الاثنين، 25 يوليو 2011

يحبهم سبحانه 1


بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة برنامج ذكرى

يحبهم سبحانه (1)



إليكَ وإلّا لا تشدُّ الركائبُ            ومنكَ وإلّا فالمُؤملُ خائبُ
وعنكَ وإلّا فالمحدّثُ كاذبُ

سبحانك ما أعدلك ، سبحانك ما أكرمك .. أحببت من يحبك ..أكرمت من يحبك ، دنوت ممن يحبك ، فما أسعد من كان لك حبيبا ، وما أسعد من كنت له مجيبا ، وما أسعد من كنت منه قريبا ...

قال تعجب العلماء من حب الله تبارك وتعالى لعبده ..
ليس العجيب أن يُحَب فهو يُحبُّ لذاته و لصفاته و لكماله وجلاله وجماله، ولما يغدونا به من نعم سبحانه وبحمده, فلا غرابة إذا ً أن نُحبَّ ربّا ًقد أوصل إلينا الإحسان وأن نُحبّه سبحانه و تعالى لأنه هو الذي يتودد إلى عباده ..

لكن العجب العُجاب أن يُحِب ..أن يُحِب سبحانه وتعالى مع غناه ..ويُحِب مع قدرته..ويُحِب وهو ينظر إلى بعض عباده وهم يعصونه ويُخالفونه ثم يتفضّل عليهم سبحانه وتعالى, ليس العجيب أن الفقير يحب الغني، وأن الضعيف يحب القوي، وأن الهيّن يحب المهيمن، وأن الجاهل الجهول يحب العليم الخبير، لكن العجب العجاب أن القوي..العظيم..الغني..الكريم ..الذي له ملك السماوات والأرض يُحب سبحانه وبحمده .
والله تبارك وتعالى قد أخبر في القرءان أنه يُحِبُّ عباده ,بل أخبر أنّه لو لم يوجد من المؤمنين من يقوم بالعبادة التي تبلّغهم حبّه لهم ، فسيأتي بقوم ٍ يحبهم ويحبونه

) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ( (المائدة 54)..

أول صفة ذكرها الله سبحانه وتعالى عن هذا البذل عن هؤلاء المؤمنين يحبهم ويحبونه.. ما قال الله سبحانه وتعالى يُصلون، يصومون، يُزكّون، يُجاهدون، يُريقون دمائهم في سبيل الله ، يبذلون، ينصحون، يجتهدون، يُنفقون الملايين من أجل الله سبحانه وتعالى..لا.. ذكر الأساس يُحبّهم ويُحبّونه..فيه إشارة إلى أن من عظيم كرم الربِّ تبارك وتعالى في التعامل مع خلقه أنّه يُحبّهم .

القضية كبيرة جدّا ًوعظيمة، وتستحق أن يشمّر الإنسان وأن يبذل..أن يُحبّك الله سبحانه وتعالى, الإنسان تكثر سعادته وينشرح صدره وتسكن نفسه إذا علم أن فلاناً من الناس يُحبه، أن الوزير يُحبه، أن الملك يُحبه، هنا الذي يُحبّه هو الله سبحانه وتعالى, ولذلك كان التسابق عند المخلصين والّذين يرغبون فيما عند الله، كان التسابق لإدراك محبَّة الله .

اجتمع صلّى الله عليه وسلم بجمع من أصحابه، فأعلن البُشرى وقال صلى الله عليه وسلم :
{ لأُعطينَّ الراية غداً رجل يُحبّه الله ورسوله..ويُحب الله ورسوله }
فتشوَّق لها الناس، الله أكبر .. ما أعظمها من نعمة وما أجلّها من منّة ..الله يُحبّه، ورسوله يُحبه، يكفي هذا ..لا شرف أشرف من هذا ولا نعمة أكرم من هذه ,فتشوّق لها الصحابة، وباتوا في ليلة يذوقون أيهم يُعطاها, من ينال هذه المنّة, من يحظى بهذا الشرف..وعندما جاء الصباح وإذا بالصحابة في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم ينظرون إليه، قلوبهم تخفق شوقاً ولهفةً ولوعةً أيهم يعطاها، من ينال هذا الشرف ..
من يحظى بهذه الكرامة، من ينال هذه الكرامة والمكانة، فنظر صلى الله عليه وسلم إلى وجوه القوم ,وتخيّل معي أنك بينهم، وإذا به صلى الله عليه وسلم يقول لهم :{ أين علي ابن أبي طالب ؟ } إذاً هو علي..أعطاه صلى الله عليه وسلم الراية فنال بها ذلك الشرف أنّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم يُحبّانه .

