الجمعة، 30 ديسمبر 2011

علمه عزّ وجلّ (1)




بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة برنامج ذكرى

علمه عزّ وجلّ (1)
إنَّ من أجمل وأروع ما يعيشه الإنسان أن يعيش تحت ظلال أسماء الله سبحانه وتعالى , والله عزّ وجلّ يثبت من أسمائه وهو خبر عنه أنه هو العليم ، والله عزّ وجلّ يثبت هذا الاسم له ويقول (( واللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )) .

والربُّ سبحانه وتعالى مختص بهذه الصفة العظيمة وهي صفة العلم الكامل وما من أحد من الخلق يوصف بشيء من العلم إلّا وهذا العلم قد أعطاه الله عزّ وجلّ إياه ، وهو علم شامل محيط بكل شيء ، محيط بكل شيء.. شامل لكل شيء في هذا الكون ، شامل بكل شيء بهذا المخلوق ظاهره وباطنه ، قديمه وحديثه ، صغيره وكبيره , فالله عزّ وجلّ لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء علمه واسع لا ينتهي أبدًا .

الربُّ جلّ وعلا مستوٍّ على عرشه بائن عن خلقه وسعت رحمته كل شيء , ووسع علمه كل شيء ووسعت قدرته كل شيء , وبلغ سلطانه كل شيء وإليه يرجع كل حي ، فالله سبحانه وتعالى عليم والله عزّ وجلّ عالم الغيب والشهادة والله سبحانه وتعالى علّام الغيوب (( وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ {69} القصص)) فتعالوا ننظر ما الذي يمكن أن نستفيده ونحن نتأمل في هذا الاسم الجميل الرائع العظيم لربنا سبحانه وتعالى , ولنزدلف إلى القرآن لنفقه من ذلكم الكتاب العظيم بعض مظاهر أو دلائل علم الـرب تبارك وتعالى ...
جاء في كتاب الله عزّ وجلّ آيات كثيرة تبيّن هذه الصفة له سبحانه وتعالى ، والله تبارك وتعالى أخبر عن نفسه أنه بكل شيء عليم وهذا يدل على عموم علم الله سبحانه وتعالى وشموله.
وينبغي أن تعلم أن الله يعلم ما قد كان وما يكون وما هو كائن ويعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون ..

وحينما أخبرنا الله سبحانه وتعالى بقوله عن نفسه (( واللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )) أعيدها مرة ثانية (( واللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )) دلّت على أن الله سبحانه وتعالى يعلم جميع الأمور ويعلم تفاصيلها , ومن هنا فإنه لا يجوز لأحد أن يصف غير الله عزّ وجلّ بأنه بكل شيء عليم مهما أُوتي من العلم .

ومن تأمّل في علم الله عزّ وجلّ أدرك أن علمه سبحانه وتعالى لا يصيبه شيء من الخلل ولا شيء من الضعف ولا شيء من النسيان ولا شيء من الذهول ، بل هو علم تام شامل لكل شيء .. سأل فرعون موسى (( قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى {51} طه)) وهذا إخراج للحديث عن مساره ، فقه موسى السؤال فأجاب جوابًا مجموعًا (( قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ )) ثم أراد أن يصف علم ربه قال (( فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُ رَبِّي وَلَا يَنسَى {52} طه)) أي لا يجهل ربي ولا ينسى , من هنا فقهنا كما حرر العلماء الأخيار قبلنا أن علم الله علم لم يسبقه جهل ولا يلحقه نسيان .

