الخميس، 31 مارس 2011

تعوّدْ أن تعيش لغيرك كما تعيش لنفسك



 تعوّدْ أن تعيش لغيرك كما تعيش لنفسك

تعوّدْ أن لا تعيش لنفسك فقط،،
وإنما تُفَكِّرُ في غيرك،،
وتعمل شيئاً من أجل غيرك،،
وتضحي بشيء من مصالحك لمصالح غيرك،،
فإذا تذكرت أن لك حاجات فتذكّرْ أيضاً أن لغيرك حاجات،،
وإذا أحسست بأن لك مشاعر فتذكرْ أيضاً أن لسواك من الناس مشاعر،،
ولا تكن كالحجر عديم الإحساس والشعور بآلام الناس من حولك وآمالهم،،

ولعل هذا الخلق الطيب في الإنسان من أهم الفوارق بينه وبين المخلوقات الأخرى في تعامله مع الناس ومخالطته لهم.

ألا تعلم أن من أهم معاني مكارم الأخلاق هو أن يتعوّد الإنسان الاتصاف بصفات الكرم والإيثار والتضحية،

وأن من تطبيقات هذه الصفات أن تعتاد ترْك أشياء من أجل الله،
وتعمل أشياء من أجل الله،

وتكون بذلك أكثر سروراً من تحقيق بعض ما فاتك بسببها من مصالحك الشخصية القريبة في هذه الدار الفانية؟!.

وتذكّر أن إيمانك لا يَكْمُلُ إلا بهذا لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يحب لنفسه".


تابع القراءة...

الاثنين، 28 مارس 2011

موازَنةٌ بين حرص الناس على أموالهم وحرصهم على دينهم وأخلاقهم



موازَنةٌ بين حرص الناس على أموالهم وحرصهم على دينهم وأخلاقهم

تأملت حرص الناس على الدنيا، وحرصهم على أموالهم، وحفاظهم عليها، مع غفلة أكثرهم عن أمر دينهم وخُلُقهم؛ فقلت:

لو حرص الناس على أخلاقهم مثل حرصهم على أموالهم، ولو حافظ الناس على أخلاقهم مثل حفاظهم على أموالهم لاختفت من المجتمع كثير من الأمراض الأخلاقية، ولصلحت أخلاق الناس، ولتوارثوا الأخلاق الحميدة والأعمال الفاضلة والعلم والدين كما يتوارثون الدنيا الفانية.

 إلا أنّه لم يُحدَّد فيها أنصبة الورثة ولا المورِّث -كما هو الحال بالنسبة للدنيا- بل لكل إنسان أن يأخذ من الأخلاق الحميدة والعلم والدين بقدر ما يشاء، وعمن يشاء، وذلك فضل الله تعالى يؤتيه من يشاء!! فأين الوارثون لهذا الإرث العظيم؟!.


تابع القراءة...

الأربعاء، 16 مارس 2011

غاياتنا "نعمة الأمن"



بسم الله الرحمن الرحيم

نعمة الأمن


 فضيلة الشيخ : سعد بن ناصر الشثري

الحمد لله رب العالمين أحمده على نعمه وأشكره وأثني  عليه وأشهد أن لااله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا ...

أما بعد:

فإن من النعم التي ينعم الله بها على بعض عباده نعمة الأمن وهي نعمة عظيمة لها ثمرات كبيرة ولذلك فإن العقلاء لازالوا يطلبونها ويجعلونها من المطالب التي يرجون من رب العالمين أن يحققها لهم...

 فالأمن هدف نبيل يسعى إليه كل عاقل ولذلك امتن الله عزوجل على المؤمنين بهذه النعمة فقال جل وعلا: (لتدخلنّ المسجد الحرام إن شاء الله ءامنين)


 وقال جل وعلا: (فليعبدوا رب هذا البيت *الذى أطعمهم من جوع وءامنهم من خوف)                 


وقال جل وعلا: (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم  من الطيبات لعلكم تشكرون)


ويقول جل وعلا: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركًا وهدى للعالمين *فيه ءايات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان ءامنا)


قال جل وعلا(أو لم نمكن لكم حرما ءامنا يجبا إليه ثمرات كل شئ رزقا من لدنّا ولكن أكثرهم لا يعلمون )


قال سبحانه (أو لم يروا أنا جعلنا حرما ءامنا ويتخطف الناس من حولهم )

في التعريف بهذه النعمة نعمة الأمن ؛ يقول النبي صلى الله  عليه وسلم:  (من أصبح معافا في بدنه ءامنا فى سربه عنده قوت يومه وليلته فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها )
لما قدم يعقوب وزوجه على يوسف عليه السلام في مصر ذكر الله تعالى هذه الحادثة فقال: (فلما دخلوا على يوسف ءاوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله ءامنين
وانظر كيف ذكّرهم بهذه النعمة التي أنعم عليهم ألاوهي نعمة الأمن...                               

