الاثنين، 21 فبراير 2011

رحلة إلى بلاد الأشواق " 5 "


بسم الله الرحمن الرحيم  

رحلة إلى بلاد الأشواق " 5 "

فضيلة الشيخ : د.خالد بن عبد الرحمن الشايع

الحمد لله رب العالمين .. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .. ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

أما بعـــــــــد ...
نواصل أيها الإخوة سياق رحلتنا إلى بلاد الأشواق .. نطوف في أرجاءها من خلال ما جاء من دلالات في كتاب الله تعالى وسنة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ..

 في هذه الحلقة سيكون الحديث عن " سعــــــــة أبــواب الجـــــنّة " , غير أنه قبل البدء فيها وددت التوقف عند حديث مرّ معنا في حلقة ماضية و فيه عدد من الفوائد , وله صلة بأبواب الجنة ..

فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :{ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنفق زوجين من شيء ٍمن الأشياء في سبيل الله دُعي من أبواب الجنة : يا عبد الله هذا خيـــــر , فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة , ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد , ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة , ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريّان . فقال أبوبكر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ..ما أنا من دعي من تلك الأبواب من ضرورة , فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها ؟؟ فقال : نعـم , وأرجو أن تكون منهم}.
هذا الحديث العظيم فيه عدد من الدلالات والفوائد التي يحسن التوقف عندها بعون الله تعالى , فمن ذلك أن هذا الحديث قد وضّح أن كل عامل يدعى من باب ذلك العمل , وقد جاء هذا صريحا ًمن وجه آخر كما يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله , عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ لكل عامل باب من أبواب الجنة يدعى منه بذلك العمل }رواه أحمد وابن أبي شيبة بإسناد صحيح .

وفي تعداد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث لأبواب الجنة حين قال : من كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ...إلى آخره , إنما ذُكر هنا أربعة أبواب من أبواب الجنة , وقد تقدّم معنا أن أبواب الجنة ثمانية , وبقي من الأركان الحج فله باب بلا شك , وأما الثلاثة الأخرى فمنها باب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس..رواه أحمد عن الحسن مرسلا حيث قال :{ إن لله بابا ً (يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الحسن مرسلا ً) إنّ لله بابا ً في الجنة لا يدخله إلا من عفا عن مظلمة }..

 ومن الأبـــــــــــواب :
البـــاب الأيمـــن وهو بــاب المتــــــوكلين الذي يدخل منه من لا حساب عليه ولا عذاب .
وأما الثــــالث فلعلّه بـــاب الذكــــــر , قد جاء عند الترمذي ما يومئ إليه , ويحتمل أن يكون بـــاب العـــلم , والله أعلم ..

ويُحتمل أن يكون المراد بهذه الأبواب التي يدعى منها هي أبواب في الجنة تُعدّ هي الأبواب العظمى والأبواب الكبرى , ومن دونها أبواب أخر أصغر منها , ذلك أن الأعمال الصالحة أكثر عددا ًمن ثمانية ..
وفي حديث أبي بكر هذا لما سأل (هل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها ) إشعار بقلّة من يدعى من تلك الأبواب كلها , وفيه إشارة إلى أن المراد ما يتطوع به من الأعمال المذكورة كالصلاة والصدقات والصيام والحج ، فيراد بها ما يتطوع به لا واجباتها ، وذلك لكثرة من يجتمع له العمل بالواجبات كلها بخلاف التطوعات فقل من يجتمع له العمل بجميع أنواع التطوعات . ثم من يجتمع له ذلك إنما يدعى من جميع الأبواب على سبيل التكريم له  ، وإلا فدخوله إنما يكون من باب واحد ولعله باب العمل الذي يكون أغلب عليه ، والله أعلم..

وفي هذا الحديث أيضًا أن من أكثر من شيء عُرف به ، وأن أعمال البر قلّ أن تجتمع جميعها بشخص واحد على السواء ، وبين أيضًا أن الملائكة يحبون صالح بني آدم ويفرحون بهم , فإن الإنفاق كلما كان أكثر كان أفضل ، وبيّن الحديث أيضًا أن تمني الخير في الدنيا والآخرة مطلوب ..
أما ما يتعلق بسعة أبواب الجنة :
             
   فإنها أيها الأخوة والأخوات فوق ما يحده الخيال أو يخطر في البال ، ومما يوضح شيئًا من ذلك ما جاء في حديث الشفاعة المخرّج في الصحيحين , فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : { وُضعت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قصعة من ثريد ولحم فتناول الذراع ، وكان أحب الشاة إليه فنهش نهشة وفي لفظ فنهس نهسة ـــ يعني أخذ بأسنانه وأضراسه جميعًا ـــ فقال عليه الصلاة والسلام : أنا سيد الناس يوم القيامة ، ثم ذكر حديث الشفاعة بطوله ، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم :{ والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر أو هجر ومكة }هكذا قال عليه الصلاة والسلام وهذا الخبر منه بعد أن يقوم في ذلك الموقف العظيم يستشفع لأمته عليه الصلاة والسلام ..

