الثلاثاء، 29 نوفمبر 2011

حكمته وشــــأنه(1)


بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة برنامج ذكرى

حكمته وشــــأنه

الحمد لله الذي ما زالت أحكامه على نظام الحكمة جارية ,, وأقداره في جميع خلقه نافذة وعليهم قاضية,, مكرم من اتقاه ,ومُهين من عصاه ,, ويُعزُّ من انقطع إليه ويُذلُّ من تمرّد عليه ,,

يداوي كل ذي داء , بدوائه الذي هو له أوفى , ويُقيم كل ذي قدر في مقامه الذي هو له أولى,,

إنَّ الله جلَّ وعلا عرّف بنفسه الخلق , فبعث الرسل وأنزل الكتب , فجاءت الأنبياء وأُنزلت الكتب كلها تُعرّف بالله تعالى , تُبيّن ماله من الكمالات ..تشرح ماله من بديع الصفات سبحانه وبحمده ..تُبيّن ماله من جميل الأفعال .. تُبيّن لهم ماله من الأسماء الحسنى فأخبر على وجه الإجمال في كتابه فقال ((وَلِلَّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى))[الأعراف:180] وأخبر على وجه الإجمال في كتابه ((وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى))[النحل:60] أي له الصفة العليا جلَّ وعلا .

ومن صفاته سبحانه وبحمده ما جاء في كتابه من أنه الحكيم جلَّ وعلا وهو سبحانه وتعالى له الحكمة البالغة في أموره كله , والله سبحانه وتعالى موصوف بهذه الصفة العظيمة على وجه الكمال .

وقد ذكر الله سبحانه وتعالى هذا الاسم في القرءان أكثر من ثلاثين مرّة , أولا تدعونا هذه إلى تأمّل الأسماء ..أن نتأمّل في اسم الله الحكيم حتى نعرف عظمة وسعة هذه الحكمة , فما من شيء من صفات الله تعالى ولا من أفعاله ولا من شرعه ولا من خلقه إلّا ولهذه الصفة اتصال بها .

الله عزَّ وجلّ يُخبر عن نفسه ويقول ((وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا))[النساء:130]  ,ويقول ((وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا))[الفتح:19] ويقول ((وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ))[النساء:26] ويؤكّد ويقول ((إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ))[يوسف:6] فهو الحكيم سبحانه وبحمده في خلقه ,فالكون كله صادر عن حكمة الله تعالى .

وهو الحكيم سبحانه وبحمده في أمره .. فدينه وشرعه كله محكم سبحانه وتعالى .

الله سبحانه وتعالى حكيم ومن أقرب الأسماء لهؤلاء الخلق أولاً الربّ .. والحكيم كذلك , لأن الناس سعداء مستفيدون من حكمة الله سبحانه وتعالى لأن الله يقضي بالحكمة لمصلحة هؤلاء الخلق ,فالله سبحانه وتعالى غني عن هؤلاء الخلق الضعفاء المساكين ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ))[فاطر:15] .

ونحن في حياتنا نرى جوانب من حكمة الله عزَّ وجل في هذه الأرض التي نعيش فيها ,الحكمة في خلق الإنسان .. في خلق الحيوان .. بل الحكمة في خلق الحشرات وغيرها ,ولو أن الإنسان تعمّق كثيرا لوجد في مخلوقات الله عزَّ وجل المشتملة على كثير من الأسرار ما يستبين به أن الله سبحانه وتعالى إنما خلقها لحكمة .

فما يصدر من الله يقيناً يقولها الإنسان بدون أدنى شك وبدون أدنى تردد ..ما يصدر من الله سبحانه وتعالى إلّا ما هو الخير لأنَّ الله عزَّ وجلَّ هو الحكيم , ونحن نقول حينما نسمع ((أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ))[التين:8] فنقول بلى هو أحكم الحاكمين ..
سبحانك إلهي .. أحكمت كل شيء خلقه ,,
سبحانك إلهي .. كم لك في كل أمر تدبير وحكمة ,,
سبحانك إلهي .. الكون شاهد بعظمتك وحكمتك ,,
حارت الأذهان في حكمتك البالغة واعترفت بالعجز منقادة لك وخاضعة ,,
سبحانك إلهي .. أحاط علمك وحكمتك بالأشياء فلا معقّب لحكمك ولا رادَّ لقضائك ,,
حكمة الله تعالى... تلك الصفة التي أخبر الله تعالى عنها في كتابه.. كيف نتدبَّرها !! كيف نتفهَّمُها !! كيف ندركها !! كيف نتلمّسها !!
إننا بحاجة لأن ندرك ما هي الحكمة ؟؟!

