الاثنين، 14 نوفمبر 2011

رحمته عزَّ وجلَّ


بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة برنامج ذكرى

رحمته عزَّ وجلَّ
سبحان من وسعت رحمته الأكوان ..

سبحان من وسعت رحمته الأزمان ..

سبحان من رحم بلا عوض أو أثمان ..

سبحان من فاقت رحمته رحمة الأم الولهان ..

ما أحوجني وإيّاكم إلى رحمت الرحمن الرحيم ..نحن مضطرون محتاجون إلى رحمته ومنّته وإحسانه ,ويا لهنائنا ويا لسعدنا فإن لنا ربّاً رحيما ,توّاباً كريما ,أرحم بنا من أنفسنا ,ومن والدينا ومن الناس أجمعين .

الله سبحانه وتعالى يُخبرنا في كتابه العزيز عن هذه الحقيقة العظيمة يقول ((وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)) كل ما في هذه الدنيا , كل ما عند المخلوقين من الرحمة ..من الحنان ..من العطف إنما هو من رحمة الله سبحانه وتعالى ,فرحمة الله وسعت كل شيء .

السماء والأرض كل الكون بأنسه وجنّه وشجره وحجره ..كل شيء يمكن أن تشمله هذه اللفظة قال ((وَسِعَتْ)) والشيء الواسع هو الشيء الذي لا يدع شيء أمامه إلّا شمله ..
الكافر يعيش برحمة الله إي والله , والعاصي يعيش برحمة الله ,وفرعون الذي أدّعى الربوبية كان يعيش برحمة الله سبحانه وتعالى ,وأبو جهل الذي كان يعادي النبي صلى الله عليه وسلم ويتربّص به الدوائر ويحاول قتله والقضاء على دينه كان يعيش برحمة الله عزَّ وجلَّ ,والمؤمنون كذلك يعيشون برحمة الله , الدّواب تعيش برحمة الله .
هذا السمك في البحر يعيش برحمة الله ..الجبال ثابتة برحمة الله ..السماوات..الأرضون ,كلها تعيش برحمة الله سبحانه وتعالى .
يقول جبريل عليه السلام لنبيّنا محمد صلى الله عليه وسلّم :[[ يا محمد لو رأيتني وأنا أدسّ الطين والوحالة في فيّ فرعون فلا تُدركه رحمة الله ]] فيا سبحان الله !! فرعون أعظم طاغية على وجه الكون الذي يقول ((مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي))[القصص:38] الذي يقول ((أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى))[النازعات:24] كادت تُدركه رحمة الرحيم سبحانه وتعالى لكنَّه سبق في الأزل أنه من أهل النار .

فيا سبحان الله !! هذه رحمة الله بمن عصاه فكيف هي رحمة الله بمن أطاعه ؟؟!
هذه رحمة الله بالمعرضين عنه ..فكيف هي رحمة الله بالمتعرّضين له !!!
هذه رحمة الله بمن حاربوه وأتوا بالعظائم ..فكيف هي رحمة الله بمن تقرّبوا إليه وتذلَّلوا بين يديه وأظهروا حاجتهم وفاقتهم لينالوا من رحمته سبحانه وتعالى .

إنَّ من أعظم البشريات من ربِّ الأرض والسماوات أنَّ الله عزَّ وجلّ قد كتب على نفسه الرحمة من غير حاجة , وإنما من فضله ومنّته وإحسانه على عباده ,فهو قد تفضّل عليهم برحمته وهو الرحمن الرحيم سبحانه وبحمده .

إنمّا الله سبحانه وتعالى يكتب على نفسه أو يُوجب على نفسه إيجاب تفضّل منه ((كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ))[الأنعام:54] وكتب الله سبحانه وتعالى في كتاب عنده تحت العرش أن رحمته سبقت غضبه .
سبحانه وتعالى من رحمته أن أوجبها على نفسه حتى يطمئن المخلوق أنَّ الرحمة لم تفارقه وأنّها ستدركه لا محالة لأن هذا الخالق قدّم الرحمة على العذاب .

فيا ويل هذا الإنسان الذي يحاول أن يدفع بحاله ..بأفعاله ولا يستطيع رحمة الله حتى يُقدّم غضب الله عزَّ وجلّ على رحمته ,فالله سبحانه وتعالى يريد من عباده أن يكون أملهم فيه أعظم من خوفهم من عقابه ..يكون سعة طمعهم في رحمته أعظم من خوفهم أن تمسّهم شيء من العذاب ,وليس هذا من باب أن يتجرّأ الإنسان على المعصية كلا ..,ولكن ليتمكّن حب الله في قلب العبد .

