الخميس، 1 ديسمبر 2011

حكمته وشــــأنه(2)

بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة برنامج ذكرى

حكمته وشــــأنه(2)


إذا أراد الإنسان أن يتأمّل حكمة الله عزَّ وجل ويزداد بها علماً ويقيناً فليتأمّل مجيء هذه الحكمة واسمها الحكيم في آيات في كتاب الله سبحانه وتعالى مرّة مقرونة بالعزيز ((الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)) ومرّة مقرونة بالعليم ((الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)) ومرّة مقرونة بالخبير ((الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)) وهذه كما قال العلماء رحمهم الله تعالى لها مدلولات في اقترانها .

ويا ليت المتأمّل يتأمّل في اقتران أسماء الله سبحانه وتعالى مع بعضها البعض , فالعلم بأسماء الله سبحانه وتعالى أجلّ العلوم , والعلم كذلك باقتران هذه الأسماء من أعظم العلوم ,
 وفي اسم الله عزَّ وجلَّ (الحكيم) الله عزَّ وجلَّ قرن هذا الاسم بأكثر من اسم من أسمائه الأخرى , ومن هذا الاقتران أن قرن الله عزَّ وجلَّ اسمه الحكيم باسمه العليم .. فما السر في هذا الاقتران ؟؟؟

إنّه سر بديع ,,, العلم صفة كمال والحكمة صفة كمال وكلاهما يُبيّن لنا ما لله تعالى من الكمالات, لكنَّ هذين الاسمين لمّا اقترنا وهذين الوصفين لمّا أُخبرا بهما في مقام واحد دلَّ ذلك على كمال زائد على انفراد العلم وانفراد الحكمة .

فهو سبحانه وتعالى عليم لكن أيضاً هو حكيم .. فبعض الناس قد يكون عنده شيئاً من العلم لكن إذا كان فاقد الحكمة فإنه لا يستفيد من علمه , وقد يكون الإنسان عنده حكمة لكن إذا كان قليل العلم فإنَّ هذه الحكمة التي أوتيها لا يمكن أن يضعها في مواضعها لجهله وقلّة علمه .

أمّا الله سبحانه وتعالى له العلم المطلق وله الحكمة المطلقة فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء , الإنسان يُقرّر قراراً يتوقّع أن الحكمة فيه لأنه ما يدري ما يعلم ما الذي سيحصل بعد عشر سنوات أو عشرين سنة أو ألف سنة .. يقيناً لا يعلم ,

 أمّا الله سبحانه وتعالى فيعلم عزَّ وجلَّ ما الذي سيحصل في هذا الكون لأنه هو الذي خلق هذا الكون ,وقيام هذا الكون بقيّوميّة الله عزَّ وجلّ فله الحكمة المطلقة وله العلم المطلق , فالله سبحانه هو وحده الذي لا يصدر عنه الشيء لحكمة إلّا مبني على علم وليس على شيء مصادفة كما قد تقع عند المخلوق.
فالعليم الحكيم سبحانه وتعالى ..

 إذا تأمّلنا اقتران هذين الاسمين له كان في ذلك من الدلالة على حكمة الله عز وجل العظيمة في خلقه لأنه هو العليم بها , وكذلك الحكيم الخبير ببواطن الأمور فإن الإنسان قد يظنُّ أحياناً الحكمة في شيء فيما يظهر له لكنه يجهل بواطنه وهذا واضح في كثير مما يمرُّ بنا في حياتنا , كم من أمور تمر علينا ونتمنّى أو نظن أن الحكمة في هذا الأمر الذي نتمنّاه في هذه الحياة ويتبيّن لنا بعد ذلك أن الله سبحانه وتعالى لأنه الخبير ببواطن الأمور كانت الحكمة في ألّا يكون هذا الشيء .

