الاثنين، 23 أبريل 2012

كلامه عزّ وجلّ


بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة برنامج ذكرى

كلامه عزّ وجلّ

إن الحمد كله لله عزّ وجلّ ، والله عزّ وجلّ له الحمد كله لأنه له الكمال كله .. ومن أعظم كمالات الله عزّ وجلّ أنه يتكلم حقيقة كلامًا يليق بجلاله وعظمته ، فهو جلَّ وعلا يتكلّم بما شاء متى شاء , وكلامه تبارك وتعالى أعظمه وأجله قرآنه العظيم الذي أنزله على قلب محمد صلى الله عليه وسلم .

وإنه لنقص بالمخلوق ألّا يتقن الكلام وألّا يكون مستطيعًا على الكلام ، ولذلك لمّا عبد بنو إسرائيل العجل كان من ضمن الحوار معهم أن الله عزّ وجلّ يقول (( أَلَمْ يَرَواْ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُـمْ وَلَا يّهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ{148} الأعراف)) إنه لا يكلمهم إنه نقص فيه هذا الذي تزعمون أنه يصلح أن يُعبَد من دون الله عزّ وجلّ أنه لا يتكلم ، إنه لا يردُّ عليكم القول ولا يتكلم ابتداءً أما ربكم سبحانه وتعالى فيتكلم بالكلام العظيم ..

كلام الله عزّ وجلّ لا يحصى ولا يمكن لعاقل أن يعدّه , وإذا تأملنا قوله عزّ وجلّ (( وَلَوْ أَنَّـمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْـلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّه ُمِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِـدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {27} لقمان ))

تأمل هذه الصورة ، لو أن هذه الأرض بما حوته من غابات وما حوته من أشجار وما حوته من ما حباها الله عزّ وجلّ كلها تحولت إلى أقلام ، ثم جعلت أحبار تلك الأقلام من بحر ومُدَّ ذلك البحر من سبعة أبحر أو أكثر - وليس ذلك من باب الحصر وإنما من باب التمثيل – ثم أتى الكاتبون ليكتبون كلام الله عزّ وجلّ المشتمل على ثنائه ، المشتمل على بيان قدرته ، المشتمل على عظيم منزلته ، لنفدت تلك البحار وما فيها وبقي كلام الله عزّ وجلّ.. فسبحان الله ما أعظمه ! وسبحان الله ما أجلَّهُ وأكبره ! ..

إلهي شَرُفَ كلامك ، وشرف كتاب حمل كلامك ، وشرف من قرأ كلامك ، وشرف من عمل بكلامك ، وشرف من دعا إلى العمل بكلامك ، وشرف من نصر كلامك ، وشرف من عظّم كلامك ..
الله سبحانه وتعالى يكلّم عباده بالمعنى العام , فهذا القرآن هو كلام الله سبحانه وتعالى ، ولذلك قال بعض السلف من أراد أن يستمع إلى كلام الله سبحانه وتعالى فليستمع إلى كتابه وليقرأ كتابه ، ومن أراد أن يكلم الله سبحانه وتعالى فليدعه عزّ وجلّ .. ما أجملها من منزلة !! وما أعظمه من مقام أن يكلمك ربك !! وهو العظيم ، أن يخاطبك مولاك وهو الجليل وأنت البشر المسكين المحتاج إليه ، يكلمك ويناديك (( يا أيها الذين آمنوا ... يا عبادي )) يناديك وهو في غنىً عنك .. يناديك ويتقرّب إليك برحمته وفضله بهذا الكتاب العظيم ..

أما بالمعنى الخاص فالله سبحانه وتعالى شرّف بعض أنبيائه بسماعهم لكلامه عزّ وجلّ على وجه الحقيقة ، بل هيأهم الله سبحانه وتعالى لسماع كلامه .. منهم ما دلّ عليه القرآن ومنهم من دلّت عليه السنة .. فمن دل القرآن على أن الله كلّمه موسى ابن عمران بل إن لفظ الكليم إذا أطلق إنما يراد به الصفي النبي موسى ابن عمران عليه السلام وقد كلم الله موسى مرتين:

مرة من غير ميعاد : قال الله عنها (( ثُــمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى {40} طه)) فموسى لم يكن يعلم ، وهو عند خروجه من أرض مدين إلى أرض مصر مرورًا بجبل الطور هناك كلمه ربه (( إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُـقَدَّسِ طُوًى {12} وَأَنَا اخْتَرْتُــكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى {13} إِنَّنِي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي {14} طه)) .

