الخميس، 28 يوليو 2011

يحبهم سبحانه (2)



بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة برنامج ذكرى

يحبهم سبحانه (2)


رفيع عالٍ في همّته من طلب محبّة رب العالمين .. وفاطر الخلق أجمعين .. ولن تجد في الوجود أغبطَ حظّاً منه ..ولا أرفع منزلةً عنه ..فللّه دره من طالب .. ولله درها من منزلة !..

ولي ولك كذلك أن نسأل ؟! كيف أعرف ؟؟

ها أنا أبذل وأعطي وأجتهد..لكن كيف أعرف أن الله عز وجل يحبني أو لا ..هل من دلائل ؟؟!

نعم ..هناك دلائل ,فمن أعظم ما يدلّك على محبّة الله لك أن تكون محبوباً في الأرض ، محبوبا ً من جميع الناس ..لا, هذه ما نالها ولا الأنبياء ، لأن هناك أعداء لهم يتربصون بهم ، ولا شك أنهم  يريدون قتلهم لأنهم يكرهونهم ، لكن محبوب من أهل الخير ..
وهذا القبول هو أمر عزيز يناله البعض ، وقد ترى ذلك ماثلاً حينما تفتّش في رجالات أمتك ، اللذين تصادفهم وتجالسهم وتسمع آرائهم ، فتجد أن قلبك يهفو لأناس دون أناس ، أي تفسير..أي تعليل..تقف حائرا ً، إنه القبول من قبل الله عزَّ وجل ..

ومن علامات حُبُّ الله لك .. أن يجعل حتى الـجمادات تحبك ، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه يعرف صخراً في مكّة كان يسلم عليه ، بل بلغ الأمر به صلى الله عليه وسلم أن الجذع حنَّ على فقده ، كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم منبرا ًمن جذع يصعد عليه ، يخطب فيه الناس ، فلما صنع له بعض الصحابة الكرام منبراً يصعد عليه يوم الجمعة ويخطب منه ، نحّى الجذع جانباً ، فصعد ذلك المنبر ، فسمع للجذع حنين وأنين لفقده صلى الله عليه وعلى آلله وسلم ، إنها من علامات القبول ..
 
إذاً من أعظم ما يدلّك على محبّة الله لك ..أن تجد نفسك مقبولاً في الأرض ، ومن أعظم ما يدلّك على أن الله عزَّ وجل لا يحبك أن تكون مبغوضاً ، والخطر أن تكون مبغوضاً من أهل الخير وأهل الصلاح وأهل الديانة ، وإلّا لو كنت محبوباً عند الله عزَّ وجل لبعث الله عزَّ وجل لك القبول في الأرض ..

كما نجد أن النبي عليه الصلاة والسلام قد تحدّث حديثاً آخر أن الله سبحانه وتعالى إذا أحبّ قوماً ابتلاهم ، وهذه مسألة لابد أن تُستشهر وأن تُفهم ,فبعض الناس حين يرى المحن تُصيبه والمشاكل تعتريه ويعاني من الأمراض يظن أن الله جلّ وعز لا يحبّه ..كلا ..كلا ، قد تكون أيها المسلم لك المنزلة عند الله سبحانه وتعالى لن تصلها إلا إذا ابتُليت ، وقد قالها النبي عليه الصلاة والسلام :{ أشدّ الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل} بل قال حديثاً أكثر وضوحاً:{إن المؤمن لتكون له المنزلة في الجنة .. لا يبلغها حتى يُبتلى} وهذا البلاء إنما يأتي مع محبة الله عزَّ وجل لهذا الإنسان ..فيا من تعاني من ألآم ٍوجراح ، يا من تصادف هذه الدنيا بأتراحها بمآسيها بمحنها .. تذكّر إن هذا قد يكون علامة واضحة لمحبّة الله جل وعزّ لك ، فاحمد الله دائماً وأبدا ..

