الاثنين، 21 فبراير 2011

رحلة إلى بلاد الأشواق " 4 "


بسم الله الرحمن الرحيم

رحلة إلى بلاد الأشواق " 4 "

فضيلة الشيخ/د.خالد بن عبد الرحمن الشايع

أحمد الله تعالى .. وأصلي وأسلم على خير خلقه نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..

أما بعــــــــــد ...
لازلت وإياكم أيها الإخوة في الله في هذه الرحلة الكريمة ..إلى بلاد الأشواق .. أسأل الله تعالى أن يجمعنا جميعا ًفي رحابها ..

تقدّم الحديث عن عظمة هذه الدار الكريمة , وما أعدّ الله تعالى ووعد فيها من الخيرات , هذه الدار العظيمة فيها ولها أبــــــــــــواب , جاء وصفها في كتاب الله تعالى وفي سنة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام , جاءت الإشارة إلى جملة الأبـواب في القرءان الكريم وبيّنت السنة المطهرة عــــدد تلك الأبـــواب ..
وفي هذا يقول الرب سبحانه وتعالى (( وسِيقَ اللذينَ اتقَوا رَبَّهُم إلى الجنّةِ زُمرَا حتى إذا جَاءُوهَا وفُتِحَت أبوابُها وقالَ لَهُم خَزَنَتهَا سلامٌ  عَليكُم طبتم فادخُلوهَا خَالِدين ))
وها هنا بحث لأهل العلم فيما يتعلق بالواو (وفتحت أبوابها) والصحيح أن الجواب محذوف , وقوله سبحانه (وفتحت أبوابها ) عطف على قوله ( جاءوها ) .

قال المبرّد :{ وحذف الجواب أبلغ عند أهل العلم } , بقي أن يقال فما السر في حذف الجواب في آية أهل الجنة ,وذكره في آية أهل النار ؟! ويقال هذا أبلغ في الموضعين , كما يقول العلامة ابن القيم :{ فإن الملائكة تسوق أهل النار إليها وأبوابها مغلقة , حتى إذا وصلوا إليها فتحت في وجوههم ففاجأهم العذاب بغتة .. أما الجنّة فإنها دار الله تعالى ودار كرامته , ومحل خواصّه وأولياءه , فإذا انتهوا إليها صادفوا أبوابها مغلقة فيذهبون إلى صاحبها ومالكها أن يفتحها لهم , ويستشفعون إليه بأولي العزم من رسله ,فكلهم يتأخر عن ذلك , حتى تقع الدلالة على خاتمهم وسيدهم وأفضلهم فيقول : { أنا لها } فيأتي إلى تحت العرش , ويخرّ ساجدا ًلربه , فيدعه ما شاء أن يدعه ثم يأذن له في رفع رأسه , وأن يسأل حاجته فيشفع إليه سبحانه في فتح أبوابها , فيُشفّعه ويفتحها تعظيما ًلخطرها وإظهارا ًلمنزلة رسوله وكرامته عليه ..

وإن مثل هذه الدار التي هي دار ملك الملوك رب العالمين , إنما يُدخل إليها بعد تلك الأهوال العظيمة التي أولها من حين عقل العبد في هذه الدار إلى أن انتهى إليها , وما ركبه من الأطباق طبقا ًبعد طبق , وقاساه من الشدائد شدّة ًبعد شدّة , حتى أذن الله تعالى لخاتم أنبياءه ورسله وأحب خلقه إليه أن يشفع إليه في فتحها لهم , وهذا أبلغ وأعظم في تمام النعمة وحصول الفرح والسرور , مما يُقدر عليه بخلاف ذلك .
ولئن لا يتوهم الجاهل إنها بمنزلة الخان الذي يدخله من شاء , فجنة الله عالية غالية , بين الناس وبينها من العقبات والمفاوز والأخطار ما لا تنال إلا به , فما بمن أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني , ولهذه الدار فليعد عنها إلى ما هو أولى به و قد خُلق له وهُيئَ له } كما يقول ابن القيم رحمه الله ..
وتأمل ما في فوت الفريقين إلى الدارين زمرا ًمن فرحة هؤلاء بإخوانهم وسيرهم معهم كل زمرة على حدا , مشتركين في عمل , متصاحبين فيه على زمرتهم وجماعتهم , مستبشرين أقوياء القلوب كما كانوا في الدنيا وقت اجتماعهم على الخير , كذلك يؤنس بعضهم بعضا , ويفرح بعضهم ببعض .

