الأحد، 18 مارس 2012

غضبه عز وجل




بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة برنامج ذكرى

غضبه عز وجل



أُسائلك بالله !! هل يطيب لك العيش !! هل تهنأ بمنام !! هل تلتذ بطعام !! هل يمكنك أن تحيى حياة السعداء !! وأنت لا تدري الله غاضب منك أم راضٍ عليك ..

ليس بالأمر الهيِّن أن يغضب الخالق على المخلوق , أن يغضب الله سبحانه وتعالى المالك على المملوك , أن يغضب القهّار .. الغني .. المجيد على العبد الضعيف المسكين .

استشعر معي فقط أنك بذنوبك ومعاصيك وخطاياك وسيئاتك يُمكن أن تقع في غضب الله , أعوذ بالله استجير بالله ..الله بكبريائه وجلاله وعظمته سبحانه , رب العالمين , غاضب منك ؟؟! ساخط عليك ! أعوذ بالله , شيء لا يُحتمل .. لا يُطاق .
 
 
إنه غضب العظيم على الحقير , إنه غضب المالك على المملوك , إنه غضب القوي على الضعيف ,إنه غضب الغني على المسكين الضعيف المفتقر إليه سبحانه وتعالى 

, مجرد التفكير في مثل هذه القضية تبعث الأسى , والله إنها تُكدّر العيش وتُضيّق مسالك العمر فأستجير بالله من غضب الله .
الآن الإنسان يحرص كثيراً على أن لا يغضب عليه أبوه .. أن لا يغضب عليه صديقه .. صاحبه , بل أن لا يغضب عليه وزيره وملكه , فما بالك إذا غضب عليك الله سبحانه وتعالى ولي نعمتك الذي خلقك من عدم وشفاك من سقم وأسبغ عليك وافر النعم , خلقك فهداك وأعطاك وأغناك وتفضّل عليك كل نعمة عليك منه , كل خير فيك من لدنه , الله غاضب منك !!! هل يُمكن أن تطيق هذا .. تحتمل هذا .. الله الجبّار القهّار المتكبّر المُهيمن ..غاضب منك !! لا إله إلّا الله ,أعوذ من غضب الله .

((وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى {81} طه)) هوى في الشقاء والبؤس والعذاب , وقيل هوى في نار جهنم , من يحلل عليه غضب الله سبحانه وتعالى فقد هوى .. خسر .. ضاع , انحط هذا الإنسان .. لماذا ؟؟ لأن الله العظيم غضب عليه .

وهذا ميزان .. ميزان دقيق جداً أنّ من غضب الله عليه ومات والله سبحانه وتعالى غاضب عليه فإنه لا شك أنه معرّض للهلاك .
 

 غضب الله ... لا طاقة لنا جميعاً بغضب الله , فنعوذ بالله من غضبه وسخطه ونقمته .

رحماكَ يا جبّـــــــار حكمك نافذٌ          عنت الوجوهُ إليكَ والإبصــــارُ
وبك إليك يلوذ خلقك ما لـــــــهم                فوق الحياة إذا غضبت قــــــرارُ
رحماك أنت على الوجــــــــــــود        وإذا انتقمت فقاهـــــرٌ جبــــــارُ          

         
إنَّ الله عزَّ وجل جبّار , منتقم , قهّار , لا يُعجزه شيء , يغضب كما يليق بجلاله وعظيم سلطانه , إيّاك أن تتصوّر أن غضب الله سبحانه وتعالى كغضب المخلوق , كما أنّا نقول إن رحمة الله عزَّ وجل مختلفة عن رحمة المخلوق المحدودة الضعيفة , كما أنّ عفو الله سبحانه وتعالى مختلف عن عفو المخلوق , كما أنّ قدرة الله تختلف عن قدرة المخلوق , كما أنّ ذات الله تختلف عن ذات المخلوق , فكذلك غضب الله سبحانه وتعالى غضب يليق بجلاله وعظمته يختلف عن غضب هذا المخلوق .