امتن الله جل وعلا على بعض الأمم السابقة بهذه النعمة "نعمة الأمن" :
(وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا ءامنين)
( وقدّرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما ءامنين)

ومن هنا فينبغي بنا أن نحرص على هذه النعمة وأن نسعى لتحصيلها ونبذل الأسباب المؤدية إلى وجودها وكمالها .

 ومن الأسباب التي تؤدي إلى تحصيل هذه النعمة نعمة الأمن وسيلة الدعاء فإن المرء إذا دعا الله فإن الله سيستجيب دعائه..

وكان من دعاء  إبراهيم عليه السلام أنه قال:  (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا ءامنا ) وفي آية أخرى (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد ءامنا )...



وكذلك من أسباب تحصيل هذه النعمة نعمة الأمن الإيمان فإن المؤمنين الذين يحققون إيمانهم يرزقهم الله هذه النعمة ...

 انظرلحال جزيرة العرب قبل النبي صلى الله عليه وسلم كيف كانت في حال خوف واضطرار ينهب بعضهم أموال بعض فلما جاء الله بالإيمان وحققه الناس أمن  الناس على أنفسهم ودمائهم وأموالهم وأعراضهم وسائر شؤونهم ، ومصدق هذا في كتاب الله: (الذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن
 وهم مهتدون )
فمن ترك الظلم وكان من أهل الإيمان فإنه يكون من أهل الأمن بفضل الله جل وعلا ...
و من أسباب الأمن أيضا ترك الشرك، والإيمان والعمل الصالح كما قال سبحانه (وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لايشركون بي شيئا )

فمن عبد الله لم يشرك به شيئا فإن الله سبحانه سيجعل له الأمن فضلا منه جل وعلا ...

 وكذلك من أسباب تحصيل الأمن الرجوع إلى علماء الشريعة كما قال جل وعلا: (واذا جاءهم أمر من الأمن أوالخوف أذاعوا به ولوردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لا تبعتم الشيطان إلا قليلا).

الذين يستنبطون الأحكام من الكتاب والسنة هم علماء الشريعة المجتهدون ، وحذر الله عز وجل أولئك الذين لا يرجعون إلى العلماء لأنهم سيكونون من أتباع الشيطان (ولولا فضل الله عليكم ورحمته) أي: يجعلكم تستفتون العلماء ،( لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) ...

وكذلك من أسباب تحصيل الأمن  شكر الله على هذه النعمة ،فإن من شكر الله على نعمه زاده الله منها، قال سبحانه: (لئن شكرتم لأزيدنكم)


ويقول جل وعلا : ( واذكروا إذ انتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون )...

وكذلك من أسباب تحصيل الأمن فعل تلك الأعمال التى تؤدي إلى
أن يكون الله مع العبد ، فإن هناك أعمال كثيرة تجعل الله يكون مع العبد رعاية له، وحفظا له، كما قال تعالى: (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)

فإن كان فى معية الله حفظه الله من كل سوء، وحفظه الله من الخوف  ،وجعل الأمنيرد عليه ، انظر لقوله الله جل وعلا لموسى عليه السلام وهارون ( قال لاتخافا إننى معكما أسمع وأرى)

فإنهم قالوا لله عزوجل (قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أوأن يطغى *قال لا
 تخافا إنني معكما أسمع وأرى)

يتعلق بالأمن عددا من الأحكام الشرعية  التي تدل على أهميته 
  ولذلك قال تعالى:

 (فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج  فما استيسر من الهدي)
وقال جل وعلا: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه)


إن الأمن الحقيقي الكامل يحصل يوم القيامة كما قال تعالى: (إن المتقين فى جنات وعيون ادخلوها بسلام ءآمنين )

لكن الأمن المذموم :هو أن يأمن العبد من مكر الله فلا يخاف من عاقبة ذنوبه، قال تعالى: ( أفأمن أهل القرى أن ياتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون*أم  أمن أهل  القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون*أفأمنوا مكر الله فلا  يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون)

اللهم ياحي يا قيوم نسألك أن ترزقنا الأمن في أوطاننا..

