الاثنين، 21 فبراير 2011

رحلة إلى بلاد الأشواق " 10"


بسم الله الرحمن الرحيم

رحلة إلى بلاد الأشواق " 10"

فضيلة الشيخ خالد ابن عبد الرحمن الشايع

الحمد لله رب العالمين ..وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

أما بعــــــــد ..

فها هي رحلتنا بعون الله إلى دار كرامته جلّ وعلا .. تنتقل بنا إلى مرحلة جديدة ...

ويا الله .. ما أعظم فرحة عباد الله الفائزين حين يدخلون الجنة, فينطلق كل إلى بيته وأهله يعرفه أعظم من معرفته بيته في الدنيا..و إنها لأربح تجارة, أن يجاهد المؤمن في هذه الحياة الدنيا القصيرة, حتى لو فقد حياته كلها في مرضاة الله جلّ وعلا, ثم يعوّض عنها تلك الجنات, وهذه المساكن في نعيم مقيم, حقّاً ذلك هو الفوز العظيم...

أسأل الله تعالى أن يجعلني و إياك ممن ينعم بجوار الرب تبارك وتعالى , وممن يسكن تلك الغرفات العالية نحن ووالدينا والمسلمين بمنّه وكرمه جلّ وعلا ...

فها هم المؤمنون يخطون خطواتهم الأولى في جنات عــــــــدن, تلك الجنات التي طال الشوق إليها, بل إلى خالقها ربنا ومولانا وسيدنا جلّ جلاله ,وقدّمت من قبل تلك الدهشة العظيمة التي تلحق المؤمن في أولى خطواته في جنات النعيم ,حين يشاهد بناء الجنات ويتلمّس تربتها الزاكية, وها هي الأشواق تجدد ثانية ليتوجه إلى داره ومسكنه في الجنة .

وحين نرجع للدنيا نقول يا سبحان الله !! و كيف سيميّز بيته في الجنة, وكيف سيعرفه من بين الأعداد المهولة لمساكن الجنة ؟ غرفاتها وخيامها وقصورها !! والجواب: أن الله يلهمهم معرفتها ويكلّف ملائكته أن توصِّف لهم طريقها..

ففي صحيح البخاري من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن أهل الجنة:{ حتى إذا هُذِّبوا ونُقّوا أذن لهم في دخول الجنة, فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا },قال القرطبي رحمه الله  :{ وقع في حديث عبد الله ابن سلامه رضي الله وقد رواه ابن المبارك وصححه الحاكم : أن الملائكة  تدلّهم على طريق الجنة ,يميناً وشمالاً وهو محمول على من لم يُحبس بالقنطرة أو على الجميع . و المراد أن الملائكة تقول ذلك لهم قبل دخول الجنة, فمن دخل كانت معرفته بمنزله فيها كمعرفته بمنزله في الدنيا }.

قال ابن الحجر:{ ويحتمل أن يكون القول "يعني دلالتهم "بعد الدخول مبالغة في التبشير و التكريم.
وها نحن الآن نتطلّع لمساكن أهل الجنة ,,فهناك القصور ..وهناك غرفات وغرف من فوقها غرف مبنيّة , وهنالك الخيام العجيبة, وفي داخل تلك الدور من الأثاث البهيج بأنواعه وأصنافه ,وكذلك الساكنات في تلك الدور من الحور الحسان على نحو ما سيأتي بيانه بإذن الله ..

يقول الله تعالى (( واللذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم في الجنة غرفاً تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين )) وقال سبحانه (( لكن اللذين اتقَوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنيّة )) فهذا خبر من الله تعالى فيه وصف مساكن أهل الجنة وأنها غرف مبنيّة و هي القصور الشاهقة, ومن فوقها غرف مبنيّة أي طباق فوق طباق مبنيّات عاليات محكمات مزخرفات..

قال ابن عباس:{من زبرجد وياقوت }وجاء في بعض الأحاديث أن من البيوت ما يكون قطعة واحدة من لؤلؤ مجوّف, الغرف والأبواب وأثاث البيت وأجزاءه الأخرى كلها من لؤلؤ.

و منها ما هو من ذهب خالص, ومنها ما يكون مبنيّاً بالذهب والفضة , وأخبر سبحانه عن هذه المساكن بأنها تجري من تحتها الأنهار , أي تسلك الأنهار بين خلالها وممراتها وذلك كما يشاءون وحيث يُريدون ,والماء يُضفي بهجة وسروراً يدركها أهل الدنيا فكيف بالآخرة ..

هذه الأنهار..أنواع منوّعة وأصناف متعددة مع ما اشتهوه من أطعمة وثمار, وتلك الأنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغيّر طعمه وأنهار من خمر لذّة للشاربين, وأنهار من عسل مصفّى, وتُحيط بهم كل الثمرات ,فتُوفّر لهم فيها أسباب النزهة, وأسباب البهجة والسرور العظيم .