فإذا غضب سبحانه وتعالى عاقب .. ولا طاقة لنا لا بعقابه ولا بعذابه ولا بغضبه , والله عز وجل يقول في نهاية سورة الفجر ((فَيَوْمَئِذٍ لّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ)) فمن له طاقة بغضب الله وعقوبة الله وسخط الله سبحانه وتعالى .

 

إنّ الجمادات الصُم ...إنَّ الجبال العالية ..إن الأرض .. إن السماء ..إن الأفلاك كلها تخاف من أن يغضب الله سبحانه وتعالى , كلها تستشعر أنَّ غضب الله عزَّ وجل ليس بالأمر الهيّن , ليس غضب مخلوق من المخلوقات إنّه غضب الله سبحانه وتعالى المالك لهذا الوجود والخالق له والمتصرّف فيه .

ولذلك لمّا ادّعى بعض المخلوقين من اليهود والنصارى و مشرك العرب الولد لله سبحانه وتعالى انظر إلى ما قاله الله سبحانه وجل ((وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا {88} لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا {89} تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا {90} أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا {91} وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا {92} مريم)) انظر إلى سياق هذه الآيات, تكاد السماء تنفطر , تكاد الجبال تخر وتنهد .. لماذا ؟؟ أن عبدوا مع الله عز وجل .

عندما يأتي هذا البئيس التعيس المشرك بربه عز وجل فيدعو غيره ويتقرّب إلى سواه تغضب هذه المخلوقات لله عزّ وجل , فالجبال الرواسي والسماوات الطباق كلها تخاف من غضب الله عزّ وجل .

فيا سبحان الله ,, عبد ضعيف لا يخاف من غضب القوي !! عجبٌ لنا ما أغفلنا عن ربنا .
 

إلهي ... عظيمٌ غضبك ,, شديدٌ بأسك .
إلهي ... المقهور من حلَّ به غضبك والهالك من نزل به سخطك .
إلهي ... غضبك لا يعلوه غضب وبأسك على الظالمين هلاك وعطب .
إلهي ... لا طاقة لنا بغضبك ولا نجاة لنا إلّا بك .
إلهي ... إليك نفرُّ من غضبك وبك نعوذ من سخطك .

إنَّ الله تبارك وتعالى يجمع الناس لميقات يوم معلوم في يوم القيامة , في يوم الحسرة والندامة , يجتمع الخلائق جميعاً على صعيد واحد , في ذلك اليوم الهائل , ذلك اليوم الذي أمره عجب من العُجاب , يقول الله عز وجل فيه ((يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيه {34} وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ {35}عبس)) يقول فيه ((يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ{18} الحاقة)) يقول فيه ((وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ{166} البقرة)) وفي ذلك اليوم يغضب الله غضباً لم يغضب مثله قبله ولن يغضب مثله بعده , حتى أنّ الملائكة في ذلك اليوم العصيب والأنبياء والرسل كلٌ منهم يقول (نفسي .. نفسي لا أسألك إلّا نفسي) , كلٌ منهم ينادي في خوف وهلع وفزع (اللهم سلّم سلّم ) لأن الناجي هو من ينجو في ذلك اليوم الذي ينجو من عذاب الله وسخطه ونقمته .


الملائكة حافين من حول العرش يسبحون الله سبحانه وتعالى صفّاً صفّا والخلائق جميعاً والنار تلهب تأكل بعضها بعضاً من غضب الله عز وجل , فهي عقوبة الله لمن خالف أمره وضيّع فرائضه وانتهك حدوده .

سبحان الله ... في هذا الموقف يغضب ربنا سبحانه وتعالى هذا الغضب الشديد .. إنه الهول .. إنه هول ذلك الموقف العظيم , تصور ذلك الموقف وأنت واقف في يوم القيامة .. الأنبياء .. الرسل .. الملائكة .. الصدِّيقُون .. الشهداء .. كلهم خائفون مذعورون وجلون , الشمس دنت من رؤوسهم فهم في عرقهم على قدر أعمالهم , كلٌ منهم يناجي في لهفة .. يدعو في إخبات , يتضرّع بين يدي ربه سبحانه وتعالى في يوم القيامة : ياربي سلّم .. سلّم , ياربي سلّم .. سلّم .
 