اللهم ياحي يا قيوم ابعد عنا الخوف والقلق والاضطراب برحمتك ياأرحم الراحمين..

اللهم آمن جميع المسلمين فى جميع البلدان برحمتك  ياأرحم الرحمين..

اللهم اجعلنا ممن يخافك ولا تجعلنا ممن يأمن مكرك...

هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين..



تابع القراءة...

الثلاثاء، 15 مارس 2011

نظرات في كلمات عن الأخلاق "لماذا نخطئ؟! "


لماذا نخطئ؟!

قد يعجب الإنسان: لماذا يخطئ الإنسان العاقل؟! إن اللائق بالإنسان العاقل أن يكون في حياته على الصواب لا على الخطأ، وعلى الحق لا على الباطل. فلماذا يخطئ العاقل؟!.

قد تأملتُ هذا فتبين لي أن الإنسان العاقل قد يقع في الخطأ والضلاللأسباب متعددة:

منها: غفلته عن موقعه وعن اللائق به، فيخطئ الكبير لنسيانه أنه كبير، ويخطئ العالم لنسيانه أنه عالم، ويخطئ الأستاذ لنسيانه أنه أستاذ، ويخطئ التلميذ لنسيانه أنه تلميذ، ويخطئ الأب لنسيانه أنه أب، ويخطئ الابن لنسيانه أنه ابن!! وهكذا بقية أفراد المجتمع كلهم!

 ولذلك قد ترى هؤلاء يحمّلون مسؤولية الخطأ على الآخرين المشاركين لهم في موقعهم؛ فالكبير يلوم في الخطأ الكبار، والعالم الذي قد وقع في الخطأ يوجّه اللوم إلى العلماء ويحمّلهم المسؤولية، والأستاذ يذكر في هذا الشأن الأساتذة والمربين، والتلميذ يذكر التلاميذ والأب يذكر الآباء، والابن يذكر الأبناء!! وما ذلك إلا لنسيان الإنسان موقعه ومكانه وموضع مسؤوليته!! فهل نتذكر هذه الحقيقة كي لا نقع في هذا الخطأِ؟!.

ومنها: استيلاء أسباب الخطأ على عقل العاقل وإيمان المؤمن فيغلبه مثلاً هواه أو شهوته الحيوانية، أو يقع في أسر الصحبة أو المجتمع من حوله فيخطئ بخطئهم أو يضل بضلالهم.

ومنها: غفلة الإنسان وعدم إدراكه لواجبه ومسؤوليته.

ومنها: أن يقع الإنسان في الخطأ عفواً من غير قصد.

... إلى آخر الأسباب.

 والعاقل الحريص على الحق والصواب من تنبّه إلى هذه الأسباب وابتعد عنها.

 نسأله سبحانه أن يجنبنا أسباب الشقاء والهلاك.





تابع القراءة...

الاثنين، 14 مارس 2011

نظرات في كلمات عن الأخلاق " الأخلاق الحميدة وعبادة الله تعالى "



 الأخلاق الحميدة وعبادة الله تعالى

الأخلاق الحميدة جزء أساس من فطرة الله التي فطر الناس عليها.

 وهي جزء أساس كذلك من شرع الله وعبادته اللذين جاء بهما الإسلام
وتعبّدنا لله بهذه الأخلاق جزء من تعبّدنا له بسائر العبادات، وفهمنا لهذه الأخلاق والتزامنا بها مرتبط بفهمنا والتزامنا لمعنى العبودية لله.

