الاثنين، 21 فبراير 2011

رحلة إلى بلاد الأشواق "12 "


بسم الله الرحمن الرجيم

رحلة إلى بلاد الأشواق  "أصناف أهل الجنة "

فضيلة الشيخ خالد ابن عبد الرحمن الشايع

الحمد لله رب العالمين .. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين ..

أما بعــــــــــد..

فلا زالت الرحلة إلى بلاد الأشواق .. إلى جنات النعيم .. تحط بنا في أولى محطات هذه الرحلة ,حيث مشارف الجنة وأبوابها والجموع الكريمة المتجهة إليها ,تلك الدار التي طالت وعظمت أشواق المؤمنين للنزول في جنباتها ,وأعظم من ذلك الأنس برؤية وجه الرب الكريم في جنات النعيم ..

في هذه الحلقة سيكون الحديث عن " أصناف أهل الجنة " اللذين ضمنها الله جل وعلا لهم دون غيرهم, فلا يدخلها سواهم, وفي ذلك بإذن الله تحفيز للعبد ليكون متخلّقاً ومتوشّحاً بهذه الصفات الكريمة عاملاً بها حتى يكون من ضمن تلك الأصناف اللذين ضمن الله لهم الجنة ...

في هذا يقول ربنا سبحانه وتعالى (( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدّت للمتقين اللذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين واللذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلى الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاءهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين )) ..

قال العلامة ابن القيم :{ أخبر الله تعالى أنه أعد الجنة للمتقين دون غيرهم ثم ذكر أوصاف المتقين , فذكر بذلهم للإحسان في حالة العسر واليسر والشدة والرخاء , فإن من الناس من يبذل في حال اليسر والرخاء ,ولا يبذل في حال العسر والشدة , ثم ذكر كيف أنهم كفّوا أذاهم عن الناس بحبس الغيظ بالكظم وحبس الانتقام بالعفو ,ثم ذكر حالهم بينهم وبين ربهم في ذنوبهم ,وأنها إذا صارت منهم قابلوها بذكر الله والتوبة والاستغفار وترك الإصرار ,فهذا حالهم مع الله وذاك حالهم مع خلقه ..

وقال الله جل شأنه (( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار واللذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم )) فأخبر سبحانه أنه أعدّ الجنة للمهاجرين و الأنصار و أتباعهم بإحسان , فلا مطمع لمن خرج عن طريقتهم فيها.

 وبهذا يُعلم أنه ما لمبغض للمهاجرين والأنصار من مكان في الجنة بهذا الخبر العظيم من رب العالمين
وقال سبحانه (( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون اللذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم )) فوصفهم بإقامة حقه  باطنا و ظاهرا , وبأداء حق عباده .

وثبت في صحيح مسلم عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال :{ لما كان يوم حنين أقبل نفر من صحابة النبي صلى اله عليه وسلم فقالوا :فلان شهيد, وفلان شهيد, وفلان شهيد, حتى مرّوا على رجل فقالوا :فلان شهيد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلا إني رأيته في النار في بُردة غلّها أو عباءة . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :يا ابن الخطاب ..اذهب فنادي في الناس إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون . قال : فخرجت فناديت إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون } .وللبخاري بمعناه أيضا .
وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم:{ أمر بلالاً ينادي في الناس إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة } وفي بعض طرقه (نفس مؤمنة ) وفي الحديث قصة .
وثبت في صحيح مسلم من حديث عياض المجاشعي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته : ألا إن ربي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم مما علّمني بيومي هذا ...وذكر الحديث وفيه : وأهل الجنة ثلاثة :

ذو سلطان مقسط متصدّق موفق ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربىومسلم عفيف متعفف ذو عيال ...الحديث.

وجاء في الصحيحين من حديث حارثة ابن وهب رضي الله عنه قال :{سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:ألا أخبركم بأهل الجنة ؟ كل ضعيف متضعّف لو اقسم على الله لأبرّه ..ألا أخبركم بأهل النار كل عتلٍّ  جوّاظ متكبر }.