إذا كان الأنبياء وهم من هم يخافون , فكيف بمن دونهم !! فكيف بالعصاة , لا شك أنه موقف هائل , ولذلك سيكون غضب الله سبحانه وتعالى على الكافرين يوم القيامة أكبر من العقاب نفسه , والله سبحانه وتعالى يؤكد هذا المعنى بقوله ((لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ{10} غافر)) سيرون من غضب الله سبحانه وتعالى ما تنهدّ أجسامهم وتنخلع قلوبهم فضلاً عن العذاب الذي أعدّه الله سبحانه وتعالى لهم , وما غضب الله عزَّ وجلَّ عليهم إلّا لأنهم ارتكبوا ما كان بسببه أن غضب الله سبحانه وتعالى .

 ولقد كان السلف رحمهم الله تعالى مع زهدهم وعبادتهم يقول الواحد منهم : (يا فلان نرى منك عبادة وزهداً وكذا ... ومع ذلك نراك تخاف) فيقول الواحد منهم : (إنني أخاف إذا جاء يوم القيامة أن يقذفني ربي في النار ولا يُبالي بسبب ذنبي) إذا كان هذا حال العابدين الزاهدين يخاف من ذنوبه فكيف بنا ونحن نُسرف ونُبادر ربنا سبحانه وتعالى بالذنوب والمعاصي , كيف نأمن غضب الله في ذلك اليوم يوم نخرج حفاة عراة ليس معنا شيء تقطّعت الأسباب والوسائل ..

يا من خلا بمعاصي الله في الظلم          في اللوح يكتب فعل السوء بالقلم
بها خلوت وعين الله ناظــرة             وأنت بالإثــــــــم منه غير مكتتـــم
فهل أمنت من المولى عقوبتــه              يا من عصى الله بعد الشيب والهرم
 
إنَّ المؤمن معلّق القلب بالربّ لا يسعى إلّا لرضا الله عزَّ وجل , ولا يلتمس إلّا ما يُقرّبه من ربّه سبحانه وتعالى ويبتعد عن كل سبب يؤدي به إلى الغضب , إن غضب الناس فالأهم والأعظم ألّا يغضب رب الناس , إن سخط الخلق فليس هذا بعظيم إنما العظيم أن يغضب خالق الخلق سبحانه وتعالى .

 ولذلك كانت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه حينما ذهب إلى أهل الطائف ثم وجد منهم تلك المعاملة الشنيعة , و وضعوا الأطفال سماطين فضربوه بالحجارة حتى أدموا رجليه الشريفتين , فخرج هائماً على وجهه لم يستفق إلّا في قرن الثعالب , ثم لم يلتفت إليهم ولم يُبالي بهم , إذاً ما الذي أهمّه في تلك الساعة ؟!! ما الهمّ الكبير الذي كان يعيشه صلى الله عليه وسلم !! أتدرون ما هو ؟؟ (إن لم يكن بك غضب عليّا فلا أُبالي)
المهم الأعظم أن لا يغضب سبحانه وتعالى , أما الناس فليرضوا أو فليسخطوا , المهم أن لا يغضب المنعم سبحانه وتعالى .

إي والله ... إن كان الله سبحانه وتعالى راضياً عنك في السماء فلا يضرّك أبداً أن يكون الناس غاضبين عليك في الأرض .

هكذا كان قلبه صلى الله عليه وسلم معلّق بربّه سبحانه وتعالى .. 

ياربي أنا لا أُبالي بخلقك ولا بهؤلاء العبيد ولا بهؤلاء الّذين لا يساوون عندك شيء , أنا لا أُبالي إلّا بك ولا ألتمس إلّا رضاك ولا أخاف إلّا من سخطك .. ياربي لك العتبة حتى ترضى , ولك الحمد إذا رضيت , هكذا هو قلبه صلى الله عليه وسلم معلّق بربّه .