بخلاف ما عليه البشر قد يصبح الإنسان عالمًا قد يبلغ من العلم والإحاطة ما قد يبلغ مع أن الله وصف ما أُوتينا من العلم قليل ، قال (( وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا {85}الإسراء)) ومع ذلك قد يعجب الإنسان أحيانًا من علم أحد من البشر ولكن أنظر إلى جهله بعلوم أخرى ، أو غفلته عن مسائل في علمه نفسه الذي هو قد تخصص فيه ، أو نسيانه أو غفلته بل لو تعرض هذا العالم لضربة على رأسه نسي علمه كله ؛  لكن هذا لا يرد على الله لأن الله تعالى اتصف بالكمال كله ، وعلمه لا يمكن أن يرد عليه هذا بل علم الله عزّ وجلّ هو الذي فوق كل ذي علم..

ولذلك الله سبحانه وتعالى يشير إلينا إلى التـنبه إلى هذه المسألة حتى ما يستغني الإنسان بما أتاه الله عزّ وجلّ من العلم ويتكبر على ربه سبحانه وتعالى فيقول له حتى مع ما وصل إليه من العلم (( وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا {85} الإسراء)) عندكم اكتشافات .. اختراعات .. تقدم ، انفجار معلوماتي رهيب ومع ذلك ستلاحقكم هذه الآية (( وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا {85} الإسراء)) ..

ولذلك نجد أن البشر اليوم قد يكتشفون أشياءً كانوا من قبل ينكرونها أو كانوا يجادلون فيها أو كانت حقائق فأصبحت نظريات ، كما تكلموا عن قضايا الذرة وأنها أصغر شيء في المادة وأصغر شيء في الوجود ، ثم تبينوا أنها ممكن أن تنصف وهناك أشياء أقــل منها وأصغر وهكذا.. ليظهر الله عزّ وجلّ للبشر علمهم القاصر وصدق الله (( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {53} فصلت)) (على كل شيء شهيد ) على كل شيء.. أنظر إلى صيغ العموم ( على كل شيء شهيد ) إنه علم الله المليء بالقوة ، المليء بالشمولية ، المليء بالإحاطة التي لا يمكن أن يعتريها شيء من الخلل أو النقص ..

ولذلك أمر الله عزّ وجلّ نبيه صلى الله عليه وسلم أن الله عزّ وجلّ أعطاه أعظم العلم وهو الوحي والقرآن والسُنّة فقال له (( وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمـــًـا {114} طه)) وقال سبحانه وتعالى (( وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ {76} يوسف))..

يقول الله عزّ وجلّ مخبرًا عن نفسه سبحانه وتعالى في آية عجيبة جدًا ينبغي للإنسان أن يقف عندها ليقرن بين صفتين من صفات الله عزّ وجلّ ، أمّا ألا وهي صفة علمه سبحانه وتعالى وكلامه ، يقول الله سبحانه وتعالى ((وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {27} لقمان)) لو جعلت أشجار الأرض كلها أقلام ، وجُعلت جميع بحار الأرض مداد يعني حبر  يُكتَبُ به علم الله لانتهت الأقلام وانتهت البحار وما انتهى علم الله , انظروا إلى هذه الإحاطة العظيمة ..

ولذلك مثّلها الخضر عليه السلام لموسى تمثيلاً رائعـًا ,وقصة الخضر مع موسى قصة مفيدة ونافعة وقد ضربها الله مثلاً لبيان علمه العظيم , لأن موسى عليه السلام سئل من أحد بني إسرائيل:[ من أعلم من في الأرض؟  وموسى قال بعلمه : أنا ، لا أعرف أحدًا أعلم مني ، لا أعلم أحدًا أعلم مني ] فامتحنه الله عزّ وجلّ وأخبره أن هناك عبدًا من عباد الله عزّ وجلّ عنده من العلم ما ليس عند موسى, وجرت قصة موسى والخضر كما أخبرنا ربنا وكما جاء في البخاري ، قصة فيها العجب العجاب من حقائق علم الغيب التي لم يكن يعلمها موسى وهو رسول الله لكن رب العالمين لما اطلع الخضر عليها كان من آثارها ما قصّه الله عزّ وجلّ علينا في قصة السفينة وقصة الغلام الذي قتله وقصة الغلامين اليتيمين الذين أقام الخضر جدارهما ، ثم بين الخضر لموسى حكمة الله عزّ وجلّ وهو علّام الغيوب في ما فعل ، لكن الشاهد فيها ما ضربه الخضر لموسى عليه السلام لما ركبوا في السفينة ..

