الاثنين، 21 فبراير 2011

رحلة إلى بلاد الأشواق " 15 "


بسم الله الرحمن الرحيم

رحلة إلى بلاد الأشواق " 15 "

فضيلة الشيخ خالد ابن عبد الرحمن الشايع

أحمد لله تعالى .. وأصلي وأسلم على خير خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين ..

أما بعـــــــــــد..

أرحب بكم أيها الإخوة و الأخوات .. في سياق هذه الرحلة الكريمة ,التي حطّت بنا في حلقة ماضية في رحاب أزواج الجنة و الحـــور العــــــــــين ...

وقدّمت ما حفل به القرءان الكريم من وصف النعيم للحور العين في جنات النعيم ,كما تقدمت الإشارة إلى بعض الآيات الدالة على هذا المعنى.

وتقدّم الكلام على أن الحور جمع حوراء و هي المرأة الشابّة الحسناء الجميلة البيضاء ,شديدة بياض العين شديدة سوادها التي يحار الطرف في حسنها لطهرها ,وكمال حسنها الحسي و المعنوي الظاهر و الباطن من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها ..جمال ونور ..وبهاء و حسن منطق ..و طيب عشرة ولطف معاملة ..إلى غير ذلك من جوانب الحسن .

ومما جاء من وصفهنّ في الكتاب العزيز ..قول ربنا سبحانه عن أهل الجنة ((وعِندَهُم قَاصِرَاتُ الطَرفِ عِين كَأنَّهُنَّ بَيضٌ مَكنون )) فهذه الآيات ونحوها أفادت ببعض صفات الحور العين و طهرهن وجمالهن ومن ذلك أنهن في غاية الجمال الحسي و المعنوي ,و وصفن بأنهن قاصرات الطرف أي حابسات أنظارهنَّ حياءً و غنجا ,وقوله ((حُورٌ عِين كَأمثَالِ اللؤلؤِ المَكنُون )) يدلّ على هذا المعنى ,فاللؤلؤ المكنون هو اللؤلؤ المصون الذي لم يتعرض للمس و النظر ,فلم تثقبه يد و لم تخدشه عين ,و في هذا كناية عن معاني حسية و نفسية لطيفة في هؤلاء الحور الواسعات العيون ,وهي إشارة إلى ما ينبغي أن تتصف به المرأة في الدنيا من هذه الصفات الكريمة بحيث تحفظ نفسها و ما يحفظ لها حياءها و حشمتها.

قال ابن عاشور:{ ذكر هنا في هذه الآية (وعندهم قاصرات الطرف ) "فعند" في هذه الآية لإفادة أنهنَّ ملابسات لهم في مجالسهم التي تُدار عليهم فيها كأس الجنة .

وقال الله تعالى أيضا ً في وصف نساء الجنة وحورها (( فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَرفِ لَم يَطمِثهُنَّ إنسٌ قَبلَهُم و لا جَان فبأيّ آلآ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان كَأنَّهُنَّ اليَاقُوتُ وَ المَرجَان )) وقد تكرر وصف الله سبحانه لهن بقصر الطرف في ثلاثة مواضع في القرءان أحدها هذا .

و الثاني قوله سبحانه في الصافات (( و عِندَهُم قَاصِرَاتُ الطَرفِ عِين )) .

و الثالث قوله تعالى في سورة ص (( و عِندَهُم قَاصِرَاتُ الطَرفِ أترَاب )) .

قال ابن القيم :{ والمفسّرون كلهم على أن المعنى قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يطمحن إلى غيرهم ,وقيل قصرن طرف أزواجهن عليهن فلا يدعهم حسنهُنَّ و جمالهن أن ينظروا إلى غيرهن }.

قال ابن عادل:{ و يدل أيضا ًعلى الحياء لأن الطرف حركة الجفن ,والحيية لا تحرك جفنها ولا ترفع رأسها }.

و أما الأتراب: فجمع ترب وهو لِدَةُ الإنسان ,قال ابن عباس وسائر المفسرين :{ مستويات على سنٍّ واحد و ميلاد واحد ,بنات ثلاث وثلاثين سنة }.

قال ابن القيم:{ و المعنى من الإخبار باستواء أسنانهن أنهن ليس فيهن عجائز قد فات حسنهن ,و لا ولائد صغيرات ,بخلاف الذكور فإن فيهم الولدان و هم الخدم }.

و هذه أعمار الرجال في الجنة أيضا كما رواه معاذ ابن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{يدخل أهل الجنة الجنة جردا ًمردا ًمكحّلين ,بني ثلاثا ًوثلاثين}رواه الترمذي وغيره و صححه الألباني.
وفي آية أخرى وصفهن الله ((عُرُبَا ًأترَابَا )) جمع عَروب وهن المتحببات إلى أزواجهن ,قال ابن الأعرابي :{ العروب من النساء المطيعة لزوجها , المتحببة إليه }.