وقوله صلى الله عليه وسلم ( ألا أخبركم بأهل الجنة ..كل ضعيف متضعّف ) الإشارة هنا إلى الحالة التي يكون عليها المؤمن في ذلّته لربه جل وعلا , وأيضاً رؤية الناس له أنه ليس من المتكبّرين المتجبّرين, وإنما إذا رؤي كما قال عليه الصلاة والسلام متضعّف , هكذا ينظر إليه الناس, وليس هذا دعوة إلى الضعف , فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف}ولكن المراد هنا أن يكون المؤمن عنده من لين الجانب وحسن الخلق والتواضع ما يعرف به بين الناس ,فيقربون منه ويقبلون عليه ..

ووصف النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً أهل الجنة بوصف آخر متمماً للأول ( لو أقسم على الله لأبرّه) وإنما يكون هذا لمن صلحت وصحّت سريرته مع ربه جل وعلا ,فهو ولي من أولياءه اللذين أحبهم الله جل وعلا باستقامتهم على الخير وفعلهم له, وقد قال ربنا جل وعلا (( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون اللذين آمنوا وكانوا يتّقون)).

وروى ابن عباس رضي الله عنهما قال:{ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :ألا اخبركم برجالكم من أهل الجنة ؟ النبي في الجنة – والصديق في الجنة – والشهيد في الجنة – والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا لله في الجنة. ونساءكم من أهل الجنة الودود الولود التي إذا غضبت أو أغضبت جاءت حتى تضع يدها في يدي زوجها ثم تقول :لا أذوق غمضاً حتى ترضى }رواه النسائي في عشرة النساء وأبو نعيم في الحلية وصححه العلامة الألباني.

وأيضاً جاء في أوصاف أهل الجنة ما رواه الإمام احمد في مسنده بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{إن أهل النار كل جعظري متكبر جمّاع منّاع ..وأهل الجنة الضعفاء المغلوبون}.وأيضاً رواه ابن ماجه والطبراني وصححه الألباني .

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:{قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :إن أهل الجنة من ملئ أذنيه من ثناء الناس خيراً وهو يسمع , وأهل النار من ملئ أذنيه من ثناء الناس شراً وهو يسمع } ويوضحه كذلك ما ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله قال :{مُرَّ بجنازة فأثني عليها خيرا ,فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : وجبت..وجبت..وجبت . ومُرَّ بجنازة فأثني عليها شرّا, فقال صلى الله عليه وسلم: وجبت..وجبت..وجبت . فقال عمر رضي الله عنه: فداك أبي وأمي يا رسول الله ..مُرَّ بجنازة فأثني عليها خيرا فقلت: وجبت..وجبت ..وجبت, ومرَّ بجنازة فأثني عليها شرا فقلت :وجبت ..وجبت..وجبت ,فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ,ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار ,أنتم شهداء الله في الأرض}.

وهذا فيه ما ينبغي من الاستقامة على الخيرات ,وأن يحرص المسلم على أن يُعرف بالخير والمبادرة إليه والدعوة إليه , وأن يحذر من أن يكون معروفاً بالشر أو مشيعاً له بين الناس أو داعياً إليه...

وبعــــــــد.. فكما قال العلامة ابن القيم رحمه الله :{ فبالجملة أهل الجنة أربعة أصناف ذكرهم الله تعالى في قوله (( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع اللذين أنعم الله عليهم من النبيين و الصّدِّقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقا )) .

فنسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم بمنّه وكرمه ..
أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..              
      


0 أضف تعليق:

إرسال تعليق

أخي الزائر/أختي الزائرة:
قبل أن تكتب تعليقك ،تذكر قول الله تعالى :

{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية(18)

.๑. (النور جل جلاله) .๑.

لماكان النور من أسمائه سبحانه وصفاته كان دينه نورا،ورسوله نورا،وكلامه نورا، ودار كرامته لعباده نورايتلألأ،والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين،ويجري على ألسنتهم،ويظهر على وجوههم،ويتم تبارك وتعالى عليهم هذا النور يوم القيامة