كذلك من دلائل محبّة الله لك..أن تجد نفسك منشرح على الخير .. فإذا أذّن المؤذن تجد من نفسك دافعاً ملؤه الرغبة والطمع في فضل الله عزَّ وجل ، إذا عرض عليك الإنفاق في سبيل الله تجد من نفسك رغبة وانشراحاً أن تُشارك ، إذا سمعت داعي الإيمان تأثرت وتفاعلت وتجاوبت ، وإذا سمعت داعي الشيطان وداعي الظلم وداعي الغدر وداعي المعصية وجدت من نفسك ضيقاً وحرجاً ، وجدت من نفسك دافعاً إلى الابتعاد عن هذا المكان وهذا الصوت ..

فإن الله عزّ وجل إذا أحب عبداً هداه لطاعته سبحانه وتعالى ولمراضيه جل في علياءه  .. ألم يقل صلى الله عليه وسلم :{إن الله إذا أراد بعبدٍ خيرا استعمله ..قيل وما استعمله يا رسول الله ؟! قال: يُهيئ له عملا ًصالحا ً يقبضه عليه }وفي رواية :{ إذا أراد الله بعبدٍ خيرا ًعسّله } أي طيّب ذكره بين الناس وحسّن سمعته بين الخلائق ، لماذا؟ لأن الله عزّ وجل يحبه ، ومن حب الله له تفضّل عليه أن الناس تحبه ..
  
فإذا وجدت انشراحاً للخير وبُعداً عن الشر ..فهذه دلالة على محبّة الله سبحانه وتعالى لك ، لأن الله سبحانه وتعالى لا يوفّق إلى الخير إلّا من أحبّه ، لأن الله لا يحفظ من الشر إلّا من أحبّه ..

يا سبحان الله .. يخلق من عدم ، ثم يهدي من ضلال .. ثم يتفضّل عليهم بالحب ، فسبحانه وبحمده ..أهل الإيمان يغدون إلى طاعة الله عزّ وجل بفضل من الله ، يستشعرون ما معنى أن الله عزّ وجل يحب العمل الصالح ، ما معنى أن الله يُزيّن هذا في قلوبهم ..
 
تأمل معي هذه النقطة وهذا العنصر المهم ..إذا وجد ت في قلبك حباً للطاعة ، حباً للقربى ، وجدت لذّةً وأنساً ، فاعلم أنها من علامة محبّة الله لك ، لأن الله تبارك وتعالى إذا أحب أولئك قرّبهم وإذا قرّبهم رفعهم إلى منزلة لا يشعرون بالأنس إلّا في قربه والتلذذ بالقرب منه تبارك وتعالى ..
عبد الله أبن حرام يطعن بالرمح في بطنه ، فيأخذ الدم وينثره على وجهه ويقول {فزت ورب الكعبة ، فزت ورب الكعبة } إنها المنية المعطبة ، لكن هي بمنظاره شيء مختلف ..هذا يحبّه الله ، فمن الذي حبّب عبد الله في هذه المنية ، إنّه الله .

حنظلة ابن عامر يخرج من بيته في ليلة عرسه ((وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى)) (طه:84 ) لماذا ؟! لأن الله يحب هذا ، فأحبَّ عباد الله ما يُحبّه الله ..فأحبّهم مولاهم سبحانه وتعالى , ولذلك لم يغسّل في الدنيا  ولم يغسل بماء الدنيا ، وإنما غُسّل حنظله بماء المزن بين السماء والأرض في صحاف الذهب والفضة بأيدي الملائكة ، أحب ما يُحبّه الله فأحبّه مولاه وتفضّل عليه وهداه واصطفاه ..

وكذلك مما ينبغي الوقوف عنده والتأمّل فيه كثيراً ... ذاك الدعاء العظيم الذي كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعظم من صدق في محبته لله فنال محبة الله عزّ وجل له ، وهو يدعو بذاك الدعاء العظيم ثم يقول :{ وأسألك النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة ، اللهم زيّنا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين } النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك إذاً في قلب النبي صلى الله عليه وسلم من حرارة الشوق إلى لقاء الله ما فيه ..
 
