الاثنين، 21 فبراير 2011

رحلة إلى بلاد الأشواق "11 "


بسم الله الرحمن الرحيم

رحلة إلى بلاد الأشواق "11 "

فضيلة الشيخ خالد ابن عبد الرحمن الشايع

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

أما بعـــــــــد ..

هاهي رحلتنا إلى بلاد الأشواق بعون الله إلى تلك الدار الكريمة..أنتقل وإياكم فيها إلى مرحلة جديدة..
 ها هم المؤمنون يدخلون إلى الجنة, ويتوجهون إلى مساكنهم, ويعرفونها بإلهام من الله ثم بما كلّف به الملائكة ليرشدوهم ويدلّوهم..

فحين يدخل المؤمن مسكنه الطيب , الذي طال تشوّقه بوعد ربه الكريم إليه كما قال سبحانه (( وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبّة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم )) .

قال ابن كثير :{ ومساكن طيّبة أي حسنة البناء, طيّبة القرار }.

هاهو يُقبل عل قصره اللؤلئي المبهر ومعه من يُشيّعه من الملائكة المكرمين كما يسير المُضيف مع ضيفه حتى يوصله لنزله , ليستقبله أهلوه والولدان المخلّدون , وهاهو يواجه الحوراء , الحوراء التي كانت تدعو الله أن يُسلّمه لها وهو في الدنيا , فقد تحقق الوعد الكريم والرجاء الكبير , وسيأتي معنا بإذن الله ما وصف الله به نساء الجنة من الحور ونساءها من المؤمنات في الدنيا .

وفي أولى خطوات المؤمن في مساكنه في الجنة وغرفاته يظهر في ذلك التشييد الذي لم يخطر له على بال , الأثاث والفرش والآنية وما إلى ذلك , وهذا سيكون له مجال الحديث في هذه الحلقة على وجه الإيجاز والاختصار .

فبعد المسير والوقوف الطويل في عرصات القيامة ,سيعمد المؤمن إلى ماعتاده في دنياه من الجلوس والاستراحة , فيجد من النزل الكريم والتهيئة العجيبة ما يزيد من تعجبّه , فقد أعدّ له مكان الجلوس والاتكاء , فقال تعالى (( متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان )) فالمعنى هنا أن بطائن فرش الجنة من إستبرق ,فلا تسأل عن ظهائرها فإنها أجود من ذلك .

ذلك أن الناس اعتادوا على أن يكون الذي الظاهر و الخارج أحسن من الذي يكون في البطانة ,فإذا كانت بطائن تلك الفرش في الجنة من إستبرق فكيف سيكون الذي في الظاهر .

ولا ثوب في الدنيا لدى الناس مما عُرف لديهم أنفس من الإستبرق , وخصّت البطائن بالذكر كناية عن نفاسة وصف ظهائر الفرش , والإستبرق صنف رفيع من الديباج الغليظ , والديباج نسيج غليظ من حرير, والإستبرق يُنسج بخيوط الذهب .

جعل ابن مسعود رضي الله عنه في قوله عز و جل "بطائنها من إستبرق" قال :{ أخبرتم بالبطائن فكيف بالظهائر} .وهذه الفرش مرفوعة مكرّمة ومكرّمٌ من يجلس عليها .

وفي الآية الأخرى (( متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان )) والرفرف نوع من البُسط, وهي ما يبسط على الفراش ليُنام عليه وهي تُنسج على شبه الرياض ويغلب عليها اللون الأخضر , وقوله " عبقري حسان " العبقري وصف لما كان فائقا ًفي صنفه عزيز الوجود , وهو نسبة إلى عبقر اسم بلاد الجن في معتقد العرب ونسبوا إليه كل ما تجاوز العادة في الإتقان و الحسن حتى كأنه ليس من الأصناف المعروفة في أرض البشر .