وجاءت الإشارة إلى هذا في هذا الحديث حيث قال :{ فأقول يا ربِّ أمتي أمتي !! فيقول الله تعالى يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب،والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر أو هجر ومكة ، وفي لفظ : لكما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبُصرى }..متفق عليه..

ومعنى قوله ما بين مصراعي الباب يعني ما بين جانبيه ، وهجر مدينة معروفة هي قاعدة بلاد البحرين ، وبُصرى مدينة معروفة من جهة دمشق..

وأيضًا جاء في صحيح مسلم عن عتبة ابن غزوان رضي الله عنه قوله :{ ولقد ذُكر لنا أن مصراعين من مصاريع الجنة بينهما مسيرة أربعين سنة وليأتينَّ عليه يوم وهو كظيظ من الزحام }.. كظيظ يعني ممتلئ ..
وجاء أيضًا عند الإمام أحمد والترمذي عن معاوية ابن حيدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :{توفّون سبعين أمة ــ يعني تكملون سبعين أمة من الأمم الماضية ــ أنتم آخرها وأكرمها على الله ، وما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عامًا ، وليأتينَّ عليه يوم وإنه لكظيظ } صححه العلامة الألباني..

تأمل أخي الكريم ما بين طرفي الباب أربعين سنة , يعني لو أن الشخص مشى مدة أربعين عاما فإنه يصل إلى الطرف الآخر من الباب .. ولاشك أن هذا يدل على سعة تلك الأبواب وعظمتها ..

وقد تنوعت أقوال العلماء رحمهم الله تعالى في هذه التقديرات من جهة اختلاف سعة الأبواب ، فنحن نلحظ أن في بعض الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم : بين مكة وهجر ، وفي حديث آخر بين مكة وبُصرى ، وفي حديث آخر مسيرة أربعين سنة ..

وقد حمل العلماء رحمهم الله تعالى اختلاف الوصف لاحتمال أنه صلى الله عليه وسلم أعلم بالقليل ثم أعلم بالكثير، أو يحمل على اختلاف الأبواب باختلاف أصحابها ، أو أن يكون المراد بأوسع الأبواب " الباب الأعظم " وهو باب الجنة العالية ، ذلك أن الجنة درجات بعضها فوق بعض ..

 الجنة مقببة .. بناء عالٍ وذلك أن بين الدرجة والأخرى مسيرة مائة عام , فأبوابها كذلك ، فباب الجنة العالية فوق الجنة التي تحتها وكلما علت الجنة اتسعت ، فعاليها أوسع مما دونها ، وسعة الباب بحسب وسع الجنة , فاختلاف تقدير السعة في الأحاديث لاختلاف الأبواب ..

ومما يلحظ هاهنا أيها الأخوة والأخوات , أن نبينا محمدًا عليه الصلاة والسلام قد أخبر بذلك تشويقًا لأمته ، ولأجل أن يحرصوا على المسابقة إلى تلك الأبواب ..

ثم  أيضًا مما يلاحظ كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس من المؤمنين عند دخولهم الجنة يدخلون على هيئة الصف الواحد ، وهذا ما يشير إليه حديث بريده رضي الله عنه قال :{ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أهل الجنة عشرون ومائة صف ــ الذين يدخلون الجنة صفوفهم مائة وعشرين ــ قال عليه الصلاة والسلام : ثمانون منها من هذه الأمة , وأربعون من سائر الأمم ..} رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وحسنه الحافظ ابن حجر..
وهــــذه الأمـــــة , كثر الداخلون منها إلى الجنة أكثر من الأمم الأخرى , ببركة دعوة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان يقول مستشفعًا إلى ربه جلّ وعلا : أمتي ،أمتي ! حتى جاءت البشارة من رب العالمين , كما قال عليه الصلاة والسلام مخبرًا أمته : إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة ..وهذا ثابت في الصحيح..
وقد أقر الله عين محمد صلى الله عليه وسلم وهو القائل سبحانه (( ولَسَوفَ يُعطِيكَ رَبُّكَ فَترضَى )) فجعل أمته أكثر من نصف أهل الجنة ، كما في هذا الحديث أنهم ثمانون صفًا من مائة وعشرين..

فجزا الله نبينا محمدًا عليه الصلاة والسلام خير الجزاء ، وبلّغه الوسيلة والفضيلة ، وجمعنا به في جنات ونهر عند ربنا وهو المليك المقتدر.. ووالدينا والمسلمين إنه سبحانه جواد كريم ..

وإلى لقاء الحلقة التالية بإذن الله , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته......



0 أضف تعليق:

إرسال تعليق

أخي الزائر/أختي الزائرة:
قبل أن تكتب تعليقك ،تذكر قول الله تعالى :

{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية(18)

.๑. (النور جل جلاله) .๑.

لماكان النور من أسمائه سبحانه وصفاته كان دينه نورا،ورسوله نورا،وكلامه نورا، ودار كرامته لعباده نورايتلألأ،والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين،ويجري على ألسنتهم،ويظهر على وجوههم،ويتم تبارك وتعالى عليهم هذا النور يوم القيامة