أما الحالة الثانية : فقد كانت على ميعاد زماني ومكاني ، فالمكان كان نفسه الأول وهو جبل الطور وأما الزمان فقد كان بعد أربعين ليلة من إخبار الله له قال الله جلّ وعلا (( وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَــتَــمَّ مِيَقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَـوْمِي وأَصْلِحْ وَلَا تَـتَّـبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ {142} الأعراف)) وهذا التكليم حتى لا يقع في النفوس تردد في قبوله أكّده الله جلّ وعلا بما يُعرف عند أهل الصناعة النحوية والبلاغية بالمفعول المطلق ، قال الله جلّ وعلا (( وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِــيمًا {164} النسـاء )) فيا لها من  كرامة ويا لها من منزلة ! وما أعظمها من مكانة أن يكلم العبد ربه وأن يتكلم العبد مع ربه !!

كما ورد في السنة أن الله كلّم آدم , قال عليه الصلاة والسلام عن أبينا آدم : { نبي مكلَّم ، حينما كلمه الله سبحانه وتعالى وقال : يا آدم أخرج بعث النار، فقال آدم: لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك ، وما بعث النار ؟ فقال الله عزّ وجلّ : أخرج من كل ألف تسع مئة وتسعة وتسعين إلى النار وواحدًا إلى الجنة } ..

والآثار جملة تدلُّ على أن النبي صلى الله عليه وسلم كلّمه ربّه ليلة الإسراء والمعراج ، والله سبحانه وتعالى يفضل بعض أنبيائه على بعض بهذا التشريف العظيم ويقول (( تِلْكَ الرُّسُــلُ فَضَّلْـنـَا بَعْضَهُــمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُـم مَّن كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ {253} البقرة )) ..
كلام الله أرفع الكلام وأكمل الكلام .. فله جلّ ثناؤه الكمال كله ، وبكلامه رفع جلّ ثناؤه من شاء من عباده (( وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِــيمًا {164} النسـاء ))..

هل سيرى العبد المؤمن ربّه سبحانه وتعالى يوم القيامة ؟ نعم ، لأن الله عزّ وجلّ قال (( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ {22} إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ {23} القيامة )) وهل سيُكلّم العبد ربه سبحانه وتعالى ويستمع إلى كلامه ؟ نقول : نعم كذلك .. بل الله عزّ وجلّ سيكلم عبده كدلالة على رضاه ، ويكلّم عبده كدلالة على سخطه , وقد قال الله عزّ وجلّ حكاية عن ما سيقوله لأولئك الكفار يوم القيامة وهم يريدون من الله سبحانه وتعالى أن يرحمهم لكنهم كفروا به , أخفقوا في العلاقة معه , أشركوا معه غيره (( أَلَمْ تَـكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ {105} قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلِيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُــنَّا قَوْمًا ضَالِّــيـــنَ {106} رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّـا ظَالِمُونَ {107} قَالَ اخْسَئُواْ فِيهَا وَلَا تُــكَلِّمُونَ {108} إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ {109} فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ {110} إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُواْ أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ {111} المؤمنون )) ..

يوم القيامة ، يوم تذلُّ الأعناق ، وتشخص الأبصار وتخشع القلوب ، ويعرف كلٌّ قدره ومكانه في ذلك الموقف ينادي الجبار العظيم : [[ أنا الملك ]] مُلك مطلق [[ أين الجبارون؟ أين المتكبرون ]] فيخسأ عندها الظالمون ، يخسأ عندها الذين نازعوا الله ملكه وادّعوا ما ليس لهم في الدنيا فلا تسمع في ذلك الموقف إلا همسًا , فإذا وصل الإنسان إلى هذه المرحلة سيأنس أيـّما أنس وسيسعد أيـّما سعادة ويذوق فعلاً حلاوة الإيمان وحلاوة العبادة وحلاوة القراءة .

إن كلام الله عزّ وجلّ الذي نسمعه صباح مساء ، نردده في صلواتنا ، نسمعه في مساجدنا وفي إذاعاتنا ، له تأثير في النفوس عجيب إذا واقعت قلبـًـا يريد أن يتمثّل هذا القرآن (( لَوْ أَنـزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْـتَـهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَــلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ {21} الحشـر )) ..

ما الذي في الجبال إلّا الصخور والأحجار،هذه الصخور الصماء وهذه الأحجار القاسية لو نزل عليها القرآن لرأيت هذا الجبل خاشعًا متصدعًا من خشية الله ؛ القلوب قلوب بني آدم التي لا تخشع لذكر ربها إذا سمعت آيات القرآن , أأصبحت القلوب أقسى من هذه الحجارة الصماء !! الجبل يخشع لذكر الله إذا نزل عليه القرآن كيف ببني آدم وهو من لحم ودم ؟؟ .