تأمّل معي إلى خير نبي ..سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو على صدر عائشة يُخيّر بأن يكون ملك من ملوك الدنيا ثم الجنة والخلود فيها ، وبين لقاء الله عزّ وجل ، فماذا اختار رسول الله ، المحب الصادق لله .. أجاب بالمقال والحال ، أما الحال فرفع يده إلى السماء ، وأما المقال فقال :{ بل الرفيق الأعلى ، الرفيق الأعلى ، الرفيق الأعلى } اختار لقاء الله لأنه يعلم أن الله عزّ وجل يُحب لقاءه ..فأحب هو لقاء الله تبارك وتعالى ..

ولذلك من أعظم الدلائل ..أن يكون في قلب الإنسان محبة  للقاء الله ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :{ من أحب لقاء الله ، أحب الله لقاءه }.

قد يقول البعض إنه الموت .. إنني أكره الموت ، ومسألة أن تعُضَّ بالنواجذ على الدنيا ، وأن تبقى حيّاً تنبض فيك الأنفاس هو أمر فطري ، ولذا وجدنا أن هذا التساؤل قد أعلنت عنه عائشة رضي الله عنها حينما قالت :{ إنّا نكره الموت } فقال صلى الله عليه وسلم :{ يا عائشة إن العبد المؤمن إذا جاءته منيته وأحب لقاء الله ، أحب الله لقاءه } فعُلم أن المقصود عندما تأتي سكرات الموت ويقرب قرب خروج الإنسان من هذه الدنيا ويشعر بآثار ذلك تبدأ نفسه تشتاق إلى لقاء ربه ، فيشتاق الله إلى لقاءه .

وقد زعم اليهود أنهم يحبون الله  وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباءه وكذبوا ((قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم )) فامتحنهم الله ((قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ *وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ))(الجمعة :6ــ 7)

 إن زعمتم أنكم تُحبّون الله فإن أقرب طريق يوصلكم إلى محبوبكم هو أن تموتوا ، لكنهم كذبوا ، أما المؤمنون ..حتى وإن كرهوا لحظة الموت إلّا أنهم من خلال الموت سيدلفون إلى باب الجنة التي فيها رؤية الله سبحانه وتعالى ..
عبد الله ابن جحش رضي الله عنه وأرضاه ، التقى بسعد ابن أبي وقاص في ليلةٍ صبيحتُها أُحُد ، فقال هلم سعد ندعو ربنا ، فأخذ بيده وجلسا تحت الشجرة ، فدعا سعد وقال :{ اللهم ألقني غداً عدوّاً من أعداءك ، شديد بأسه شديد حرده ، أقاتله فأقتله وآخذ سلبه } فأمّن عبد الله على هذا الدعاء الطيب ,ثم رفع عبد الله ابن جحش يديه إلى السماء يدعو مولاه فقال :{ اللهم ألقني غداً عدوّاً من أعداءك ، شديد بأسه ،شديد حرده (أي قتاله وغضبه ) أُقاتله فيقتلني ويبقر بطني ويفقأ عيني ويجذع أنفي وأذناي فأتيك في يوم القيامة فتقول : فيما هذا يا عبدي ، فأقول : فيك وفي رسولك يا ربي ..} أمّن سعد على هذا الدعاء المبارك ، وافترقا ودارت رحى الحرب في أُحُد ، وبعد الغزوة يقول سعد :{والله لقد كانت دعوة عبد الله خير من دعوتي ، ولقد وجدناه بعد المعركة قد مُثّل به ، ولقد وجدنا بُقر بطنه ، سُملت عيناه ، ولقد وجدنا أنفه وأذناه معلّقان بخيط في شجرة } صدق في حُبّ الله فأعطاه الله مناه ، وسيأتي في يوم القيامة فيقول الله فيما هذا يا عبدي ، فيقول فيك وفي رسولك يا ربي ..