وشرف الطاعة في شرف المطاع؛ فمن يطيع الله تعالى ليس كمن يطيع سواه وهذا من أَعظم ما يحمل المرء على عبادة الله تعالى فلو تذكّر الإنسان -وهو يعبد الله سبحانه- أنه إنما يَعْبد مولاه في الدنيا وفي الآخرة، وأنه إنما يعبد قيوم السماوات والأرض، ورب كل شيء ومليكه، الذي له الخَلْق والأمر، وليس لأحد معه من ذلك شيء، وتذكّر سائر صفات المعبود الحق سبحانه لَعَلِمَ شرف هذه العبادة!! ولَعَلِمَ ضرورته لهذه العبادة!! ولَعَلِمَ أهمية هذه العبادة!! ولَعَلِمَ طبيعة هذه العبادة وطعْم هذه العبادة!.
 نسأل المولى عزّ وجل توفيقه وهدايته.

ونحن نرى الناس يغتبط أحدهم أنه أمره رئيسٌ ما أو ملك من ملوك الأرض أوكلّفه تكليفاً ما أو أذن له بلقاء معه، فتراه يفتخرُ بذلك ويُحِبّ أن يذكر هذا عند الناس أو يذكروا ذلك عنه، هذا مع أنّ الدائرة لم تتجاوز دائرة لقاء مخلوق بمخلوق آخر من خَلْق الله تعالى! أو أمْر عبْدٍ من عبيد الله لعبْد آخر من عبيده عزّ وجل!.

 ويالله ما أشدّ العَجَب!! ما بالنا إذن لا نفخر بطاعة الله الملك الحق المبين!! ما بالنا لا نفخر بطاعة ربّ كل شيء ومليكه!! ما بالنا لا نغتبط بالعبودية للخالق سبحانه ملك الدنيا والآخرة!!.
 ما بالنا لا نغتبط ولا نَسْعَد بصلتنا بمالك يوم الدين اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم!! اللهم مسامحتك!!

ولو عَلِمَ المرء ما في طاعة الله تعالى وعبادته من الخير له في الدنياوالآخرة لَعَلِمَ أن هذه العبودية والطاعة غنيمة له وسعادة في الدارين، ولكان أحرصَ عليها، وأسعد بها، وأكثر رضاً بها من أي شيء آخر، ولأدرك أن التكليف حقيقةً -في نهاية الأمر- ليس هو أمْره بالطاعة، ولكنه اتّباعه لهواه، ونسيانه طاعة مولاه، وتحمّله لعواقب ذلك وتَبِعاتِه في الدنيا وفي الآخرة ‍‍ حقاً إنه بمعصيته لله يُكلِّف نفسه ما لا تطيق عاقبته لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولكن أين العقلاء الناصحون لأنفسهم؟ ‍‍.

لو عَلِمَ الإنسان أن الغاية من خَلْقه هي عبادة الله لَعَلِمَ مدى حمْقه حين ينصرف -وهو العبد المملوك- عما خَلَقه له سيده ومولاه إلى غير ما خلقه له، وقد منّ عليه مولاه عزّ وجل بالخلْق ثم بالإمداد، ثم بالهداية، وقال له: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ. إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} 56 - 58: الذاريات!! ثم يَنْكِصُ هذا الإنسان عن مهمته!! ألا ما أجهله إذن!! وما أقلّ أدبه مع ربه!! فاللهم غَفْرَك ومسامحتك!!





تابع القراءة...

الأربعاء، 2 مارس 2011

الاستدلال بقول: المسألة فيها خلاف




الاستدلال بقول: المسألة فيها خلاف

قال الله تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153]، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً
[النساء: 59]..