أخي ألا ترى كيف أعلمك ربك تعالى عظمة كلامه وثقله ؟ الجبال الرواسي تخشع وتتصدع إذا نزل عليها القرآن ، فأين قوتك أيها العبد الضعيف مع قوة رواسي الأرض وأوتادها ؟؟ أتُـراك تطيق ما تطيقه الجبال ؟؟ أم أنك أقوى من الجبال جَلَدًا ؟؟ ..

والحديث عن كلام الله جلّ وعلا حديث تـشتاق إليه قلوب المؤمنين ، فقلوبنا الذي خلقها الله ، فبديهيًّأ إن كان القلب على الفطرة لا يطمئن إلى شيء أعظم من اطـمئنانه إلى كلام ربه ولهذا قال الله (( أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُــلُوبُ {28} الرعد )) تأمل معي حال المؤمنين إذا سمعوا هذا القرآن العظيم (( الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُــلُوبُهُمْ وإِذَا تُـلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا {2} الأنفال ))..

يزداد إيمانهم وتزكو نفوسهم وتسمو أخلاقهم إذا سمعوا كلام ربهم ومناداة خالقهم ..

لماذا هذا الكلام بالذات يزداد به الإيمان إذا نزل القرآن على القلوب ؟ لأنه كلام الله عزّ وجلّ ، فيه النور والهداية واليقين ، يحدثنا عن الغيب .. يحدثنا عن ما يصلحنا ، ما ترى في كلام الله تبارك وتعالى إلا أنه هدى .. الله جلّ وعلا في بداية القرآن في سورة البقرة قال عزّ وجلّ (( ذَلِكَ الْكِتَبُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّــقِينَ {2} البقرة )) ..

كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يملّ وهو يستمع إلى كلام ربه سبحانه وتعالى ولا يمل وهو يقرأ هذا الكلام ، وكان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كذلك لا يشبعون من كلام الله سبحانه وتعالى, لأنهم طهّروا قلوبهم وعظّموا أمر الله سبحانه وتعالى في نفوسهم , ومن تعظيمهم لأمر الله أن عظّموا هذا القرآن ..
وكان صلى الله عليه وسلم على الرغم من أن القرآن أنزل على قلبه إلا أنه يحب صلوات الله وسلامه عليه أن يسمعه من غيره كما في حديث عبد الله بن مسعود: فلما فرغ من التلاوة قال : فإذا عيناه صلوات الله وسلامه عليه تذرفان ..

(( اللهُ نَـزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَـشَابِهًا مَّثَانِيَ تَـقْـشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُــمَّ تَـلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُـلُوبُهُـمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ {23} الزمر)) ..

إنهم يقفون أمام كلام الله موقف الخائف الوجل لأن الله يخاطبهم ، لأن الله يبين لهم ما أعد من نعيم وما أعد من عذاب مقيم ، جعلني الله وإياكم ووالدينا من الناجين ..

يا طالبًا للهدى .. ويا سائلًا عن غاية المدى .. ويا متـنكّبًا سبل الردى ..أبصر أمامك لترى الضياء ساطعًا ، والطريق ناصعًا .. القرآن دليل لا يضلُّ في السلوك من تابعه ، وناصرٌ لا يخشى الخذلان من شايعه ، ومشيرٌ لا يخطئُ الصواب من طاوعه ..

كلام الله أثَّر حتى في العصاة من البشر الذين اقـترفوا الذنوب والآثام والخطايا ، إذا استمعوا إلى هذا القرآن بقلب المؤمن فإنه يقع بإذن الله موقعًا .. كأني أنظر إلى الفضيل ابن عياض وهو يتسور ذلك الجدار ليغدو إلى امرأة قد واعدها وجارية قد أحبها، وما أن علا على الجدار إلا ورجل صالح يقرأ في جنح الظلام (( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ {16} الحديد )) فلما سمعها الفضيل عرف أنه المقصود بهذا النداء والخطاب فرجع ونكص على عقبه وقال : بلى ، آن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم .. فكانت بداية الأوبة وبداية التوبة وحدث ما حدث حتى أصبح الفضيل ذلك العابد الزاهد والإمام العادل ..

الطفيل ابن عمرو الدوسي حينما جاء إلى مكة حذّرته قريش من أن يستمع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، قالوا له : إن لكلامه سحرًا يُفرّق به بين المرء وزوجه .. خاف على نفسه حتى وضع في أذنه الكرسف وهو القطن ، حتى لا يسمع كلام الله جلّ وعلا , ولما لقي النبي صلى الله عليه وسلم فرآه يتلو القرآن حنَّ قلبه إلى هذا السماع ، فبدأ يسمع فتأثر قلبه بكلام الله جلّ وعلا .

 الكفار لانـت قلوبهم وتأثرت قلوبهم حينما استمعوا إلى كلام الله عزّ وجلّ , ولولا أن الله يسّر لنا النطق بكلامه ما استطاع أحد أن يتكلم بكلام الله (( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذَّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ {17} القمر)).