فإذا أحبك الله سبحانه وتعالى لك الحق أن تفرح وأن تسعد وأن تعلنها للناس أجمع ، أنا من أسعد الناس في هذا الوجود أن الله سبحانه وتعالى..أن الله عز وجل ..أن الله القدير.. أن الله العظيم ..أن الله الذي له الأسماء الحسنى والصفات العليا ..يُحبني أنا العبد الضعيف .


فما أكرمه وما أحلمه وما ألطفه بعباده سبحانه وبحمده ،الله رب العالمين يحب بعض خلقه .. فما أكرم وما أعظم أن تمشي بين الورى تخالط الناس ورب الناس قد أحلَّ عليك محبته ، وأفاض عليك من فيوض مودته سبحانه ..


قال الله جلَّ وعز في وصف نبيه موسى عليه السلام ) وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي ((طه:39) يقول ابن عباس رضي الله عنه في توضيح هذا المعنى :{ أحبّهُ الله وحبَّبهُ إلى الخلق } ولذلك جعل الله الأسباب تأتي لموسى من كل حدب وصوب من أجل أن ترعاه وأن تجعله محل العناية والرعاية لأجل أن تصدق عليه محبّته .


وحينما تنظر إلى حياة موسى عليه السلام تجد أن محبّة الله عزَّ وجل كانت ظاهرة منذ نشأة موسى بل منذ ولادته، وحينما نتحدّث عن المحبة نتحدّث عن الرعاية وعلى أن الله جل وعز قد شمله في تلك الحقبة أو ذاك التاريخ الذي تعرّض فيه موسى إلى مواقف خطيرة ومخيفة إلى حد كبير.
قف معي بين موقفين ..الموقف الأول والموقف الخاتم بين موسى عليه السلام وبين فرعون عليه لعائن الله متتابعة, انظر إلى جنود فرعون وهم يداهمون بيت موسى، وهاهو موسى تراه طفلا ً صغيراً، وقامت الأم وألقته في اليم ..يُحمل في تابوت صغير على ظهر الأمواج لتذهب به إلى بيت فرعون..وهو ينتظر بسكين فرعون, انظر إليه وهو يدخل بيت فرعون، بيت ذاك الطاغية ، ونجد أن الله عزّ وجل قد كلأه برعايته .
ثم انظر كيف أُلقيت المحبّة في قلوب من هم يُعادونه وينتظرون قتله، إذ جعل الله المحبّة أول ما جعل في قلب امرأة فرعون حتى قال كما جاء في بعض الروايات أن الله جعل على موسى مسحة جمال وشيء من الملوحة, ما يراه أحد إلا يشعر بالرغبة في النظر إليه مرة أخرى ، وهذا من محبّة الله التي ألقاها على موسى .


فمن الذي أنجى موسى من سكين فرعون..الحب، إنه الحب لا شيء سوى الحب) وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي ( لأن الله عز وجل يُحب موسى، حبَّب سبحانه وتعالى فيه خلقه فما أن يراه الرائي حتى تُقذف محبة موسى في قلبه، فنجّى الله موسى من سكّين فرعون بالحب ..



انظر إلى موسى في موقف ثالث حينما قتل ذاك الرجل ، وتآمر عليه القوم فحماه الله جلّ وعز ، وألقى عليه تلك المحبّة التي هي معناها الرعاية ,انظر إليه وهو يؤمر موسى عليه السلام ويؤمر أخوه هارون أن يذهبا إلى من ؟ أن يذهبا إلى فرعون, حينما ترى هذا السياق في حياة موسى عليه السلام ما الذي جعله يتجاوز تلك المواقف العظيمة إنَّها محبَّة الله جل وعز لنبيه موسى كما قال جل وعز ) وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي ((طه:39) .