وكذلك قرن الله تعالى بين صفتين كلمتين .. بين العــــــــــــــــزّة والحكمـــــــــــة في كلامه الحكيم وقرءانه الكريم يقول الله جلَّ وعلا ((لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ))[آل عمران:6] ,إنَّ اقتران هذين الاسمين واجتماع هاتين الصفتين مما يدلُّ على كمال  الربِّ جلَّ وعلا ,وذلك أنَّ العزّة صفة كمال والحكمة صفة كمال فازداد الكمال كمالاً باجتماع هذين الوصفين واجتماع هذين الاسمين , وهذا هو السر في أنَّ هذين الاسمين يقترنان كثيراً في كلام الله جلَّ وعلا ((الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) .

الإنسان الحكيم يمكن أن يدرك الصواب والخير لكن يمكن أن لا يستطيع تطبيقه , أمّا الله سبحانه وتعالى فهو العزيز القوي الغالب لا يستطيع أحد أن يردَّ أمره فهو حكيم وعليم وهو قوي وغالب لا يستطيع أحد أن يُخالف أمر الله عزَّ وجل ولا يخاف عز وجل عقباها .

وإذا أردت أن تعرف حكمة الله عزَّ وجلّ في ذلك فعليك أن توقن أن الله سبحانه وتعالى موصوف بصفات الكمال فهو سبحانه وتعالى هو الغني عن جميع خلقه ,إذاً فعله كله سبحانه وتعالى له فيه الحكمة البالغة ,وإذا قارنت بحال الخلق فإنك ستجد أنَّ الناس يتعاملون مع غيرهم بأغراض لهم حتى ولو أنها أحياناً خالفت شيئاً من الحكمة لأنه يريد أمرا وغرضاً يصل إليه .

أمّا ربنا سبحانه وتعالى فهو الغني عن خلقه .. وهو سبحانه وتعالى عدلٌ لا يظلم وهو الكامل في علمه , فمن كان موصوفا ً بصفات الكمال هذه فلابد أن يستنتج الإنسان أن أفعاله سبحانه وتعالى إنما هي لحكمة تظهر ـــــــــــــــــــــــــــــــــ وتزيد أهلها إيماناً ويقيناً .

أمّا ما يفعله سبحانه وتعالى ويخلقه إنما هو لحكمة بالغة قد ندرك قليلاً منها وأحياناً لا نُدرك هذه الحكمة لكن المؤمن يوقن بأنه سبحانه وتعالى إنما أوجدها وخلقها أو أمر بها لحكمة بالغة فيُسلّم لربِّ العالمين سبحانه وتعالى .
وهنا ألفت أنظار إخواني وأخواتي إلى الاعتناء بهذه الاقترانات في كلام الله تعالى في أسمائه وصفاته فإنها تُضيف من الكمالات والبهاء ما يقف عليه من غار ببصره ونفذ ببصيرة قلبه إلى ما وراء الألفاظ إلى المعاني والحكم والأسرار.

وصف الله تعالى كتابه بأنه حكيم محكم جلَّ وعلا فوصف في كتابه القرءان بأنه ((مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)) وقال جلَّ وعلا ((كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ)) والقرءان كلام الله جلَّ وعلا .. كلام ربنا سبحانه وبحمده وهو المتَّصف بالحكمة .. كلامه متَّصف بصفة الحكمة أيضاً كما دلّت على ذلك النصوص .

وانظر إلى كتاب الله عزَّ وجل .. كم فيه من الآيات والعبر والأحكام والدلائل ما لا يستطيع أن يُحيط به بشر ,ولهذا سمّى الله عزَّ وجلَّ كتابه الحكيم , الحكيم :أي أنه المحكم المتقن , وهذه الحكمة يتدبَّرها المؤمن في كلام الله تعالى في أخباره وفي شرائعه وأحكامه وفي قصصه وفي سائر قوله سبحانه وبحمده .