وقد بلغ أثر حب الله عزَّ وجل في الصحابة رضي الله عنهم ، أن كانت نفوسهم تتحرك في الدنيا من أجل أن يروا هذا الخالق الذي يعبدون ، فقالوا كما في الصحيح :{ يا رسول الله ..أو نرى ربنا يوم القيامة ؟ } أيُمكن أن نرى الله يوم القيامة يا رسول الله ,ما الدافع الذي دفعهم لأجل أن يقولوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكلام ..حبّهم لربّهم وأثار حبِّ الله لهم إذ جعل في قلوبهم محبّةً له بأن يروه ، كما أن هناك من المؤمنين من يحبّون لقاء الله ، الصحابة رضي الله عنهم تكلّموا عن حب الله وأثار حبّهم  لرؤيته قبل أن يموتوا, قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :{ نعم .. إنكم ترون ربكم يوم القيامة عياناً كما ترون الشمس في رابعة النهار ليس بينكم وبينها سحاب } وفي لفظ :{ إنكم سترونه كما ترون القمر ليلة البدر ليس بينكم وبينه ...} فهذا اشتياق ..فيا عبد الله : نعم الله عز وجل يُحبُّ لقاءك إذا ما أحببت لقاءه ..

والله لو يا مولاي توجتني                بتاجِ كسرى ملكِ المشرقِ
ولو بأموالِ الورى جودتَ لي           أموال من بادَ ومن قد بقي
وقُلتَ لي لنلتقي ساعةً                  اخترتُ يا مولاي أن  نلتقي
 
إلهي.. اصطفيت عبادا لمحبتك فكانوا منـــارا
إلهي ..اصطفيت عبادا لمحبتك فأسعدتهم نفوسا ودارا
إلهي.. اصطفيت عبادا لمحبتك فألبستهم من حلل المفاخر أنوارا
إلهي ..اصطفيت عبادا لمحبتك عدلا منك وإحســـــانا ..
اللهم فأهلنــا لمحبتك.. وأدخلنا زمرة من تحبّهم .. بفضلك ورحمتك.. واشملنا معهم برداء تأييدك ومبرّتك..

ويأتي السؤال الذي لابد من طرحه .. كيف نكسب محبة الله سبحانه وتعالى ؟؟!
وهذا يمكن أن يكون لب الحديث عن محبّة الله ، نعم ..كيف نكسب محبّة الله عز وجل ؟
نكسب محبة الله سبحانه وتعالى بالطاعات ، بالعمل الصالح ، وخاصة ً الفرائض الأساسيات التي أوجبها الله سبحانه وتعالى ..والله عزَّ وجل يقول :{ وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه } ثم ينطلق الإنسان من الفرائض بعدما يتقنها ويثبت عليها إلى شيء من النوافل لأن الله سبحانه وتعالى يقول :{ وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبه }.
والنوافل هنا ليست نوافل الصلاة فقط ..نافلة الصلاة ونافلة الصيام ونافلة الصدقة ونافلة الحج ، ونافلة العمرة ونافلة الدعوة ونافلة العلم ونافلة الإحسان ، وكل صورة من صور النوافل التي يُكثر منها ..يحبه الله .

وكلما أكثرت فالله أكثر وأطيب سبحانه وتعالى ..يُصبح صلى الله عليه وسلم صبيحة يوم ، فيقول لأصحابه من حوله :{من أصبح منكم اليوم صائما ؟ فيقول أبوبكر: أنا يا رسول الله . قال : من عاد منكم اليوم مريضا ؟ فيقول أبوبكر: أنا يا رسول الله .قال : من تصدّق منكم اليوم على مسكين بشيء ؟ فيقول أبوبكر: أنا يا رسول الله. فيقول رسول الله: ما اجتمعن في عبدٍ إلا دخل الجنة } هذا تقرير صباحي من يومٍ واحد من أيام أبي بكر ..تُرى لو أن هذه الأسئلة ومثلها معها أضعاف مضاعفة ألقيت عليه قبيل مغرب من يوم واحد من أيامه ،أي إجابة كافية شافية ضافية سنستمع إليها من أبي بكر .. لماذا هذا ؟ لأنّه يُحب ما يُحبّه الله عزّ وجل ، ولذلك جاء الجزاء الأوفى من ربِّ الأرض والسماء ((وَلَسَوْفَ يَرْضَى))(الليل:21) .
ولازلنا نرى أناس يتساهلون في أداء النوافل ، ولو علموا ما فيها من الأجر لما صنعوا هذا الأمر ، إن النوافل شأنها عظيم يا عباد الله ، شأنها أنها مكمّلة للفرائض ..من منّا يُتقن فريضته من كل وجه ؟!! لقد ثبت في الحديث الصحيح :{ أن الله تبارك وتعالى إذا عُرض عليه فريضة العبد ، فرآها ناقصة قال : انظروا هل لعبدي من تطوّع ..} انظروا هل لعبدي من تطوّع ، من أجل أن يُتمَّ به نقص الفريضة ، فهذه من أعظم آثار النافلة ، ثم انظر إلى الثواب العظيم لها أنك تُدركك محبّة الله لأن الذي يتقرّب إلى الله بالنوافل يُحبّه الله فيكون سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ورجله التي يمشي عليها ، ويده التي يبطش بها ، ولأن سألني لأعطينّه ، ولئن استعاذ بي لأعيذنّه..