وقال أبو عبيدة:{العروب الحسنة التبعّل}. قال ابن القيم :{يريد حسن مواقعتها و ملاطفتها لزوجها}.

وقال المبرّد:{ العروب هي العاشقة لزوجها }. قال ابن القيم :{ ذكر المفسِّرون في تفسير العُرُب أنهنَّ العواشق المتحببات الغنجات الشكلات المتعشّقات ,قال :كل ذلك من ألفاظهم}.

وقال البخاري في صحيحه :{ عُرُبا ًمثقّلة واحدها عَروب , مثل صبور و صُبُر ,وتسمّيها أهل مكة العَرِبة ,و أهل المدينة الغَنِجة ,و أهل العراق الشَكِلة ,و العُرُب و المتحببات إلى أزواجهن}قال ابن القيم :هكذا ذكره في كتاب "بدء الخلق" و أيضا ًفي كتاب "التفسير في سورة الواقعة " .

قال ابن القيم :{ فجمع سبحانه بين حسن صورتها وحسن عشرتها ,و هذا غاية ما يطلب من النساء و به تكمل لذّة الرجل بهن}.

 قال ابن القيم :{الكواعب جمع كاعب وهي النهد},و بنحو هذا ذكر المفسِّرون حول تفلّقِهن أيضا ًو أصله من الاستدارة ,إلى آخر ما جاء من كلامهم في هذا الباب ,وهو يشير إلى ما اختُصَّ به نساء الجنة من جمال الحسن في هذا الموضع , فليس ثمّة تدلٍّ لنواهدهن و إنما هو على غاية الجمال و الكمال}.

و جاء في وصفهن أيضا ًقوله تعالى ((إنَّا أنشَأنَاهُنَّ إنشَاءَ ))قال ابن كثير:{ أي أعدناهن في النشأة الآخرة بعدما كنَّ عجائز رُمصا ,صرنَ أبكارا ًعُرُبا ,أي بعد الثيوبة عُدنَ أبكارا ًعُرُبا أي متحببات إلى أزواجهن بالحلاوة و الظرافة و الملاحة}.

 وقال ابن عادل:{ إنَّا أنشأناهن , قيل الضمير يعود على الحور العين ,أي خلقناهن من غير ولادة ,فالحوراء مخلوقة خلقة كاملة لم يسبقها ولادة لها} قال:{ وقيل المراد نساء بني آدم خلقناهن خلقا ًجديدا ًوهو الإعادة ,أي أعدناهن إلى حال الشباب وكمال الجمال ,و هذا يُرجّحه قوله تعالى ((فَجَعلنَاهُنَّ أبكَارَا )) لأن المخلوقة ابتداءً معلوم أنها بكر .

و جاء في وصف نساء الجنة قوله سبحانه (( كَأنَّهُنَّ الياقوتُ و المرجَان )) قال مجاهد و الحسن و السدّي وغيرهم:{أي في صفاء الياقوت ,وبياض المرجان}فجعلوا المرجان ها هنا اللؤلؤ , وقيل التشبيه هنا للنفاسة لا للون .

المعنى بهذا أنهن حاضرات بحسنهنَّ يتلألأن بهذا النور الذي عليهن ,و الكمال والجمال الذي يكسوهن. و أثنى الله على أخلاقهن فقال سبحانه(( فِيهِنَّ خَيرَاتٌ حِسَان )) فالخيرات جمع خَيرة ,و هي مخففة من خيّرة كسيّدة ,وحِسان جمع حسنة , فهنَّ خيّرات في الصفات و الأخلاق و الشّيم ,و حِسان الوجوه أيضا.

و بعـــــــــد ..فلا  يزال ثمّة من وصف النعيم لأهل الجنة بالنسبة لنساءهم فيها بقية ,وخاصة ما  حفلت به السُنّة أرجئه إلى حلقة قادمة بإذن الله ..
نسأل الله تعالى الكريم من عطاءه وفضله و سابق نعمه في الدنيا و الآخرة ..إنه سبحانه بــــر رحــيم ..
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ...    

    







0 أضف تعليق:

إرسال تعليق

أخي الزائر/أختي الزائرة:
قبل أن تكتب تعليقك ،تذكر قول الله تعالى :

{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية(18)

.๑. (النور جل جلاله) .๑.

لماكان النور من أسمائه سبحانه وصفاته كان دينه نورا،ورسوله نورا،وكلامه نورا، ودار كرامته لعباده نورايتلألأ،والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين،ويجري على ألسنتهم،ويظهر على وجوههم،ويتم تبارك وتعالى عليهم هذا النور يوم القيامة