إنَّ الحكمة في خلق الله تعالى وأمره أن يعلم المؤمن أنَّ الله تعالى .. أنّ ربَّه جلَّ وعلا ..أنَّ خالقه لا يخلق شيئاً عبثا , وأنَّ ما من أمر أو نهي أو عمل يصدر عن الله إنما هو ناشئ عن كامل الحكمة , والله سبحانه وتعالى يُدلّل لنا على عظيم حكمته ويُثير هؤلاء الناس إلى أن يتعلّموا حكمة الله سبحانه وتعالى وأن يُدركوا هذه الحكمة ,فيقول سبحانه وتعالى في تلك الآية العظيمة ((أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ))[المؤمنون:115] هذا يُنزّه عنه المخلوق ,المخلوق يُنزّه عن أن يعمل شيء بدون فائدة وإن عمل شيء بدون فائدة يُعاب على ذلك ويُعاتب على ذلك , أفلم نُنزّه الله سبحانه وتعالى عنه.

وهو يشير سبحانه أنه لم يخلق الخلق عبثا وإنما خلقهم لحكمة مقدّرة , فهو سبحانه وتعالى إنما خلق الخلق كله والمخلوقات كلها لحكمة ..لم يخلقها عبثا فله سبحانه وتعالى فيها الحكمة البالغة .

الله سبحانه  وبحمده يقول في كتابه ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ))[الذاريات:56] إنَّه يُبيّن لنا الغاية والحكمة من هذا الخلق ((الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا))[المُلك:2] هذه هي الغاية وهذا هو السرّ وهذا هو السبب في هذا الخلق .

فالكون كله خُلق بحكمة .. ثم قال ((وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ))[يس:38] ,وقال ((وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ))[يس:40] إشارة إلى أنه جعل لكل شيء حكمة ينساق إليه ويذهب إليه .
كل هذا الذي ذكره الله تعالى في كتابه ليُحيي القلوب فتتدبّر مواطن الحكمة في خلق الله تعالى وشرعه ,إنَّ حكمة الله مقتضاها ألّا يفعل ولا يشرع إلّا ما له مصلحة وما فيه منفعة لعباده سبحانه وبحمده .

فلا يمكن أن يأتي إنسان ويقول الله سبحانه وتعالى شرّع هذا التشريع ولا فائدة منه..الله سبحانه وتعالى حرّم هذا الفعل والمصلحة في أن يُبيحه لنا.

كذلك فيما خلقه الله تعالى .. الله تعالى غني حميد خلق هذا الخلق كله ليتحقّق غاية الخلق وهو العبودية , سخّر لنا ما في السماوات وما في الأرض لغاية كبرى وهو تحقيق العبودية وسخر لنا هذا الكون بما فيه من الأسرار, بما فيه من المخلوقات , بما فيه من البهاء , بما فيه من التنوّع .. كل ذلك لتحقيق غاية الوجود وهي عبادة الله تعالى .

وهذه الحكمة اتسعت حتى شملت كل شيء , فليس هناك شيء في الوجود إلّا وله حكمة ,ولكن أكثر الخلق عن ذلك غافل ,بعض الناس ربما لو رفع صخرة في وسط الصحراء فوجد تحتها دواب عجِب !! ما الحكمة من وجود هذا الخلق في هذا المكان !! ولكن لله في ذلك حكمة .

ولو لم يكن إلّا أنه أرى ذلك المخلوق شيئاً من خلق الله الذي يرعاه تحت هذا الصخر لكفى بذلك حكمة ,فالله سبحانه وتعالى خلق من الخلق ما لا حصر له وجعل لكل شيء حكمة بالغة .

ووجب على الإنسان أن يكون عنده من الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى حكيم ..الله عزَّ وجلّ يخلق الشيء لحكمة ,لفائدة ,لغاية ,ومن أعظم هذه الغايات التي خلق الله عزَّ وجلَّ الجنَّ والأنس من أجلها وهي الحكمة من خلقنا ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ))[الذاريات:56] .

اللهم إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع ,, ومن قلب لا يخشع ,, ومن نفس لا تشبع ,,ومن دعوة لا يُستجاب لها .

اللهم يا مصوّب خطأ الدعاء بألّا تُجيب ,,ولذلك تحمي من الضر من يدعو بالشر دعاءه بالخير ,,سبحانك ولا تُقال إلّا لك .. حذّرتنا أن لا نحكم فيما لا نعلم حتى لا نُحكّم الأهواء في تزيين ما نشاء .. وحسبنا من قولك عسى أن تُحبّوا وعسى أن تكرهوا ما أيّده الواقع من شر فيما
 نُحب ومن خير فيما نكره ... 
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .




0 أضف تعليق:

إرسال تعليق

أخي الزائر/أختي الزائرة:
قبل أن تكتب تعليقك ،تذكر قول الله تعالى :

{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية(18)

.๑. (النور جل جلاله) .๑.

لماكان النور من أسمائه سبحانه وصفاته كان دينه نورا،ورسوله نورا،وكلامه نورا، ودار كرامته لعباده نورايتلألأ،والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين،ويجري على ألسنتهم،ويظهر على وجوههم،ويتم تبارك وتعالى عليهم هذا النور يوم القيامة