ففي الخبر الصحيح أن الخضر لما وقف مع موسى على شط النهر أركبوهما من غير نول أي من غير أجرة لمعرفتهم بالخضر وهذا من آثار العمل الصالح ، فجاء طير فنقر نقرتين في البحر ثم طار فقال الخضر لموسى : ما نقص علمك من علم الله إلّا كما نقص هذا الطائر من البحر .. فإذا كان الخضر على شريف علمه وموسى على جليل قدره هذا علمهما من علم الله فكيف بعلم غيرهما..

تخيّل معلومات البشر كلهم ما هي إلا كما نقر هذا العصفور من هذا البحر وبقية البحر هو علم الله عزّ وجلّ ، ينص النووي رحمه الله تعالى على أن هذا من باب التقريب فقط وإلا فلا يمكن أن يقارن علم المخلوق الضعيف المسكين بعلم الله عزّ وجلّ المطلق ..

ولذلك نجد في القرآن يذكر العلم بصيغ العموم (( واللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )) ، (( وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ 
شَيْءٍ عَلِيمًا )) و[ كل] هي من صيغ العموم لتدل على علم الله الشامل لكل شيء..

ولقمان لما أراد أن يؤدب ابنه أتاه بطريق خفي قال (( يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ
 فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ {16} لقمان)) لا يمكن أن يأتي
 بها الله وهو يجهل مكانها لكن أراد لقمان أن يبيّن أن الله إذا قادر على أن يأتي بها إذاً علمه بلغ أين وقعت تلك الحبة من الخردل (( يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي 
صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ {16} لقمان)) ..

ومن علم الله تبارك وتعالى ما ذكره في قوله (( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَاِبٍس إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ {59} الأنعام )) هذه أصول في المغيبات وإلا هناك غيب عظيم لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ، لا يعلم متى ينزل المطر إلا الله ، ولا يعلم ما في غد إلا الله ، ولا يعلم متى يموت الإنسان إلا الله ، ولا يعلم ما الذي سيحصل يوم القيامة إلا الله سبحانه وتعالى .. الأمور الغيبية كثيرة التي يجهلها هذا الإنسان الضعيف لكن هذه من أصول الغيبيات التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى ..

مفاتح الغيب ذكرها الله سبحانه وتعالى في آخر سورة لقمان قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم :{ هي خمس لا يعلمها إلا الله } قال الله فيهن (( إِنَّ اللهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَـزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {34} لقمان)) هل استوقفتك هذه الآية ؟
 هل تأمّلت ما هو القاسم المشترك بين هذه الخمس الذي استأثر الله بعلمها ؟

 إن القاسم المشترك أنها أمور تطمح إليها نفوس البشر ، تطمح أن تعلمها لأن لها ملاصقة بحياة الإنسان ، فكل إنسان اليوم يتمنى يعرف متى يموت , متى قيامته ، ومعلوم أن الساعة , ساعة الإنسان هي يوم أن يموت ، إذا مات الإنسان قامت قيامته , والمقصود بالآية (( إِنَّ اللهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ)) أي يوم القيامة هذا إنما هو إلى الله تبارك وتعالى ، ولا يزال البشر يحاولون يضربون أخماسًا في أسداس ويبذلون الجهود من أجل أن يصلوا إلى علم هذا اليوم ولن يصلوا .. وقالها النبي صلى الله عليه وسلم كلمة صريحة  لما قال له جبريل : { متى الساعة ؟ قال : ما الـمسؤول عنها بأعلم من السائل }  هذا أمر استأثر الله به ، وباب مغلق لا يجوز البتة أن يبذل الإنسان جهدًا في اختراقه لأنه استأثر الله به ..