فتجد صفة الحكيم لله سبحانه وتعالى في هذا القرءان وهو كلام الله عزَّ وجلّ .. أنزله ..تدبّر الآيات وسياقاتها وأحكامها تجد العجب العُجاب في حكمة الله عزَّ وجل , ولذلك قال في القرءان مُتحدِّياً عن القرءان ((وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً))[النساء:82] .

ومن القصص التي تُثبّت وتربط على قلوب المؤمنين في هذا العصر أنّ عالماً كندياً كان نصرانياً أسلم بهذه الآية , تأمّل قمّة التحدّي في الآية فيقول في كلام طويل له قد نُشر على الشبكة العنكبوتية ونشر خبره في أكثر من مكان , يقول :{{ ما قرأت كتاباً إلّا وجدت صاحبه يعتذر في مقدّمته عن أخطاء ربما وقعت في كتابته أو هفوة أو شيئاً نساه إلّا هذا القرءان وجدت صاحبه يتحدّى أن يجد من يقرأه خطأ فيه ... حتى قال ((وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)) يقول :{{ لقد دفعني هذا التحدّي أن أتمعّن في هذا القرءان لعلّي أجد خطأً فيه فما وجدت }} فانظر.... كيف كلام الله مشتمل على الحكمة من كل وجه .

إنها حكمة بالغة تبهر العقول , لكن هذه الحكمة لا يمكن أن يقف عليها الغافل الذي يقرأ القرءان قراءة هد لا يتدبّر آياته ولا يقف عند عجائبه , إنَّ حكمة القرءان التي هي حكمة ربُّ العالمين لا يوقف عليها إلّا من طريق التدبّر الذي يفتح الأسرار ويُبدي مكنون حكمة الله تعالى في كلامه وشرعه وقدره سبحانه وبحمده .

يقول الله تعالى ((أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا))[محمد:24] ولذلك من المهم لمن أراد أن يقف على الحكمة في كلام الله  تعالى أن يبذل جهداً وأن يضاعف عملاً فيما يتعلّق في التدبّر والتفهّم والتعقّل لمعاني كلام ربنا جلَّ وعلا .

ولا يجد الإنسان أدنى صعوبة في التأمّل بحكمة الله سبحانه وتعالى والوثوق بأن ما فعله الله عزَّ وجل أو قاله أو قرَّره أو شرّعه هو الحكمة المطلقة , فعلاً لا يجد الإنسان صعوبة .. يتأمّل الإنسان في هذه التشريعات التي تناسب هذا الإنسان .

تعال إلى حكمة الله عزَّ وجل في هذه الصلاة ... خمس صلوات ..وكيف الإنسان يرتبط بربّه ,هذا الحبل ,هذا النهر الذي يتطّهر منه ويلتقي المسلمون ليُجدّدوا عهدهم مع ربّهم تعظيماً وتكبيراً وذكراً وتعلّقاً بربّ العالمين سبحانه وتعالى .

تأمّل حكمة الله عزَّ وجل في الحج ... في الصيام , كم في الصيام من الأسرار , كم في الحج من الأسرار ,كم في الزكاة من الحكم والأسرار العظيمة , وهكذا ..

لو أردنا أن نسترسل في جوانب مفصّلة لكل واحدة منها لطال بنا المقال , لكن يجب على الإنسان أن يُدرك شيئين :

أن لا يتوقّف ائتماره بأمر الله وانتهاءه عن نهي الله على معرفة الحكمة ..

هناك بعض الأمور تستطيع أن تعرف الحكمة من وراءها , لكن هناك كثير من الأمور لا تستطيع لأن عقلك أصغر من أن يتمكّن من معرفة الحكمة ,

الآن ها أنت تركب الطيّارة والسيّارة وكثير من الأشياء الموجودة في هذه الطيّارة أنت لا تُدرك لماذا هي موجودة في هذه الطيّارة , لماذا هي موجودة في هذا الجهاز ..لا تُدرك , ومع ذلك أنت على يقين بأن هؤلاء البشر الضعفاء الخبراء ما وضعوا هذا السلك الفلاني أو الزر الفلاني إلّا لحكمة , ثم تأتي تُعامل الله سبحانه وتعالى بقسمة ضيزى فتقول لابدَّ أن أعرف الحكمة حتى أُطيع الله سبحانه  وتعالى وانتهي عمّا نهى عنه !!! .