إذاً تقرّب إلى الله بالنوافل فإن هذا من أعظم الأسباب التي تكسب من خلالها محبة الله سبحانه وتعالى لك ..
قال الإمام ابن تيمية :{ من لزم محبوبات الحق ، أحبّه الله } الإنسان في حياته تراه في صراع دائم بين محبوبات الله ومحبوبات النفس ، محبوبات الله امتثال الأوامر واجتناب النواهي ، ومحبوبات النفس ما نراه من شهوات و شُبهات وذنوب ومعاصي ، فمتى ما تغلبت محبوبات الله جلَّ وعز فإنّك في هذه الحالة ستكسب محبّة الله سبحانه وتعالى ..
 
وإن من أعظم محبوبات الله ..أن تُحب في الله ، وأن تُجرّد هذا القلب لحُبِّ الله وإلى ما يُحبّه الله تبارك وتعالى ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل إنه قال :{ وجبت محبتي للمتحابّين فيّ ، ووجبت محبتي للمتزاورين فيّ ، ووجبت محبتي للمتناصحين فيّ ، ووجبت محبتي للمتباذلين فيّ }.

ما للعبادِ عليّ حقٌّ واجبُ كلا             ولا سعيٌ لديه ضائعُ
إن عُذبوا فبعدلهِ أو نُعّموا فبفضلهِ        وهو الكريمُ الواسعُ
أوجب على نفسه بنفسه كرماً وفضلا أنّه يُحبُّ من أحبَّ فيه سبحانه وتعالى ..

كذلك من أعظم ما يكسبك محبّة الله عز وجل لك .. أن تكون من التوّابين ، لأن الله عزّ وجل  نص على هذا المعنى وأكّده ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ))(البقرة :222 ) الله يحب الإنسان الذي كلما شعر بالتقصير .. بالخطأ.. بالذنب ، رجع إلى الله عزّ وجل ، ليس التائبين فقط بل التوابين ، وليست هذه الآية لمن شربوا الخمر أو زنوا أو ارتكبوا الفواحش وفقط , لا .. حتى للإنسان المؤمن الصادق فإنه إذا علم بقدر الله عزّ وجل وعظيم سلطانه شعر أنه لم يُقدّم شيئاً ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعظم المحبّين لله عز وجل يقول :{ يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه ، فإني أتوب في اليوم مائة مرة } ما الذي فعل صلى الله عليه وسلم ؟! هل فعل مثل فعلنا ..لا , أهو يتوب تواضعاً ..لا, إنّه يتوب حقاً لأنّه يعلم أن الله عزّ وجل أكبر وأعظم من هذه الأعمال التي يقدّمها البشر ..
فإذا كنت أوّاباً راجعاً للحق ، تُراجع نفسك بين فترة وأخرى ، وأنت العاصي الذي تقترف شيئاً من الذنوب فإنك في هذه الحالة تستجذب محبّة الله سبحانه وتعالى..