وقال خزنة الجنة لأهلها ( سلام عليكم ) فبدءوهم بالسلام المتضمّن للسلامة من كل شر ومكروه , أي سلمتم فلا يلحقكم بعد اليوم ما تكرهون ,ثم قالوا لهم ( طبتم فادخلوها خالدين ) أي سلامتكم ودخولها بطيبكم فإن الله تعالى حرمها إلا على الطيبين , فبشّروهم بالسلامة والطيب والدخول والخلود .

وتأمل قوله سبحانه (( جنّات ِ عدنٍ مفتحةً لهمُ الأبواب متكئينَ فيهَا يدعونَ فيها بفاكهةٍ كثيرةٍ وشراب )) كيف تجد تحته معنا ًبديعا وهو أنهم إذا دخلوا الجنة لم تُغلق عليهم أبوابها , بل تبقى مفتّحة ًكما هي ..

وأيضا ًفإن تفتيح الأبواب لهم إشارة إلى تصرّفهم وذهابهم وإيابهم وتبوءهم من الجنة حيث شاءوا , ودخول الملائكة عليهم كل وقت بالتحف والألطاف من ربهم , ودخول ما يسرّهم عليهم كل وقت . وأيضا ًإشارة إلى أنها دار أمن لا يحتاجون فيها إلى غلق الأبواب , كما كانوا يحتاجون إلى ذلك في الدنيا ..

وقد جاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم عن بيان بعدد تلك الأبواب , ففي الصحيحين من حديث سهل ابن سعد رضي الله عنه , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :{ في الجنة ثمانية أبواب , باب منها يُسمّى الريّان لا يدخله إلا الصائمون }, وثبت في صحيح مسلم عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :{ ما منكم من أحد يتوضأ فيُبلّغ أو فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا ًعبده ورسوله إلا فُتّحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء }زاد الترمذي بعد التشهد { اللهم اجعلني من التوابين و اجعلني من المتطهرين } وسنده جيد ..

وجاء أيضا ًعن رتبة ابن عبد السلمي رضي الله عنه أنه قال :{ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من مسلم متوفى له ثلاث من الولد لم يبلغوا الحلم ( لم يدركوا ولم يبلغوا التكليف ) إلا تلقّوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل } رواه الإمام أحمد وابن ماجه وغيرهما وحسنه العلامة الألباني رحمه الله ..

وجاء في الصحيحين أيضا ًما يبيّن عدد أبواب الجنة , والأعمال التي يُدخل بها , ففي الحديثين المتقدمين إشارة إلى أن هذا الذكر بعد الوضوء[ أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا ًعبده ورسوله , اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ] أنه سبب لتفتيح أبواب الجنة ودخولها بإذن الله , وكذلك أيضا ًمن صبر على وفاة أولاده وذهابهم وقد ماتوا وهم صغارا ً, أن الله تعالى يجعلهم يتلقونه عند أبواب الجنة ..
أيضا ًجاء في الحديث الآتي ما يبين شيء من الأعمال , ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال :{ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنفق زوجين من شيءٍ من الأشياء في سبيل الله , دُعِيَ من أبواب الجنة : يا عبد الله هذا خير , فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة , ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد , ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة , ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريّان ..فقال أبوبكر رضي الله عنه : بأبي أنت وأمي يا رسول الله , ما أنا من دعي من تلك الأبواب من ضرورة , فهل يُدعا أحد من تلك الأبواب كلها ؟؟ فقال : نعـــــــــــم , وأرجو أن تكون منهم } ..

وبعـــد .. أيها الكرام .. فهذه إشارة إلى هذه الأبواب العظيمة وإلى عددها , وإلى شيء من الأعمال التي يدخل بها إليها , وفي حديث أبوبكر الصديق رضي الله عنه الأخير جملة من الفوائد التي فيها إشارة إلى هذا الموضوع ..
أسأل الله تعالى أن يجعلنا ووالدينا والمسلمين من الداخلين من تلك الأبواب كلها .. إنه سبحانه بـــــــرٌ رحـــيــم ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...  
  







0 أضف تعليق:

إرسال تعليق

أخي الزائر/أختي الزائرة:
قبل أن تكتب تعليقك ،تذكر قول الله تعالى :

{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية(18)

.๑. (النور جل جلاله) .๑.

لماكان النور من أسمائه سبحانه وصفاته كان دينه نورا،ورسوله نورا،وكلامه نورا، ودار كرامته لعباده نورايتلألأ،والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين،ويجري على ألسنتهم،ويظهر على وجوههم،ويتم تبارك وتعالى عليهم هذا النور يوم القيامة