 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضو عليه بالنواجذ"، الحديث هكذا يأمرنا الله ورسوله أننا عند اختلاف العلماء في حكم مسألة من المسائل أننا نأخذ من أقوالهم ما له دليل من الكتاب والسنة ونترك ما خالف الدليل لأن هذا علامة الإيمان بالله واليوم الآخر ولأنه خير لنا وأحسن عاقبة. وأننا إذا أخذنا بما خالف الدليل من الأقوال فإنه يفترق بنا عن سبيل الله ويوقعنا في سبيل التيه والضلال كما أخبر عن اليهود والنصارى أنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله، ولما استشكل عدي بن حاتم رضي الله عنه اتخاذهم أربابًا من دون الله بين له النبي صلى الله عليه وسلم أن اتخاذهم أربابًا معناه طاعتهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله، وكثير من الناس اليوم إذا رأيته على مخالفة ونهيته عنها قال لك: المسألة فيها خلاف فيتخذ من الخلاف مبررًا له في ارتكاب ما هو عليه ولو كان مخالفًا للدليل فما الفرق بينه وبين ما كان عليه أهل الكتاب الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله، فالواجب على هؤلاء أن يتقوا الله في أنفسهم ويعلموا أن وجود الاختلاف في المسألة لا يجيز لهم مخالفة الدليل، حتى صار كثير من الجهال يتتبع الأقوال المسجلة في الكمبيوتر نقلًا عن كتب الخلاف فيفتي بما يوافق هواه من تلك الأقوال من غير تمييز يبنى ما كان عليه دليل صحيح وما ليس عليه دليل إما لجهل منه أو عن هوى في نفسه والجاهل لا يجوز له أن يتكلم في شرع الله بناء على ما قرأه ورآه في عرض تسجيلي وهو لا يعرف ما مدى صحته وما مستنده من الكتاب والسنة، والله لم يأمرنا بالرجوع إلى مجرد ما في الكتاب الفقهي من غير فهم بل أمرنا بسؤال أهل العلم حيث قال سبحانه: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النحل: 43]، وصاحب الهوى لا يجوز له أن يتخذ هواه إلهًا من دون الله، فيأخذ من الأقوال ما يوافقه ويدع ما لا يوافقه.

قال الله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ) [القصص: 50]، (أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) [الفرقان: 43]، ولا يجوز لمن كان عنده علم أن يلتمس للناس ما يوافق أهواءهم فيضلهم عن سبيل الله بحجة التيسير فالتيسير إنما هو بإتباع الدليل لئلا يكون من الذين قال الله فيهم: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) [النحل: 25]، وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
كتبه:
صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء


تابع القراءة...

الثلاثاء، 1 مارس 2011

نظرات في كلمات عن الأخلاق "إنسانية الإنسان بين مظهره ومَخْبَرِه وصورته وأخلاقه"



إنسانية الإنسان بين مظهره ومَخْبَرِه وصورته وأخلاقه

ليس الإنسان إنساناً بجسمه وصورته، ولا بثيابه ومظهره، ولكن إنسانية الإنسان بخُلُقه وخَلْقِهِ معاً، وبجسمه ونفسه وروحه وعقله.

أما الجسم وحده فلا يكفي دليلاً على إنسانية الإنسان، بدليل أنك قد ترى حيواناً في صورة إنسان، ويُطْلِقُ الناس عليه وصْف الإنسانية بحكم خَلْقه لاخُلُقه، ولكنه في الحقيقة لم يَعُدْ إنساناً، وذلك بحكم ما طرأ عليه من تغيّرٍ، كأن يكون مجنوناً مثلاً فاقد العقل، فلا يمكنه والحالة هذه أن يفكر تفكير الإنسان ولا يتصرف تصرف الإنسان؛ إنه لمّا فقد العقل الذي هو أحد ما يميزه عن الحيوانات فقد مقومات الإنسان الأساسية، فأصبح مُضِرّاً غير نافع، وهذه مرتبة تنزل عن مرتبة كثير من الحيوانات الأخرى، التي ينتفع بها الناس!.

أو كأن يكون قد انحرف ضميره وخُلُقه، فأصبح -تبعاً لذلك- يتصرف تصرف الوحوش الضارة غير النافعة، فقد أصبح هذا المخلوق مؤذياً، وأصبح الإيذاء طبعاً له، فهو شرٌ لا خير فيه؛ فهل بقي مثلاً هذا على إنسانيته بحكم خِلْقته فقط؟!. كلاّ بل هو مخلوق آخر قد يَخْدَعُ الآخرين بصورته ويوهمهم أنه إنسان وليس الأمر كذلك!.

قال الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} !!

فانظر كيف أخبرك الله سبحانه بأنه خلقك من سلالة من طين، ثم قال لك: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ... } !!.

يقول القاضي أبو بكر بن العربي: "ليعرِّفك أن الشرف والقَدْر إنما هو للتربية لا للتربة" !!.

نعم إن إنسانية الإنسان ليست بجسمه، وإنما بنفسه وفكره وخُلُقِهِ، بدليل أنه إذا مات أسرع أهله إلى دفنه، ولو كان إنساناً بمجرّد جسمه لما أسرعوا إلى دفن الجسم بعد موته!!.