وحيثما أراد المؤمن أن يجلس في ملكه جلس , فكل أرجاءه مهيأة حيث المجالس المتعددة والمواضع المتنوعة , قال الله تعالى عن أثاث الجنة وموجداتها (( ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة )) والنمارق جمع نمرُقة وهي الوسادة التي يتكئ عليها الجالس والمضطجع ,وقوله مصفوفة أي جُعل بعضها قريبا ًمن بعض صفا ً,أي أينما أراد الجالس أن يجلس وجدها .  

وقوله زرابي مبثوثة جمع زربيّة وهي البساط أو الطنفسة التي نُسجت من الصوف الملون الناعم يفرش في الأرض للزينة وللجلوس عليه لأهل الترف واليسار . وفي هذا الشأن أيضا ًفي قوله زرابي مبثوثة لأنها منتشرة على الأرض بكثرة , وذلك يُفيد كناية عن الكثرة .

وفي شأن آخر أيضا ً فيما يكون لهذا المؤمن من الأثاث قول الله جل وعلا (( متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين )) وقال سبحانه عن المؤمنين (( ثلّة من الأولين وقليل من الآخرين على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين )) وقال سبحانه (( فيها سرر مرفوعة )) فأخبر تعالى بأنهم على سرر موضونة والسرر جمع سرير وهو ما يستعمله الإنسان لنومه أو الاتكاء عليه في جلسته , والموضونة أي المنسوجة بالذهب نسجا ًمحكما , لراحة الجالس عليها ولتكريمه .

قال ابن عباس :{ سرر من ذهب مكللّة بالزبرجد والدرّ والياقوت } ومثله قوله تعالى "متكئين عليها متقابلين "أي مضطجعين عليها اضطجاع من امتلئ قلبه بالراحة وفرغ باله من كل ما يشغله وقد قابل وجه كل واحد منهم وجه الآخر ,ليتم سرورهم ونعيمهم إذ تقابل وجوه الأحباب يزيد الأنس والبهجة ..

وتأمل تمام الدعة والنعيم الذي يتقلب فيه أهل الجنة بقوله تعالى (( وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ً ولا زمهريرا )) وقوله سبحانه أيضا ً (( هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون )) والأرائك جمع أريكة وهو السرير مُتّخذ مُزيّن في قُبّة أو بيت فإذا لم يكن فيه سرير فهو الحجلة , وأقرب ما يُماثلها في زماننا ما نسميه "النّاموسيّة " أو قد يُسمّى في بعض البلاد الكلّة .وصورتها الدنيوية أعني الأريكة هي أرقى وأرق مظاهر النعيم العربي ذي العيشة الخشنة, أما صورتها الأخروية فعلمها عند الله, وهي على كل حال أعلى ما يستمدّه الإنسان من تجاربه في الأرض وفي تصوراته.

وأما اتكاءهم حيث وصف الله تعالى المؤمنين في الجنة بأنهم"متكئون " .. أما اتكاءهم فقد تنوعت أقوال العلماء في تفسير هذا الاتكاء الذي يصنعه أهل الجنة على أرائكهم هل هو الاضطجاع أو التمرفط أي الاستناد على المفرط  أو التربّع أو التمكّن في الجلوس , هكذا تنوعت أقوال العلماء ..
وأقول .. أرجو الله تعالى أن يرزقنا تحقيق القول الراجح بهذه الآية بفعله حق اليقين في جنات النعيم..

أرجو الله ذلك لي ولكم ولوالدينا وللمسلمين أجمعين..لا زال بقية من حديث حول أثاث الجنة أرجئه بإذن الله إلى حلقة قادمة ..
وصلى الله على نبينا محمد ..
  




    
           









0 أضف تعليق:

إرسال تعليق

أخي الزائر/أختي الزائرة:
قبل أن تكتب تعليقك ،تذكر قول الله تعالى :

{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية(18)

.๑. (النور جل جلاله) .๑.

لماكان النور من أسمائه سبحانه وصفاته كان دينه نورا،ورسوله نورا،وكلامه نورا، ودار كرامته لعباده نورايتلألأ،والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين،ويجري على ألسنتهم،ويظهر على وجوههم،ويتم تبارك وتعالى عليهم هذا النور يوم القيامة