فوجب على الإنسان أن يتوجّه إلى أعظم من يجب أن يُسترضى ويُطلب منه العفو والرحمة وهو ربنا سبحانه وتعالى ..

كان يخشى صلى الله عليه وسلم من ربّه عزَّ وجلّ ويخاف من غضبه , ولذلك إذا ما رأى صلى الله عليه وسلم الغيم والسماء تتلبّد بالغيوم كان يتغيّر لونه عليه الصلاة والسلام ويضطرب ويدخل ويخرج , سبحانه الله .. كان يخشى من عذاب الله وهو بين ظهرانيهم صلى الله عليه وسلم وهو خير خلق الله وأكرمهم على الله ..نعم لأنه عرف مولاه , عرف أن الله عزّ وجل يغضب ويسخط وينتقم , ولذلك كان يخاف عليه الصلاة والسلام لم يأمن من مكر الله عزّ وجل ..

 

إلهي ,, طوبى لقلوب ملأتها خشيتك واستولت عليها محبتك .. فخشيتك قاطعة لها عن سبيل كل معصية خوفاً لحلول سخطك ..ومحبتك مانعة لها من لذّة غير لذّة مناجاتك , نافية لها عن كل ما يشغلها عن ذكرك .. محبّبة إليها الاجتهاد في خدمتك .

كان صلى الله عليه وسلم إذا مرَّ بالديار التي نزلت فيها عقوبة الله عزَّ وجل يشتدّ صلى الله عليه وسلم ويُسرع الخُطى , فها هو صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يمشي الهوينى حتى إذا بلغ وادي مُحسِّر ماذا فعل صلى الله عليه وسلم اشتدَّ على راحلته كأسرع ما يكون أتدري لماذا يا عبد الله ؟!!
لأن ذلك المكان كما قيل نزلت فيه عقوبة الله على إبرهه ومن معه , ولذلك اشتدَّ صلى الله عليه وسلم في ذلك الوادي , بل إنه عليه الصلاة والسلام عندما قدم من تبوك ومرَّ بديار ثمود بالحجر أتدري ماذا صنع !! تأمّل ماذا فعل عليه الصلاة والسلام ..ما كان منه عليه الصلاة والسلام إلّا أن أمر أصحابه أن يكفؤا الآنية التي أخذوا فيها الماء من تلك الديار وأن يلقوا بالعجين لبهائمهم , ثم أمرهم صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا مسرعين , بل أمرهم صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا باكين .. خائفين.. وجلين لماذا ؟؟! لأن هذا المكان وقعت عليه عقوبة الله عز وجل , فهو من غضب الله مشفق ومن سخط الله خائف , ولذلك حثَّ الخطى صلى الله عليه وسلم .
 

وإذا أردت أن تجتنب غضب الله تعالى فالأمر يسير ... أطع الله عزَّ وجل وابتعد عن مناهيه , اعلم أين محبوبات الله تعالى تمسّك بها , أو تمسّك بالقدر الذي تستطيع منها , والله عز وجل يشكر لك هذا العمل ويرضى عنك بهذا الجهد .

 

يا أحبتي ... لو كنّا نهاب ونخاف ملك من ملوك الدنيا لبحثنا عن كل سبب يُسخطه فابتعدنا عنه , وكل سبب يُقرّبنا منه فاغتنمناه , فأين نحن عن ملك الملوك ..جبّار السماوات والأرض سبحانه وتعالى الذي إذا غضب علينا أهلكنا عن آخرنا .

إيّاك يا عبد الله ...أن تكون ممن يسرق المسالك التي تُؤدّي إلى غضب ربك سبحانه وتعالى عليك , اجتنب كل الطرق والوسائل التي تؤدّي إلى ما يُغضب ربك سبحانه وتعالى , فتّش في كل حالة وفي كل تصرّف هل هذا يُغضب الله عز وجل فابتعد عنه بُعداً شديداً , هكذا المؤمن حيٌّ الإيمان في قلبه ..يُحاسب نفسه محاسبة الشريك الشحيح .. أعمالي في طاعة ربي أم في غير ذلك فأفرّ منها وابتعد عنها .