نزول الغيث ، العلم لما في الأرحام ، متى يموت الإنسان ، ماذا يكسب من الرزق أمور ملاصقة مع ذلك يقول الله لك هذه إلي علمها الدقيق بالضبط وبالتحديد إلى الله عزّ وجلّ ما على الإنسان إلا أن يبذل السعي قد يتحقق له وقد لا يتحقق .. فانظر إلى عظيم علم الله وانظر إلى عجزك يا عبد الله لتعلم أنك لا تستغني عن الله طرفة عين ..

ثم بينت هذه الآية علم الله عزّ وجلّ الذي أحاط بكل شيء يعلم ما في البر وما في البحر ، والإنسان كما يقال قد رأى وشاهد وعايش ما في البر أو بعضًا منه لكن معايشته لما في البحر أقـل وأقل لأن وصوله إليها تنتابه صعوبات كثيرة جدًا وربنا سبحانه وتعالى قد أحاط علمه بكل شيء .. فما تسقط من ورقة ولا ينبت من زرع ولا تسقط من حبة في مطر ولا يحصل حركة أو سكون في الوجود كله إلا وهو بتقدير الله سبحانه وتعالى وبعلم الله لأن الله بكل شيء عليم ..

ما من ورقة في شجرة ، في قاع بحر أو في جبل أو في وادي إلّا والله سبحانه وتعالى عَلِمَهَا أي علم بها قبل وجودها وعلم بها عند وجودها ، وهذه الورقة إذا ذبلت فسقطت أو يبست فسقطت الله سبحانه وتعالى يعلم بها.
كم على وجه الأرض من أشجار وكم عليها من أوراق ، من أحصى عددها ؟ الله أحصى عدد أوراق الأشجار ، وأحصى عدد قطرات الأمطار ، وأحصى نظرات العيون وأحصى أنفاس الصدور ، وأنه أحصى كل شيء عددًا..

فانظر إلى هذا العلم حتى قال علماؤنا في تقريب علم الله الدقيق : أنه يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء , إنه تشبيه لعلم الله الدقيق لذلك قال الله عن علمه (( لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ {5} آل عمران)) ..
ومن هنا فإنني الحقيقة أنا أدعو الإنسان في كل حالة من الحالات أن يتأمل ويقف في ما يتعلق بعلم الله عزّ وجلّ .. أعني بذلك أنت أيها الإنسان لما تكون في أرض صحراء وقد تغيرت إلى أرض خَضِرة ، نزل المطر وظهر الربيع والزهور وغيرها ؛ قف وتأمل علم الله عزّ وجلّ المحيط بهذا كله ..

ولك أن تتصور الأرض وكيف أن هذه الأرض تمر عليها الأودية والأنهار والأمطار ثم تـنبت ، ما الذي ينبتها ؟ ما هي هذه الحبوب التي تنبتها؟ ومن الذي يعلمها ؟ إنه ربُّ العالمين سبحانه وتعالى.

لما تكون في أي مكان .. أمام غابة من الغابات فانظر في هذه الغابات التي يكاد يضيع فيها الإنسان فيما لو دخـل بها لوحده ، فتأمل أن الله سبحانه وتعالى قد أحاط علمه بهذا كله .. وتأمل كم خلق قبلنا من القرون وكم كان قبلنا من الأهلون , كل أولئك مضوا ولا يستطيع أن يحصيهم ويعدّهم إلا ربنا , يقول الله (( وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا {95} مريم ))..

وهنا يلاحظ أنه فيه اقـتران في باب أسماء الله وصفاته بين عظمة الله ، قدرة الله ، علم الله .. لكن نحن ندعو الإنسان وهذا الإنسان الذي يعيش على هذه الأرض ألّا يغيب عنه أن الله سبحانه وتعالى يعلم كل شيء علمًا دقيقًا , ما دقّ منه وما جلّ وما صغر وما كبر قد أحاط علمه بكل شيء سبحانه وتعالى ..

