الجنة كالحور العين خدماً لهم وغلمانا ,كما قال سبحانه (( وَ يَطُوفُ عَلَيهِم غِلمَانٌ لَهُم كَأنَّهُم لُؤلؤٌ مَكنُون )) وهؤلاء غير أولادهم ,فإن من تمام كرامة الله جلّ و علا لهم أن يجعل أولادهم مخدومين معهم ولا يجعلهم غلمان لهم .

ثم قال سبحانه مبيناً تلك اللحظات التي يتنعم فيها أهل الجنة وهم تتنوع بين أنظارهم مظاهر النعيم, قال سبحانه   (( وأقبَلَ بَعضِهِم عَلَى بَعضٍ يَتَسَاءَلُون )) أي أقبلوا يتحادثون ويتساءلون عن أعمالهم وأحوالهم في الدنيا , وهذا كما يتحادث أهل الشراب و الطعام على شرابهم وطعامهم ..

(( قَالُوا إنّا كُنّا قَبلُ فِي أهلِنَا مُشفِقِين )) أي قد كنا في الدار الدنيا ونحن بين أهلنا خائفين من ربنا مشفقين من عذابه وعقابه, ((فَمَنَّ اللهُ عَلَينَا وَ وَقَانَا عَذَابَ السَّمُوم )) أي فعظُمت نعمة الله جل وعلا علينا وابتدأنا بهذا الخير العميم فوقانا من عذاب الجحيم و أجارنا مما نخاف .

وأذكّر هُنا .. بأن هذه الصور التي تعرضها نصوص القرءان والسنة لا يدركها البشر إلا في حدود ما يعهدون في الأرض, فإذا كانوا هنالك في جنات النعيم تطورت أذواقهم ومفاهيمهم بما يتناسب مع دار الكرامة..
و ما أن يستقر المؤمن بين أزواجه و أهله في مساكنه في الجنة ,حتى يتوالا عليه النعيم والحبور من كل ما حوله ومن حوله ,حتى إنه لا ينسى كلما مر به في الدنيا من الأكدار والأحزان والمشاق, لا.. بل إنه لا ينشغل عن الأهوال التي عاينها قبل قليل و لا زال كثير من الناس ورائه يعيشونها في عرصات ذلك اليوم العظيم ..وهذا ما دل عليه قوله سبحانه (( إنَّ أصحَابَ الجنة في شُغُلٍ فَاكِهُون هُم وأزواجُهم فِي ظِلَالٍ عَلَى الأرَائكِ مُتّكئِون لهُم فِيهَا فَاكِهة ولَهُم ما يَدَّعُون سلامٌ قَولاً مِن رَبٍّ رَحِيم )) .

قال ابن كثير :{يخبر تعالى عن أهل الجنة أنهم يوم القيامة إذا ارتحلوا من العرصات ..فنزلوا في روضات الجنّات أنهم في شغل فاكهون أي , شغل عن غيرهم بما هم فيه من النعيم المقيم والفوز العظيم}.
وقد تعددت  أقوال المفسّرين في هذا الشغل الذي يجعل أهل الجنة لا يتفكّرون ولا ينظرون إلى شيء آخر غير ما هم فيه من النعيم ,فقيل هم مشتغلون مع أزواجهم , وقيل مشتغلون بالنعيم بكل أنواعه ..

وليطف فكرك .. وليسبح خيالك كيفما شئت في مشتاق إلى جنات الفردوس وإلى حورها ونعيمها وحبورها.. كيف سيكون حاله ؟!!

وحسبك أن تدرك أن أولى لحظات هذا النعيم في الجنة تنعكس على هيئاتهم وأحوالهم و وجوههم ..
فتعرف إذا نظرت إليهم .. في وجوههم نظرة النعيم .. أي صفة الترافة و الحشمة والسرور و الدعة و الرياسة ..وذلك مما هم فيه من النعيم العظيم ,قال الله تعالى (( إنَّ الأبرارَ لَفِي نَعِيم عَلَى الأرَائكِ يَنظُرون تَعرِفُ فِي وجُهِهم نَظرَةَ النَعِيم )) .

فإذا سألت إلى ما ينظرون ؟؟ فقد قيل معناه : ينظرون في ملكهم وما أعطاهم الله من الخير والفضل, الذي لا ينقضي و لا يبيد ..

وقيل معناه : ((على الأرائك ينظرون )) إلى الله عزَّ وجل , وهذا مقابله لما وصف به أولائك الفجَّار ((كَلَا إنَّهُم عَن رَبَّهِم يَومَئِذٍ لَمَحجُوبون )) فذكر عن هؤلاء أنهم يُهيئ لهم النظر إلى الله عزّ وجل وهم على سررهم و فرشهم, والنظر إلى وجه الله الكريم في الجنة هو أعظم النعيم ..فرؤية وجهه جلَّ وعلا هو أقصى ما يكون من نعيم العبد , وسيكون لهذا الشوق لأعظم مطلوب حلقة خاصة لاحقة بإذن الله تعالى ..

أسأل الله تعالى أن يجعل مستقرنا جميعاً في جنات النعيم ..نحن و والدينا و المسلمين ..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .. والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..

0 أضف تعليق:

إرسال تعليق

أخي الزائر/أختي الزائرة:
قبل أن تكتب تعليقك ،تذكر قول الله تعالى :

{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية(18)

.๑. (النور جل جلاله) .๑.

لماكان النور من أسمائه سبحانه وصفاته كان دينه نورا،ورسوله نورا،وكلامه نورا، ودار كرامته لعباده نورايتلألأ،والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين،ويجري على ألسنتهم،ويظهر على وجوههم،ويتم تبارك وتعالى عليهم هذا النور يوم القيامة