اقرأ في كتاب الله عزّ وجلّ ... ابحث عن الأسباب التي تكسب من خلالها مرضاة الله وتجتنب من خلالها غضب الله سبحانه وتعالى , اقرأ في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم , اقرأ في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم , ستجد أنواراً كثيرة تدلّك على العمل الذي يُحبّه الله عزَّ وجلّ ويرضاه .
 

أيــــُّـــــها الأحبـــــــّــــــــــــة ... ما منّا من عبد إلّا وقد أذنب وأسرف على نفسه بالذنوب , فما من عبد إلّا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة , وذنب هو مقيم عليه ما أقام في الدنيا [[ كل ابن آدم خطّاء ...]]

إذاً ما الحل ؟؟ هذه الذنوب تُسخط الله عزَّ وجلّ علينا , تستجلب لنا العقوبة من ربنا سبحانه وتعالى , تُوقد هذه النار , فكيف نُطفئ هذه النار ؟؟ بصدقة السر .. فأطفئوا غضب ربكم سبحانه وتعالى بصدقة السرّ فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : [[ صنائع المعروف تقي مصارع السوء , وصدقة السرِّ تُطفئ غضب الربِّ سبحانه وتعالى ]] .

قوموا إلى هذه النار التي أوقدتموها بالذنوب والخطايا والمعاصي فأطفئوها بصدقة السر فإنها من أعظم ما يُقرّبكم من ربكم , والعبد في ظل صدقته في يوم القيامة .

إنَّ العمل الصالح كله بما يحمله هذا اللفظ من شمول للعمل الصالح من بذل وعطاء وصبر ونصح وإرشاد وسلامة قلب وغض للبصر وطهارة سمع وصفاء نفس ..هذه كلها تجلب لك مرضاة الله عزَّ  وجل عليك وتُبعدك عن سخط الله عزَّ وجل عليك كذلك .
 

إذا علمت يا عبد الله أنَّ الله عزَّ وجل يغضب كما يليق به فالواجب عليك أن تبحث عن كل سبب ينجيك من غضبه وسخطه , وأعظمها وأجلّها أن تستعيذ به من غضبه سبحانه وتعالى , إلجئ إليه بشكل مباشر ليس بينك وبينه وسيط , وادعه سبحانه وتعالى أن يرضى عنك وان يُبعدك عن أسباب سخطه واستعذ به سبحانه وتعالى من أن يسخط عليك .

ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم قال :[[ وأعوذ بك منك ]] أي من غضبك وسخطك برحمتك ومنّتك وفضلك وإحسانك , ومن صدق مع الله عزَّ وجل في هذا الدعاء وفي غيره صدق الله سبحانه وتعالى معه .

 يقول عمر رضي الله عنه أنَّ رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ يا رسول الله , ما يباعدني من غضب الله ؟؟ قال له صلى الله عليه وسلم : لا تغضب } فهذا الذي يُباعدك من غضب الله ألّا تغضب إلّا لله , وهكذا كان حال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يغضب للسفاسف ولا لمحقّرات الأمور وإنما كان يغضب صلى الله عليه وسلم إذا انتُهكت حدود الله عزَّ وجل , لا يغضب لنفسه ولا ينتقم لذاته مهما أوذي ومهما تُعدّي عليه صلى الله عليه وسلم إنما كان الغضب لله , لماذا؟؟ لأن محابَّ الله أحبُّ إليه من محابّ نفسه ومساخط الله عزَّ وجل أخوف عنده من مساخط ذاته لأنه يُعظّم ربّه أكثر وأعظم من تعظيمه لنفسه ... 

وهكذا يكون الإيمان .