 هذا القرآن أثّر في نفوس البشر حتى النصارى ، وقد أخبر الله عزّ وجلّ عن القساوسة الذين استمعوا كلامه بإيمان، بأنهم(( وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنــزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَــرَى أَعْيُـنَهُـمْ تَــفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ {83} المائدة)) .

حتى المشركون وحتى الذين أنكروا وحدانية الله تعالى وأنكروا وجود الله تأثروا من كلام ربنا تأثروا من القرآن عندما كانوا يسمعونه ، ولكنهم كانوا لا يزيدهم إلا خسارا كما قال ربنا جلّ وعلا (( وَنُـنَـزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا {82} الإسراء)) رغم أنهم كانوا يتأثرون بكلام الله تعالى ولكن لم يكونوا يعملون به ولم يكونوا يؤمنون به فلم يزدهم إلا بعدًا عن الله تعالى ..

أبو جهل ومعه اثنين من كبار المشركين في مكة يتسلّلون واحدًا تلو الآخر يستمعون طول الليل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم يتهجّد يتلو آيات ربه لا يفضحهم إلا نور الصباح ، فيقول بعضهم لبعض لو رأتنا قريش لفُتن الناس وتركوا دين أبائهم ويتواعدون ألا يأتوا في الغد ، وفي الغد كل منهم يأتي خفية ليستمع.. ما هذا السر العجيب في تلك الجاذبية بينهم وبين القرآن الكريم ؟؟ حنّت الفطرة إلى كلام ربها ، إذاً لماذا كفروا ؟ حال بينهم وبين الإيمان الكبر والعناد والمصالح ، هذا الكبر حال بينهم وبين الإيمان وإلّا فهم يوقنون بأن النبي حق ، وجاء بالحق من عند الحق (( فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُـونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ {33} الأنعام )) ..

هذا القرآن أثَّــر حتى في الجن الذين لهم خصائص ليست للبشر ، ألم يُخبر الله عزّ وجلّ عن النفر من الجن الذين استمعوا للنبي صلى الله عليه وسلم وهو في وادي نخلة ، استمعوا إليه واستمعوا إلى القرآن من فيه عليه الصلاة والسلام ، فتأثروا لما سمعوا , لأن هذا الكلام لم يكن موجهًا فقط للإنسان بل هو موجه للثـقـلين كما قال ربنا جلّ وعلا (( وَمَا خَلَـقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {56} الذاريات )),(( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُواْ أَنصِتُواْ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ {29} الأحقاف )) ما انصرفوا إلا بعد الفراغ من القراءة ، جذبتهم القراءة وجذبهم نور كلام الله تبارك وتعالى فاستمعوا للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يتلوه حينما كان يصف قدميه قائمًا بين يدي ربِّه (( قَالُواْ يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنــزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًــا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ {30} الأحقاف)) بعد أن سمعوا تأثروا وأسلموا وتوجهوا ثم سعوا إلى الإصلاح والتوجيه (( يَا قَوْمَنَا أَجِيبُواْ دَاعِيَ اللهِ وَآمِنُواْ بِهِ {31} الأحقاف)) فما أعظمه من قرآن ، وما أعظم أثره على النفوس ..

ما هو السر حينما يسمع الإنسان كلام بشر في أي موضوع ما ، أي كلام ، وبين أن يستمع إلى كلام الله عزّ وجلّ ، ما الذي يفعله كلام الله في القلوب ؟ هذا الكلام فيه نور ، له حلاوة وعليه طلاوة لأنه ليس ككلام أحد إنّما هو كلام الله , بيننا وبين هذا الكلام نسب لأن الله خالقنا ونحن خلقه والإنسان صنعة الله تعالى وخلقه ، فالإنسان يرى أن هذا كلام خالقه الذي خلقه من تراب ومن عدم فيتأثر بذلك الكلام لأن القرآن إذا نزل على القلوب غشتها الرحمة والطمأنينة والسكينة (( الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوُبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {28} الرعد)) ..

الله جلّ وعلا جعل كلامه عليه نور، يُخرج من القلوب الظلمة والقسوة والشكوك والأوهام ، من استمع إلى كلام الله جلّ وعلا حظي بذلك الخير ، وتحصَّل على ذلك العطاء والفضل ..
تمت


*******************


تابع القراءة...
.๑. (النور جل جلاله) .๑.

لماكان النور من أسمائه سبحانه وصفاته كان دينه نورا،ورسوله نورا،وكلامه نورا، ودار كرامته لعباده نورايتلألأ،والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين،ويجري على ألسنتهم،ويظهر على وجوههم،ويتم تبارك وتعالى عليهم هذا النور يوم القيامة