قد تنأى بك الديار وتبعد بك الأسفار لكنها نأت بك عن من تحبهم ويحبونك ، عن أرضك وديارك ، لم تنأى بك أبدًا عن علم الله فأنت أينما كنت يعلم الله جلّ وعلا مقامك لا يخفى عليه شيء من أمرك ..

في يوم مرَّ صلى الله عليه وسلم مع أبي ذر فوجد شاتين تنتطحان فقال : { أتدري فيما تنتطحان ؟  قال : لا ، لا أعلم . قال : ولكن الله يعلم وسيبعثهما يوم القيامة حتى يقتص للشاة  الجلحاء من الشاة القرناء حتى ما يكون بين الأمم من غير بني آدم } لأن الله خلق الكائنات أممًا أمثالنا وإن كنا لا نعرف عددها ولا لغتها : أُمّة النمل ، أُمّة الطير ، أُمّة الأسماك , ما يكون بينها يعلمه ربُّنا جلّ وعلا ولا تخفى عليه خافية لا في بني آدم ولا في غيرهم من خلق الله في البر والبحر .

علم الله عزّ وجلّ أحاط بكل شيء .. وقد جاء في آيات بيّنات تعظ هذا الإنسان وتذكره بعلم الله عزّ وجلّ حتى يتعظ، فربنا سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز (( يَعْلَمُ خَائِنــَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تــُخْفِي الصُّدُورُ {19} غافر )) الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، الصدور فيها الأسرار ، صدور الأحرار قبور الأسرار كما يقولون ، وكل إنسان عنده سـر, وخائنة الأعين هي تلك التي يخفيها الإنسان عن غيره ، خطفة من خطفات الأعين يخفيها الإنسان عن غيره من الناس ويظن أنه لم يطلع عليها أحد ولكن الله سبحانه وتعالى يعلم ما تخفيه الصدور وما تخفيه الأعين وما تتخوّنه وهو سبحانه وتعالى علّام الغيوب ..

ابن عباس في هذه الآية يقول : الرجل يكون مع القوم فتمرُّ بهم المرأة فيخالسها النظر دون أن يلتفت إليه أصحابه ، أصحابه لم يدروا أين ذهب بصره والمرأة التي مرّت لا تدري من الذي نظر إليها ، فالمـرئي لا يدري من رآه والذين معه لا يعلمون أين ذهب البصر ولكن الله يعلم خائنة الأعين (( يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ{4} التغابن)) ..

فالله يدرك جميع الخفيات (( أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ {78} التوبة)) الله سبحانه وتعالى حتى في ذينيك الاثنين الذين يتسارّان حتى لا يسمع أحد من الناس سرهما ومع ذلك الله سبحانه وتعالى يخبرهم أن هذا السر عنده علانية ، فيتحدى المشركين (( وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُواْ بِهِ )) وهم يخططون لإيذاء النبي صلى الله عليه وسلم (( وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ{13} المُلك)) عليم بما في قلوبكم قبل أن تخرجوه على ألسنتكم ، والله عزّ وجلّ يقول (( مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ {7} المجادلة)) فهذا يورث في قلب الإنسان مراقبة لله سبحانه وتعالى فإن كان مقبلاً على خطأ ارتدع ونكص عن هذا الخطأ وأحجم ، وإن كان مقبلاً على طاعة أتقن هذه الطاعة لأن الله يحب من العبد أن إذا عمل عملًا أن يتقنه ..

هل سألت نفسك يومًا ما ، ما وقع قول الله عزّ وجلّ ((إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ{119} آل عمران)) على نفسك ؟ هل تستشعر أن دقائق الأمور التي في خلدك يعلمها الله ؟ من أجل أن يكون ذلك تربية لنفسك فلا تنطق إلا بالحق ولا تفكر إلا في ما يحب الله ويرضاه إنها علم دقيق تتكرر آياتها في القرآن كل ذلك لتصل إلى هذا الهدف ، وهذا له أثره الكبير على الإنسان في حياته لأنه يعلم أن الله يعلم السر وأخفى كما جاء في آية في كتاب الله عزّ وجلّ (( يَعْلَمُ السِّــرَّ وَأَخْفَى {7} طه)) ..