وبيوت أهل الجنة .. أنواع منوّعة ودرجات متفاوتة, بحسب منزلة العبد في الجنة , ولتطف بخيالك ما شئت بين تلك الأرجاء , ولتُحلّق بأفكارك كيف ما استطعت بين تلك الأنحاء ,حيث ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر . ومهما تخيلت من نعيم فالجنة فوق ذلك وأعظم ..

الجنة التي فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين..حيث يقال لأهلها ((ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدّعون )) حيث يملك كل واحد من أهلها الملك العظيم وحسبك أن تعلم أن موضع سوط في الجنة (يعني بمقدار السوط) خير من الدنيا وما فيها. بهذا صح الخبر عن سيد البشر صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري.
وعن بيوت الجنة ومساكنها.. جاء النص في القرءان الكريم على نوع خاص منها ووصفه سيد المرسلين إنها الخيام ,ولا يذهب وهلك بخيام الدنيا فهو تشابه الأسماء فحسب ,فخيمة الدنيا معروفة وهي كما يقول النووي :{بيت مربع يُسكن عادةً في الصحاري والقفار} أما خيام الآخرة فالواحدة منها لؤلؤة مجوّفة بسعة عظيمة وارتفاع شاهق ,قال الله تعالى ((حور مقصورات في الخيام )) قال البخاري في صحيحه :{قال ابن عباس الحور السود الحدق}وقال مجاهد :{مقصورات محبوسات ,قُصِرَ طرفهنَّ وأنفسهنَّ على أزواجهن ,قاصرات لا يبغين غير أزواجهن } .

ويقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم :{ إن في الجنة لؤلؤة مجوّفة عرضها ستون ميلاً في كل زاوية منها أهل لا يرون الآخرين ,يطوف عليهم المؤمنون ,وجنتان من فضّة آنيتهما وما فيهما , وجنتان من كذا آنيتهما وما فيهما, وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم لا رداء الكبر على وجهه في جنة عـدن }.رواه البخاري في صحيحه .

و قال ابن عباس :{ الخيمة درّة مجوّفة فرسخ في فرسخ لها أربعة آلاف من مصراع من ذهب }(يعني الأبواب أقفالها أو المماسك التي ترفعها أربعة آلاف من ذهب )رواه ابن أبي الدنيا بسند صحيح ومثله لا  يقال بالرأي.

قال ابن القيم في نونيته
وخيامها منصوبة برياضها               وشواطئ الأنهار بالجريانِ
 ما في الخيام سوى التي لو قابلت        للنيّرين لقلت منكسفانِ

و من أنواع بيوت الجنة وأوصافها ما جاء في حديث رواه علي ابن أبي طالب رضي الله عنه قال:{ قال النبي صلى الله عليه وسلم:إن في الجنة غرفاً تُرى ظهورها من بطونها, وبطونها من ظهورها }الحديث رواه أحمد وغيره.

ومن صفات منازل أهل الجنة ..ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه :{إن أهل الجنة لا يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم ..قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم . قال: بلى .. والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدّقوا المرسلين }رواه البخاري ومسلم واللفظ له .

والمعنى أن أهل الجنة تتفاوت منازلهم بحسب درجاتهم في الفضل ,حتى إن أهل الدرجات العلى لا يراهم من هو أسفل منهم كالنجوم , ولدى قال عليه الصلاة والسلام :{ إن في الجنة مئة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض }رواه البخاري .

تلكم هي بيوت الجنة .. وقصورها وغرفها حيث أنواع النعيم , نور يتلألأ وريحانة تهتز, وقصر مشيد , ونهر مطرد ,وفاكهة كثيرة نضيجة , و زوجة حسناء جميلة , وحلل كثيرة في مقام مؤبد في حضرة ونضرة في دور عالية سليمة بهيّة ..

فتأمل يا عبد الله هذه الغرف والخيام والبيوت والقصور وما فيها من النعيم المقيم والفوز الكبير والفلاح العظيم..تدرك أن قصور الدنيا كلها لا تعدل عندها جناح بعوضة..

وصلى الله وسلم على نبينا محمد ...والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
              
  


                    
     



0 أضف تعليق:

إرسال تعليق

أخي الزائر/أختي الزائرة:
قبل أن تكتب تعليقك ،تذكر قول الله تعالى :

{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية(18)

.๑. (النور جل جلاله) .๑.

لماكان النور من أسمائه سبحانه وصفاته كان دينه نورا،ورسوله نورا،وكلامه نورا، ودار كرامته لعباده نورايتلألأ،والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين،ويجري على ألسنتهم،ويظهر على وجوههم،ويتم تبارك وتعالى عليهم هذا النور يوم القيامة