إن الله يُحب التوابين ويحب المتطهرين ، المتطهرين بظاهرهم وباطنهم ، المتطهرين في نظراتهم ..وفي سمعهم ..وفي كلماتهم..وفي قلوبهم ، المتطهرين في أجسامهم ، والمتطهرين في أفئدتهم ..قلبه طاهر صافٍ لا يحقد على أحد بدون مسوّغ ، وإن كان هناك مسوغ سرعان ما يعفو عنه ، ويجلو هذا القلب ، إنه قلب طاهر لا يتعلق إلّا بالله عز وجل ، وبما أمر الله عزّ وجل بالتعلّق به ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)) ..

وقد أشار العلامة ابن القيم رحمة الله عليه في كتابه [روضة المحبين] إلى شيء من الأعمال التي يدرك بها العبد محبة ربه ، فقال :{ من ذلك كثرة الصلاة ، ومن ذلك كثرة قراءة القرءان ، ومن ذلك كثرة ذكر الله تبارك و تعالى ، ومن ذلك كثرة الإحسان والصدقة ، ومن ذلك الدعوة إلى الله تبارك وتعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن ذلك قال الإحسان للوالدين والجار والأقارب} هذه عبادات قد تُعد هي أمهات العبادات ، فكل من جعل همه أن يدرك محبة الله ، سيجد أن الأمور تتذلل أمامه إلى صور من العبادة كثيرة هي مشروعة ومأمور بها ، لكنها تحتاج إلى همّة الطائعين والعابدين ..

 
وأنا هنا أبشّرك أخي وأبشّرك أختي أن وجود أصل الإيمان في قلب الإنسان يعني أصل المحبة من الله عزّ وجل لك ، إيّاك أن تظن أنك بارتكابك لمعصية من المعاصي أو خطأ من الأخطاء ، أن الله عز وجل لا يحبك إطلاقاً لا,هذا غير صحيح ، ذاك الرجل شرب الخمر ، ضعفت نفسه في لحظة من اللحظات ، فدافع عنه النبي صلى الله عليه وسلم بعدما جلده وأقام عليه الحد ، وقال :{ والله ما علمت إلّا أنه يُحبُّ الله ورسوله } إذاً عندك الإيمان ..عندك أصل المحبّة من ربِّك سبحانه وتعالى ، لكن عليك أن تزيد من هذا الإيمان ، أن تدلل على هذا الإيمان بالعمل الصالح ، أن تبعد هذه الأمور التي تنخر في هذا الإيمان ، وتفسد تلك المحبة وتنقص من قدرك عند الله سبحانه وتعالى .

أيها الحريص على حُبِّ الله .. وعلى أن تنال هذه المرتبة العظيمة من الله عزّ وجل .. ابحث في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأشياء التي يحبها سبحانه ، واحذر من الأشياء التي يبغضها جل في علياءه ، فإن الله لا يحب المفسدين ، ولا يحب المعتدين ، ولا يحب الظلم سبحانه وتعالى وقد حرّمه على نفسه ، وفي المقابل إن الله عزّ وجل يحب المحسنين ويحب التوابين ويحب المتطهرين ويحب المتقين ويحب كل عبد صالح يتقرب إليه بهذه الأعمال ..ابحث عنها في كتاب الله فإن من نعمة الله وجلال فضله سبحانه ونعيمه وإحسانه عليك ..أن الله هداك ودلّك على الطريق وبين لك المسلك الذي يمكن أن تصل به إلى محبته سبحانه وتعالى ، اقرأ كتاب الله وتأمّله وتدبّره ، اعمل بما فيه وأبشر بالخير من الله ، فإن الله سيُفيض عليك من محبته ومودّته مما لا يخطر لك ببال ولا يفوق الوصف والخيال ..
[SS[[S
تم بحمد الله




0 أضف تعليق:

إرسال تعليق

أخي الزائر/أختي الزائرة:
قبل أن تكتب تعليقك ،تذكر قول الله تعالى :

{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية(18)

.๑. (النور جل جلاله) .๑.

لماكان النور من أسمائه سبحانه وصفاته كان دينه نورا،ورسوله نورا،وكلامه نورا، ودار كرامته لعباده نورايتلألأ،والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين،ويجري على ألسنتهم،ويظهر على وجوههم،ويتم تبارك وتعالى عليهم هذا النور يوم القيامة