وهناك أخفى من السر ! السر أخفى شيء ولكن هناك أخفى من السر ! بمعنى قد يكون في حياة الإنسان سرًّا بعد سنين الإنسان نفسه صاحب السر لا يعلمه فهذا السر الذي سيكون في حياته بعد سنين يعلمه ربنا جلّ وعلا..

فعلمه سبحانه وتعالى بالسر وبما هو أخفى من السر يدل على أن علم الله سبحانه وتعالى محيط بهذا الإنسان في ما خطر بباله أو وسوست له به نفسه فأسره عن غيره ,لأن الإنسان له حالات : أحيانًا يعلن ، هذه حالة ، وأحيانًا يسر ، هو ينطق لكن يُسر إلى من حوله ، وأحيانًا يحدث نفسه به في وساوسه هو أنه يريد أن يفعل ويفعل ؛ الله سبحانه وتعالى يعلم هذا وهذا وهذا , بل أن الشيء الذي قد يكون كامنًا في طبيعة الإنسان ولم يحدث نفسه به أو ربما سيحدث نفسه به فالله سبحانه وتعالى قد علم به ..

عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها وهي تحكي لنا قصة المجادلة للنبي صلى الله عليه وسلم وهي تشتكي زوجها ، تقول عائشة :{ كنت أسمع الكلمة وتخفى علي بقية الكلمات } فنزل الوحي يسجل هذه الحادثة بسورة ابتدأها الله بقوله (( قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا {1} المجادلة)) قد سمع من فوق سبع سماوات ، يسمع مجادلة هذه المرأة للنبي صلى الله عليه وسلم , تقول عائشة : { سبحان الذي وسع سمعه السماوات والأرض بينما لا يفصلني من النبي صلى الله عليه وسلم إلا ستار كنت أسمع الكلمة وتخفى عليّ غيرها والله قد سمع تحاورهما في سابع سماواته فوق عرشه جلّ في علاه } ..

علمه تبارك وتعالى لا يحجبه شيء , فالربُّ تبارك وتعالى يقول (( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْــرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ {16} ق )) ومع ذلك حبل الوريد يحجبه عن القلب بعض أعضاء البدن ولا يُحجب عن علم الله شيء لا من بدن الإنسان ولا من غيره .

تذكروا معي قول الله سبحانه وتعالى (( وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ {13} أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّـطِيفُ الْخَبِيرُ {14} المُلك )) ..
الناس حينما يتحدثون فيما بينهم يظنون أنهم في الخلوة لا يسمعهم أحد ولا يراهم أحد ولكن الله تعالى لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء (( مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُـــمَّ يُنَبِئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ {7} المجادلة )) الله جلّ وعلا لا تخفى عليه خافية ، الناس قد يتحدثون سرًّا ولكن الله يعلم سرهم ونجواهم ، الذي أضمر كلامًا سرًّا في خلوة بينه وبين الآخرين ألا فليعلم أن الله معهم والله أحصى كلامهم ونظرات عيونهم وأنفاس صدورهم ، أحصاه عليهم ثم يوم القيامة ينبئهم بما عملوا لأن الله تعالى لا تخفى عليه خافية لا في الأرض ولا في السماء ...








تابع القراءة...
.๑. (النور جل جلاله) .๑.

لماكان النور من أسمائه سبحانه وصفاته كان دينه نورا،ورسوله نورا،وكلامه نورا، ودار كرامته لعباده نورايتلألأ،والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين،ويجري على ألسنتهم،ويظهر على وجوههم،ويتم تبارك وتعالى عليهم هذا النور يوم القيامة