وإن من أهم أسباب التحلّي بالأخلاق الحميدة والسعي في اكتسابها معرفة الإنسان لهذه الحقيقة أعني معرفته بنفسه وبمعنى إنسانيته كي يُعْنى بها ويَسْعى في المحافظة عليها ولا ينحرف في أخلاقه وسلوكه تبعاً لانحراف فهمه لحقيقته ونفسه وطبيعة العلاقة بين خَلْقه وخُلُقه.

يقول أبو القاسم الراغب الأصبهاني:
فقد كاد قولُنا: الإنسان يصير لفظاً مُطْلَقاً على معنىً غير موجود، واسماً لحيوان غير معهود، كعنازيل وعنقاء مغرب، وغير ذلك من الأسماء التي لا معاني لها، كما قال تعالى في صفة الأسماء المسمّاة آلهةً: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} وقال عز وجل: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا} فجعلها اسماً بِلاَ مُسَمَّى.

ولم أَعْنِ بالإنسان كل حيوان منتصب القامة، عريض الظُّفر، أَمْلَسِ البَشَرةِ، ضاحكِ الوجه، ممن ينطقون ولكن بالهوى، ويتعلمون ولكن ما يضرهم ولا ينفعهم، ويَعْلمون ولكن ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون، ويكتبون الكتاب بأيديهم ولكن يقولون هذا منعندِ الله ليشتروا به ثمناً قليلاً، ويجادلون ولكن بالباطل ليُدْحِضُوا به الحق، ويؤمنون ولكن بالجبت والطاغوت، ويعبدون ولكن من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم، ويُبَيِّتون ولكن ما لا يرضى من القول، ويأتون الصلاة ولكن كُسالى ولا يذكرون الله إلا قليلاً، ويُصَلّون ولكن من المصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون، ويذكرون ولكن إذا ذُكّروا لا يَذْكرون، ويَدْعون ولكن مع الله آلهةً أُخرى، ويُنْفقون ولكن لا يُنْفقون إلا وهم كارهون، ويحكمون ولكن حُكْمَ الجاهلية يَبْغون، ويَخْلُقون ولكن يَخْلُقون إفكاً، ويحلفون ولكن يحلفون بالله وهم كاذبون.

فهؤلاء وإن كانوا بالصورة المحسوسة ناساً، فهم بالصورة المعقولة لا ناس ولا نسناس، كما قال أمير المؤمنين عليٌّ رضي الله عنه: يا أشباه الرجال ولا رجال بل هم من الإنس المذكور في قوله تعالى: { ... شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ... } .

 وما أَرى البحتري إذ اعتَبَر الناسَ بالخُلُقِ لا بالخَلْق متعدّياً في قوله:
لم يَبْقَ من جُلِّ هذا الناس باقيةٌ ... ينالها الفهم إلا هذه الصّور
ولا من يقول:
فجلُّهم إذا فكّرتَ فيهم ... حميرٌ أو ذئابٌ أو كلابُ

ولا تَحْسَبَنَّ هذه الأبيات أقوالاً شعرية، وإطلاقات مجازية، فإن الله تعالى يقول: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّاكَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} .

وسُئل ابن المبارك: مَنِ الناس؟ فقال: العلماء. قيل: فمن الملوك؟. قال: الزهّاد. قيل: فمَنِ السفلة. قال: الذين يأكلون الدنيا بالدين.

ولم يجعل غير العالِمِ من الناس؛ لأن الخاصية التي يتميّز بها الناس عن البهائم هي العلم، فالإنسان إنسان بما هو شريف لأجله، وليس ذلك بقوّة شخصه؛ فإن الجمل أقوى منه، ولا بِعِظَمِهِ؛ فإن الفيل أعظم منه، ولا بشجاعته؛ فإن السَّبُعَ أشجعُ منه، ولا بأكله؛ فإن الثور أوسع بطناً منه، ولا بباههِ؛ فإن أخس العصافير أقوى على السِّفاد منه، بل لم يُخْلَقْ إلا للعلم والتفكر" .