ثم تأملوا في الموقف الخاتم وموسى عليه السلام مع بني إسرائيل يهربون وفرعون بجنوده من خلفه بعُدّته وعتاده، ثم يقول قائل بني إسرائيل ((إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ))(الشعراء:61) فيقول موسى )كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ((الشعراء:62) إن الذي نجّاني من سكين فرعون، سيُنجّيني من جيش فرعون, وكذا كان، بماذا نُجّي ؟ بالحب ,لأن الله عز وجل يُحب موسى ولذلك نجَّاه الله عز وجل من كيد فرعون ..
موسى يخرج قبل قومه إلى ميقات ربه سبحانه وتعالى، فيأتي السؤال من الكبير المتعال ((وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى))(طه : 83) فيجيب موسى ((وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ ))(طه:84) لما ؟ ((لِتَرْضَى)) الحب لا شيء سواه .


استشعر معي يا عبد الله أن الله رب العالمين ..إله الأولين والآخرين.. قيّوم السماوات والأرضين رحمن الدنيا والآخرة ينظر إليك بعين رحمته ثم يتفضّل عليك بمودّته ويفيض عليك من محبته سبحانه تمشي الخطى بين الورى والله من فوق عرشه سبحانه وتعالى يحبك .
إذا أحبّك مولاك ..أعطاك وأغناك..حماك وكفاك ..هداك واجتباك ..أعطاك فوق المأمول ودفع عنك كل محظور وأجارك من خزي الدنيا والآخرة .

فمحبة الله لك تعني أنك سعيد ..تعني أنك تقي..تعني أنك مؤمن ..تعني انك تسير على الدرب الذي يرضاه الله عز وجل، تعني أن نهاية دربك هو السعادة الحقيقية، هو جنّات النعيم ، هو الدخول في جنة عرضها السماوات والأرض، هو الدخول في جنة فيها محمد صلى الله عليه وسلم، فيها آدم عليه السلام، فيها موسى عليه السلام ، فيها أبوبكر وعمر وعثمان وعلي يقيناً فيها، وفيها رؤية الله سبحانه وتعالى..ذاك المحبوب الأعظم الذي لا يُحَبُّ أحد لذاته إلّا هو سبحانه وتعالى، ولا يُحَبُّ أحد من كل وجه إلّا هو عزَّ وجل ..

فلا تظن أن محبة الله هيّنة حتى لا تطمع فيها ولا ترجوها ، إن محبّة الله للعبد تعني سعادته في الدنيا والآخرة ، إن محبّة الله للعبد تعني الخير الذي يحيط به من كل جانب ، تعني هو التوفيق الذي يجده الإنسان في كل عمل وفي كل قربة وفي كل طاعة ، إن محبة الله هي النور الذي تبصر به .. والله عز وجل إذا أحبّك أعطاك وأغناك وأقناك وحماك وهداك .. واجتباك ، وتفضّل عليك بما لم يخطر لك على بال ، دفع عنك الشرور، يسّر لك الأمور ، اصطفاك من بين الخلق ، فأعطاك ما لم يعطي أحدا ًمن العالمين ..


إن محبّة الله للعبد تعني أنه سيؤنس وحشته.. وسيكشف كربته وسيغنيه من فقره .. وسيعافيه من مرضه ، وسيلطف به في كل أحواله، وسيسوق له الخير حيث كان ..

الله إذا أحبّك أرضاك .. يرضيك ويرضى عنك سبحانه وتعالى (رضي الله عنهم ورضوا عنه ) رأى النبي صلى الله عليه وسلم جابر ابن عبد الله ابن حرام يبكي ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :{ ما الذي يبكيك يا جابر؟! } قال :{ أبي يا رسول الله قُتل .} فقال النبي صلى الله عليه وسلم :{ يا جابر ابكي أو لا تبكي والذي نفس محمد بيده لقد ظللت الملائكة أباك حتى رفعته ، والذي نفس محمد بيده .. لقد كلّم الله أباك كفاحا ًبلا ترجمان ، قال : تمنّى يا عبدي .. قال : أتمنّى أن تعيدني فأقتل فيك ثانية } الحب .. قال :{ أني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون ..قال : فتمنّى يا عبدي .. قال : أتمنى أن ترضى عني فإني قد رضيت عنك ، قال : أحلل عليك رضواني فلا أسخط عليك بعده أبدا ً} ورضوان من الله ..رضوان من الله أكبر ..