وكذلك الله سبحانه وتعالى يُحبُّ من عبده أن يحمده على نعمه , على ما أسدى إلى هذا العبد , الله سبحانه وتعالى يُبعد عبده عن أسباب سخطه إذا كان هذا العبد حمّاداً .. شاكراً لله عزَّ وجل , ولذلك ورد في الحديث الصحيح في مسلم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يؤكّد هذا المعنى ويقول :[[ إنَّ الله ليرضى عن العبد إذا أكل الأكلة أن يحمده عليها وإذا شرب الشربة أن يحمده عليها ]]

إذاً ربك سبحانه وتعالى إذا حمدته وأثنيت عليه وتذكّرت نعمه وشاهدت منّته فأنت تكسب من خلال هذا الاعتقاد وهذا العمل أن لا يغضب الله عزَّ وجل عليك بل يرضى عنك في الدنيا ولك السعادة الحقيقية الممتدّة التي لا تنتهي يوم القيامة بجواره عزَّ وجلّ .

إنّ المؤمن يستشعر قبل كل قول وفعل..هل هذا القول أو الفعل يُرضي الله أو يُسخط الله عزَّ وجل فقبل أن يقوم به يسأل نفسه أهو من مراضي الرب سبحانه وتعالى فاغتنمه وأفوز به أم هو من مساخط الله عزَّ وجل فأبتعد عنه وأفرّ منه .
 

اللهم بك أذلُّ وبك أعز ,, وإليك أشتاق ومنك أفرق ,, وتوحيدك أعتقد وعليك اعتمد ,, ورضاك أبتغي وسخطك أخاف ,, ونقمتك استشعر وعفوك أرجو ,, وفيك أتحير ومعك اطمئن ,, وإيّاك أعبد وإيّاك أستعين ,, لا رغبة إلّا ما نيط بك ولا عمل إلّا ما زكى لوجهك ,, ولا طاعة إلّا ما قابله ثوابك ,, ولا سالم إلّا ما أحاط به لطفك ,, ولا هالك إلّا من قعد عنه توفيقك ,, ولا مقبول إلّا من سبقت له الحسنى منك .
 

أخي وأختي ... لا طاقة لنا بعذاب الله ولا بسخطه ولا نقمته سبحانه , إذا غضب الله منك فما ترجو بعده , إذا سخط الله عليك فمن ترجو ودّه , إذا وجدت الله وجدت كل شيء , وإذا فقدت الله فقدت كل شيء , اجعل الهم همّاً واحداً كيف يرضى سبحانه وتعالى , ما الذي يُرضيه عنك ؟؟ ابحث عنه وأبشر بالخير منه سبحانه وتعالى , فإن الله سبحانه وتعالى يفرح بتوبتك وأوبتك ورجوعك إليه وانطراحك بين يديه سبحانه وتعالى , يفرح بك إذا طرقت الباب ..يفتح لك سبحانه وتعالى ويُعطيك من الهبات والأعطيات ما لا حدَّ له ولا عدّ فهو الكريم , إذا تقرّب العبد منه شبراً تقرّب الله منه ذراعاً وإذا تقرّب العبد ذراعاً تقرّب الله منه باعاً ومن أتى إلى الله يمشي أتى الله إليه هرولة ..أمن حاجة !! لا والله بل تفضّل ومنّة وإحسان سبحانه وتعالى .

فالحمد لله ,, الحمد لله ,, الحمد لله ..أنّا لا نعبد إلّا الله .. فنرجوه بمنّته وبإيماننا به وبحبّنا له أن يُنجّينا من غضبه ومن سخطه ومن نقمته ...

تمت

                                          

            

 
 

 



0 أضف تعليق:

إرسال تعليق

أخي الزائر/أختي الزائرة:
قبل أن تكتب تعليقك ،تذكر قول الله تعالى :

{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية(18)

.๑. (النور جل جلاله) .๑.

لماكان النور من أسمائه سبحانه وصفاته كان دينه نورا،ورسوله نورا،وكلامه نورا، ودار كرامته لعباده نورايتلألأ،والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين،ويجري على ألسنتهم،ويظهر على وجوههم،ويتم تبارك وتعالى عليهم هذا النور يوم القيامة