وقال القائل:
يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته ... أتطلب الربح مما فيه خسران
أقبل على النفس واستكمل فضائلها ... فأنت بالروح لا بالجسم إنسانُ
وقال الآخر:
وكائِنْ تَرَى مِن صامتٍ لك معجِبٍ ... زيادتُه أو نقْصُه في التكلم
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم يبق إلا صورة اللحم والدم

والناس إنما يتفاوتون فيما بينهم بسِيرهم لا بصُوَرِهم، وخُلُقِهم لا بخَلْقهم وبنفوسهم وأرواحهم لا بأجسامهم، أمّا أجسامهم وخَلْقهم فهي هيئة واحدة، ومادتها مادة واحدة، وذلك على حدِّ قول من قال:

الناس من جهة التمثيل أكفاء ... أبوهمُ آدم والأم حواء
نفسٌ كنفس وأرواح مشاكِلةٌ ... وأَعْظُمٌ خُلِقَتْ فيهم وأعضاء
فإن يك لهم في أصلهم شرف ... يفاخرون به فالطين والماء
ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم ... على الهُدى لمن استهدى أدلاّء
وقدْرُ كل امرئ ما كان يُحْسِنُهُ ... وللرجال على الأفعال أسماء
وضدُّ كلِ امرئ ما كان يجهله ... والجاهلون لأهل العلم أعداء
فَفُزْ بعلمٍ تَعِشْ حياً به أبداً ... الناس موتى وأهل العلم أحياء
وقد لَمحَ بعض هذه المعاني ابن عصفور رحمه الله فقال فيها الأبيات التالية:
مع العِلْم فاسلك حيث ما سلك العِلْم ... وعنه فكاشفْ كل مَنْ عنده فهم
ففيه جلاء للقلوب من العمى ... وعونٌ على الدِّين الذي أَمْره حتمُ
فإني رأيت الجهل يُزْري بأهله ... وذو العلم في الأقوام يرفعه العِلْم
يُعَدُّ كبيرَ القوم وهو صغيرهم ... ويَنْفُذُ منه فيهم القول والحكم
وأيُّ رجاءٍ في امرئٍ شابَ رأسُهُ ... وأفنى سِنِيهِ وهو مستعجِمٌ فَدْم
يروح ويغدو الدهر صاحب بطْنةٍ ... تركّب في أحضانها اللحم والشحم
إذا سئل المسكين عن أمر دينه ... بدتْ رحضاء العيّ في وجهه تسمو
وهل أبصرتْ عيناك أقبح منظرا ... من أشيبَ لا علم لديه ولا حكم؟
هي السوأة السوءاء فاحذر شماتها ... فأوّلُها خزي وآخرها ذمُّ
وخالطْ رواة العلم واصحب خيارهم ... فصحبتهم زينٌ وخلطتهم غُنْمُ
ولا تعدون عيناك عنهم فإنهم ... نجوم إذا ما غاب نجم بدا نجم

ويترتب على معرفة الإنسان لحقيقة ذاته إدراكه ما ميزه الله به عن سائر المخلوقات، وإدراكه لما صيّره اللهُ به إنساناً، وما خلقه من أجله،وهو تزكية نفسه بعبادة ربه والاستقامة على شرعه، وإعداد نفسه للقاء ربه والفوز برضاه ودخول جنته والسلامة من سخطه وناره.

ومن ثمرات هذه المعرفة حِرْص الإنسان على التحلي بالأخلاق الفاضلة واكتسابها، والبعد عن إشقاء نفسه بالتجنّي على إنسانيته، بأي سبب يضرّ بهذه المعاني الآنفة الذكر التي ميزه الله بها عن المخلوقات الأخرى، كالانصراف إلى العناية بالجسم على حساب الخُلُقِ والعِلْم والدين، أو الانصراف إلى العناية بالثياب والمظاهر على حساب الخُلُقِ والدين.... إلى آخر ما هنالك من الأخطاء.

ومن ثمرات معرفة هذه الحقيقة مراعاتها في تقويم الناس فلا يتجه المرء اتجاهاً مُخطئاً أو خاطئاً في تقويم الناس، بل يستعمل هذا الميزان الصحيح أعني النظر إلى الخُلُقِ والسيرة لا إلى الخَلْق والصورة.

ومن ثمرات معرفة هذه الحقيقة إدراكُ الإنسان خطأ الذين يسلكون مسالك خاطئة متعددة طلباً منهم لإسعاد أنفسهم، وتحسيناً لصفاتهم عند الآخرين، كسعي الإنسان في التحلي بالثياب فقط.