فوجب على الإنسان أن يتوقف ..يحبّهم ويُحبونه, حتى يعرف الإنسان كيف يكسب هذه المحبّة العظيمة من الله الغني غنىً مطلقا ً..من الله الجميل..من الله المتكبر.. من الله الكريم لهذا العبد الضعيف ..

يقول النبي صلى الله عليه وسلم :{ إن الله عز وجل إذا أحب عبدا ًنادى يا جبريل إنّي أحب فلانا ً فأحببه, فيحبّه جبريل مباشرة لأن الله يحبه، أحبّه جبريل، لأن جبريل خلق من خلق الله وعبد من عبيد الله وملك من ملائكة الله يحب ما يحبه الله, ثم ينادي جبريل في أهل السماء: يا أهل السماء إن الله يحب فلانا ً فأحبّوه.. فيحبه أهل السماء من ملائكة الله وأنبياء الله اللذين في السماء، ثم ماذا ؟! ثم يوضع له القبول في الدنيا }..تأمّل معي يا عبد الله أنك أنت فلان المذكور في هذا الحديث والله ينادي يا جبريل إني أحب فلان فأحببه ..


ولك أن تعيش هذه اللحظة أن اسمك يا من تعيش على الأرض يتردد فوق سبع سماوات يتحدّث الرب جل وعز عنه.


فإذا ذكر الله عز وجل اسمك في الملأ الأعلى..الإنسان يُمكن أن يقول أنا لا أريد شيء بعد ذلك من الدنيا أبدا، أنا قد ربحت أعظم الربح أن ذكرني الله سبحانه وتعالى في معرض المدح والرضا والمحبة لجبريل، ثم ينادي جبريل عليه السلام باسمك بين أهل السماء ..


إن تسمية الإنسان باسمه في ملأ لا يعصى فيه الله .. والله إنها من أعظم المحبة لله للعبد..


يقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي:{ يا اُبَي اقرأ لي البيّنة فإن الله أمرني بذلك . قال: يا رسول الله ..الله ذكر اسمي (ذكر أبي) ذكر اسمي.. قال : بلى .. فأخذ يبكي } ..
طفح السرور عليا حتى أنني           من عظم ما قد سرّني أبكاني
من أنا حتى أن ربّ الكون سبحانه وتعالى  يذكرني..



إنّه الحب ..الحب الذي عمرت به القلوب الصادقة المؤمنة المخبتة لله سبحانه ..


استشعر معي هذه النعمة أن الله عز وجل يُحبّك، أن الله يُودّك، إنك من أهل مودته ومحبته, فأي شعور ستشعر به.. ثم ما النتيجة التي تتلقفها وتشاهدها وتراها.. ستجد ذاك القبول لك في الأرض، أحبك أهل السماء وهذا يقتضي منه أن أهل الأرض يحبونك أيضا, وهذا موجود في الدنيا سبحان الله.. أيوضع لأناس القبول؟! تنظر إلى عبد من عباد الله الصالحين الطائــعين المتقين، فما أن تراه حتى ينفذ إلى قلبك ، ينشرح له الصدر، يطيب معه العمر، يطيب به المجلس، تشعر أن بينك وبينه علاقة وثيقة لها أمد بعيد..


انظر إلى واقع الناس الأن .. كم دفعوا من الأموال الطائله في سبيل أن يكسبوا محبة الناس ، في سبيل أن يجذبوا الناس، تراه وقد بذل الغالي والنفيس في سبيل ذلك ومع ذلك ما نجح في أن يستقطب تلك القلوب محبة صافيه, نعم قد يحبونه لأغراض دنيويه وينتهي بزوال ذلك المؤثر من مال وغيره ، لكن أن تكون تلك المحبة نقيه صافيه قد لا تجد ذلك ..
فهنيئا ًلك أيها الإنسان.. يا من أحبك الله جل وعز وأنت تجد أن اسمك يتردد وأن أهل السماء يحبونك, وأن أهل الأرض قد فتحوا الأبواب محبة لك وتقديرًا واحتراما......