وأعتقد جازماً أن كلام الزنادقة والملاحدة في دين الله عزَّ وجل وفي أفعاله إنما هو ناشئ عن عدم علمهم بحكمة الله , ولو علموا لأيقنوا أنهم في غاية الجهل وتمام الضلالة , الله سبحانه وتعالى بنى أفعاله وأحكامه وحدوده كلها على حكمة , ولكن كثير من الناس قد لا تتبيّن له الحكمة في أول الأمر وما أن يلبث أو يصبر حتى يرى شيئاً من تلك الحكمة .

كلّمت أحد الأصحاب مرّة من المرّات في مسألة الصلاة , فإذا به في الأخير يقول لي : أنا في الحقيقة لست مقتنعاً بتشريع الصلاة !!!!

هل تظن أن الذي شرع الصلاة هو أنا أو الحكومة ؟؟ الذي شرع الصلاة هو أحكم الحاكمين سبحانه وتعالى , و والله ما شرع الله الصلاة إلّا لمصلحتك أنت فالله غني عني وعنك , لكن أنت حينما تذهب إلى الطبيب تقتنع بقراره حتى وإن لم تفهم ما يقول .

وحينما تذهب بسيارتك إلى الميكانيكي وتقتنع بقراره مع أنك ما تدري كثيراً مما يقول , ثم إذا أتى أمر الله سبحانه وتعالى لا ترضى وتسلّم !! .

لهذا يتبيّن أنَّ ربَّنا جلَّ وعلا حكيم لا يخلق إلّا لمصلحة ولا يخلق عبثاً ولا سُدى , ولا يشرع إلّا لمصلحة ولذلك كانت الشريعة بناءها وأصلها قائم على تحقيق المصالح ودفع المفاسد , فما من شيء أمرت به الشريعة إلّا لجلب مصلحة أو دفع مفسدة 
.
قد يتوهّم الإنسان في بعض الأحيان أن هناك من الشرائع ما لا حكمة فيه أو ما لا مصلحة فيه ,كل ما شرعه الله تعالى فيه حكمة ومصلحة , وكل ما نهى الله تعالى عنه إنما نهى عنه لما في وجوده من المفسدة والمضرّة , فينبغي أن تُستحضر هذه الأمور حتى تُعرف حكمة الله تعالى .. حتى تُدرك مواطن هذه الحكمة فيما يشاهده الإنسان في خلق الله تعالى وفي شرعه ...
اللهم إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع ,, ومن قلب لا يخشع ,, ومن نفس لا تشبع ,,ومن دعوة لا يُستجاب لها .

اللهم يا مصوّب الدعاء بألّا تُجيب ,,ولذلك تحمي من الضر من يدعو بالشر دعاءه بالخير ,,سبحانك ولا تُقال إلّا لك .. حذّرتنا أن لا نحكم فيما لا نعلم حتى لا نُحكّم الأهواء في تزيين ما نشاء .. وحسبنا من قولك عسى أن تُحبّوا وعسى أن تكرهوا ما أيّده الواقع من شر فيما نُحب ومن خير فيما نكره ...

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...


0 أضف تعليق:

إرسال تعليق

أخي الزائر/أختي الزائرة:
قبل أن تكتب تعليقك ،تذكر قول الله تعالى :

{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية(18)

.๑. (النور جل جلاله) .๑.

لماكان النور من أسمائه سبحانه وصفاته كان دينه نورا،ورسوله نورا،وكلامه نورا، ودار كرامته لعباده نورايتلألأ،والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين،ويجري على ألسنتهم،ويظهر على وجوههم،ويتم تبارك وتعالى عليهم هذا النور يوم القيامة