فيا أخي! أراك تتزين بثيابك وتُعْنى بها، وربما لا تكون بهذا مخطئاً، ولكنك تناقض نفسك حينما تضيف إلى هذا الصنيع إهمال التزين بأفعالك وسلوكك وأخلاقك، وتغفل عن أُسس الأخلاق الجميلة!.

أيهما أكثر ضرراً؟ رداءة ثوبك أم رداءة تصرفك وسوء ذوقك في التعامل مع الآخرين؟!
أليست أخلاقك أبلغ في الدلالة على مدْحك أو قدْحك؟!
أليست تصرفاتك وطريقة تعاملك مع الناس تتعداك إلى سواك، بينماعدم جمال ثوبك إن كان فيه ضرر أو أذى فإنه ربما لا يتعداك إلى الآخرين؟! - على أنّ حُسْن المَظْهر مطلوبٌ، ولكنْ في حدِّ الاعتدال-.
فأيُّ الأمرين أحق منك بالعناية وبمحاسبة النفس عليه؟!.
وقلْ لي بربك أيها الداعية ما حقيقة الدعوة؟!
هل هي مظهر فقط؟ أو درسٌ فقط؟ أو حُسْنُ تعامل في الفصل فقط؟ أم هي سلوك منك وحُسْن تعامل مع الناس في كل شيء وفي جميع الأحوال؟!.

ما أحوجنا إلى إعادة النظر وشدة المراقبة في ميزان اهتمامنا بأنفسنا، وفي معيار تقويمنا لأخلاقنا ومعرفتنا لمقدار نفوسنا!.

والإمام ابن حزم، رحمه الله تعالى، يَدْعونا إلى دقّة التفكير وحُسْن الاختيار في موازَناتِه الآتية:
طالبُ الآخرة ليفوز في الآخرة متشبهٌ بالملائكة.
وطالبُ الشرِّ متشبهٌ بالشياطين.
وطالبُ الصوت  والغلبة متشبهٌ بالسباع.
وطالبُ اللذات متشبهٌ بالبهائم.
وطالبُ المال -لِعَينِ المال لا لينفقه في الواجبات والنوافل المحمودة- أسقطُ وأرذلُ من أن يكون له في شيء من الحيوان شَبَهٌ، ولكنه يشبه الغُدْرانَ التي في الكهوف في المواضع الوعرة، لا ينتفع بها شيء من الحيوان.

فالعاقل لا يغتبط بصفة يفوقه فيها سبع أو بهيمة أو جماد، وإنما يغتبط بتقدمه في الفضيلة التي أبانه الله تعالى بها عن السباع والبهائم والجمادات، وهي التمييز الذي يشارك فيه الملائكة. فمن سُرَّ بشجاعته التي يضعها في غير موضعها
 لله ـ عز وجل ـ.
 فلْيَعْلَمْ أن النمر أجرأ منه، وأن الأسد والذئب والفيل أشجع منه، ومن سُرَّ بقوة جسمه، فلْيَعْلْم أن البغل والثور والفيل أقوى منه جسماً، ومن سُرَّ بحَمْله الأثقالَ، فلْيَعْلَمْ أن الحمار أحملُ منه، ومن سُرَّ بسرعة عَدْوِهِ فلْيَعْلَمْ أن الكلب والأرنب أسرعُ عَدْواً منه، ومن سُرّ بحُسْن صوته، فلْيَعْلَمْ أن كثيراً من الطير أحسن صوتاً منه، وأن أصوات المزامير ألذُّ وأطربُ من صوته.

فأيُّ فخرٍ وأيُّ سرور فيما تكون فيه هذه البهائم متقدمة عليه؟!.

لكن من قوي تمييزه، واتسع علمه، وحَسُنَ عمله، فليغتبط بذلك، فإنه لا يتقدمه في هذه الوجوه إلا الملائكة وخيار الناس .






تابع القراءة...
.๑. (النور جل جلاله) .๑.

لماكان النور من أسمائه سبحانه وصفاته كان دينه نورا،ورسوله نورا،وكلامه نورا، ودار كرامته لعباده نورايتلألأ،والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين،ويجري على ألسنتهم،ويظهر على وجوههم،ويتم تبارك وتعالى عليهم هذا النور يوم القيامة