وهنا أذكّركم بقول الله عز وجل ) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ((مريم :96) سيجعل لهم الرحمن وُدّا فيحبّهم سبحانه وتعالى، ويبعث لهم القبول والمحبة في الأرض، إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إذاً فلتفرح يا من آمنت بالله عز وجل بصدق وإخلاص, ويا من عملت الأعمال الصالحة التي تدل على هذا الإيمان الذي تزعمه أن الله عز وجل سيجعل لك ودّاً في الدنيا و ودّاً في السماء و ودّاً عنده سبحانه وتعالى ..


فالقضية ليست دنيوية..القضية سماوية..الله عز وجل قد وضع له القبول والمحبة في قلوب عباده، فتخيل معي أنك ذلك المُحَب، ممن؟ لا أقول من عبد من عبيد الله، ولا ملك من ملائكة الله، ولا جندي من جنود الله، ولا خلق من خلق الله.. بل مُحَب من الله..



هنيئا لعبد أحبه رب الأرض والسماوات
هنيئا لعبد ذكر اسمه رب الأرض والسماوات
هنيئا لعبد ذُكــــر اسمه في الســماوات
هنيئا لعبد أحبه جبريل ، ونادى باسمه في السماوات
هنيئا لعبد أحبــه أهل السماوات
هنيئا لعبد وَضَعَ له القبولُ في الأرض ..
ربُّ الأرض والسماوات


وإذا أحبّك الله سبحانه و تعالى يكفيك ما قاله هو عز وجل في الحديث القدسي ، مسألة ليست استنباطاً مني ولا من العلماء ولا من المشايخ ولا من الفضلاء، بل هو نص كلام الله سبحانه وتعالى من حديث النبي صلى الله عليه وسلم  في الحديث القدسي عن الله حينما قال الله عز وجل :
{ وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرّب إلي بالنوافل حتى أُحبّه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها ولإن سألني لأعطينّه ولئن استعاذني  لأعيذنّه }.. يا الله .. ما أعظمها من منّة .. وما أجمله من عطاء .
لأن الله عزَّ وجل يحبه..يكون الله تبارك وتعالى سمعه وبصره ويده ورجله..ما معنى هذا ؟؟! معنى هذا أن الله عز وجل يصطفيه من بين خلقه بجارحة النظر، بنعمة البصر..لا ينظر إلّا إلى ما يحبه الله عز وجل ,فتراه إذا سمع سمع بالله ، وإذا نظر نظر بالله ، فمعنى ذلك أن هذا الإنسان لا يسمع إلّا ما يرضي الله عز وجل ،ولا يشاهد ولا يبصر ولا ينظر إلّا ما يرضي الله سبحانه وتعالى.

إنه التسديد من الله عزَّ وجل ..تجد نفسك منشرحة لكل خير، ومنقبضة عن كل شر ، تجد سمعك يشنّف بكل ما يحبه الله سبحانه وتعالى ويرضاه ..


أليست هذه نعمة ؟؟! أن يحميك مولاك مما فيه الخطر عليك في دنياك وأخراك ، ثم يهديك بفضله ومنته وإحسانه لتنظر لما يحب من أعمال البر والتقوى ، وكذا السمع..كنت سمعه الذي يسمع به، أي أن الله عز وجل يحميه من أن يسمع الحرام ، فلا يسمع بعد ذلك إلّا ما يحبّه الله عز وجل من المسموعات، ولا يبطش بيده إلّا في خير..

فهذه اليد ..وهذه الجارحة تراها وقد بذلت وقدّمت كل خير، بل وإذا مارست ما تُمليه عليه تلك القوة التي تحتويها إنما يكون ذلك لله وفي الله ..لا تكتب حراما ً، لا تبطش في حرام ، لا تأكل أموال الناس بالباطل ، لا تؤذي، لا تتعدّى، وإنّما توفّق إلى الأعطيات والهِبات والإحسان والصلات وغير ذلك من مراضي الربَّ عزَّ وجل ...

ما تعرف إلا أن تبسط في الخير .. وتبسط في العطاء .. وتبسط بالسلام .. وتبسط بالبذل .. وتبسط بالندى ، وتجد يدك كالمشلولة حينما يعترض لها طريق الشر، أو السرقة، أو الحرام ..

وهكذا نجد أن الله سبحانه وتعالى بيّن أن هذا الإنسان بيده التي تُعطي وتُقدّم الخير والعطاء ، تراها حتى في مواقفها السلبية التي نجد أن عنوانها البطش، تراها لا تقدم إلا على ما فيه ذلك الخير..

وكذلك القدم ..لا يمكن أن تحمل هذه القدم ذلك البدن إلى معاصي الله عز وجل ، وإنما لا تقوده إلّا إلى مراضي الرب سبحانه وتعالى, تجد رجلك تمشي وهي سعيدة.. تمشي وهي مرتاحة ..تمشي بكل يسر وسهولة إلى كل خير يحبه الله ويرضاه ، وتجد من نفسك تثاقلا ًحينما يُعرض على ذهنك مجرّد عرض مجالات الشر ومجالات الحرام , فترى أن هذه القدم ما زالت تمضي راكضة ًلكل ما فيه خير لهذا الإنسان في حياته وفي آخرته ..


فلا تسأل عن سداد الله لك ..و توفيق الله لك ، وتثبيت الله لك..لا تسأل عن إعانة الله لك .. لا تسأل عن فتوحات الله عز وجل لك .. حينما يحبّك الله عزَّ وجل .

أليست هذه نعمة..من أعظم نعمه محبّة الله على عبده ..بل إنه من مكانته على الله ومنزلته العظمى عند مولاه لو رفع يديه إلى الله ، لما خيّبه مولاه ، بل إن الله يجيبه ويعطيه سؤله ، ويتفضّل عليه بمطلوبه جل في علياءه.. وإن من عباد الله من هو أشعث أغبر، ذو طمرين لا يُأبه به، مدفوع بالأبواب ، لو اقسم على الله لأبرّه ..لمنزلته العلية عند رب البريّة سبحانه وتعالى .

فأنت إذا وصلت إلى هذه المرحلة ..بصدقك وبذلك وعطاءك ، فأحبك الله عز وجل ، إن سألته أعطاك ..نعم ، كلنا عنده سؤال ، كلنا عنده حاجة ، كلنا عنده مطلب ، أحدنا يريد العافية ، أحدنا يريد الشفاء ، أحدنا يريد العلم ، أحدنا يريد التوفيق ، أحدنا يريد الزوجة الصالحة ، أحدنا يريد الأولاد والذرّية الطيبة ، أحدنا يريد التوبة يجد صعوبة عليها .. أن يتوب وأن يقلع , أحدنا صلاح الأمة .. كلٌ عنده حاجة .. فالذي يجيب هذه الحاجات كلها هو الله عزَّ وجل ، فأقرب طريق لذلك أن تكسب محبته لك ، و والله لن يخلف الله عز وجل وعده معك وهو يؤكده
{ ولئن سألني لأعطينّه ولئن استعاذني لأعيذنّه }


هناك شرور كثيرة تعترض أمامك تريد أن تصيدك ، هذه شرور من شياطين الأنس ، وهذه شرور من شياطين الجن ، هذه شرور خفية وهذه شرور ظاهرة ، وهذه شرور موجودة في الوجود..فمن الذي يحميك ..قدرتك !! لها حد معين ، أموالك !! .. ما تستطيع ، من حولك !! ما يستطيعون.. إنَّ القادر على كل شيء هو الله عز وجل الذي وعدك. 
وقال :{ ولئن سألني لأعطينّه ، ولئن استعاذني لأعيذنّه } ..

تم بحمد الله رب العالمين








1 أضف تعليق:

إرسال تعليق

أخي الزائر/أختي الزائرة:
قبل أن تكتب تعليقك ،تذكر قول الله تعالى :

{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية(18)

.๑. (النور جل جلاله) .๑.

لماكان النور من أسمائه سبحانه وصفاته كان دينه نورا،ورسوله نورا،وكلامه نورا، ودار كرامته لعباده نورايتلألأ،والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين،ويجري على ألسنتهم،ويظهر على وجوههم،ويتم تبارك وتعالى عليهم هذا النور يوم القيامة