الإنسان بطبيعته إذا علم أن من أمامه رحيم وأنه سيرحم ضعفه وسيستر عيبه وسيكشف كربه وسيكون معه , سيتعلّق قلبه به قبل أن يُقدّم له شيئاً ..الله يريد هذا , يوم أن يُخبر عباده بأنه كتب على نفسه الرحمة من أجل أن تتعلّق قلوب عباده به قبل أن يُقدّموا شيئاً من العمل .
إلهي ... رحمت فهديت .
إلهي ... رحمت فأعطيت .
إلهي ... رحمت فأغنيت .
إلهي ... رحمت فعافيت .
إلهي ... رحمت وعن السيئات تجاوزت .
إلهي ... رحمت ولأوليائك نصرت .
إلهي ... رحمت وبالكثير عن القليل جازيت .
إلهي ... لو أدرك العصاة رحمتك ما قنطوا ..ولو وقف المذنبون عند بابك برحمتك فرحوا ..

إنَّ الله تبارك وتعالى جعل الرحمة في مئة جزء وأمسك عنده تسعة وتسعين جزء , وأنزل في الأرض جزءاً واحداً ومن هذا الجزء تتراحم الخلائق أجمعين , حتى أنَّ الدابَّة لترفع حافرها حتى لا تطأ به على وليدها من رحمتها به .

هذه من الرحمة التي نراها مما جعلها الله عزَّ وجلَّ في هذا الكون والأمر واسع ,إنما هذه جزء من هذه الرحمة التي جعلها الله في هذه الدنيا والأمر متّسع لكل صور الرحمة في هذه الدنيا .

هذا الحنان المتبادل بين الزوج وزوجته ..إنها المودّة التي كتبها الله سبحانه وتعالى وقدّرها في قلوب عباده ,إنَّ ما يعيشه الناس من الاحترام والتقدير ..إنَّ ما تعيشه الأم من تجاوب قلبها رغماً عنها أمام ولدها ..إنَّ ما يعيشه الطبيب وهو ينظر إلى مريضه فيتجاوب معه ويساعده ويحاول إتقان العملية له علَّ العافية أن تعود إليه بتيسير الله عزَّ وجلّ ..هذا برحمة الله سبحانه وتعالى .
الله تبارك وتعالى يُرينا صوراً عجيبة من تراحم الخلائق بعضهم لبعض ,ومنها رحمة الأم بولدها ومنها رحمة الأب بابنه ومنها رحمة القريب لقريبه ومنها رحمة الجار لجاره ومنها رحمة كل من في قلبه رحمة على آخر ,إنما هي من هذه الرحمة .

فيا سبحان الله !! جزء واحد تتراحم به الخلائق !! منذ خلقها إلى نهايتها وقد كفاهم ووسعهم جزء واحد, ويا لهناء المؤمنين في يوم القيامة والدين ..ادّخر الله لهم تسعة وتسعين جزءاً من رحمته .. ثم ماذا ؟ ثم يعود بالجزء الذي نشره في الدنيا لتكتمل الرحمة في يوم القيامة فتكون خالصة للمؤمنين دون الكافرين .
فيا لها من رحـــــــــــــــــــمة جلّت عن الوصــــــــــــــــــــــــــــف وتقطّعت دونها الأعداد .. وعجز عن إحصاءها المحصون ..تراحم بني الإنســـــــــــــــــــــــــان وتراحم الحــــــــــــــــــــــــــــــــيوان وكل رحمة جزء واحد أنزله الرحمن الرحيم يتراحم به العبــــــــــــــــــــــــــــاد .. وادّخر عنده تسعــــــــــــــــــــــــــــة وتسعـــــــــــــــــــــــــــــين جزءا يرحم بها عباده ..
فســــــبحان من عظمت رحمته وجلّت عافيته, لك الحمــــــــــــــــــــــــــــــد والثناء أبداً دائـــــــــــــــــــــــــــماً سرمـــــــــــــــــــــــــــدا ..

النبي صلى الله عليه وسلم يحاول بفصاحته وبلاغته وجميل بيان يحاول أن يُبيّن للصحابة رضوان الله تعالى عنهم ويقرّب لهم عظيم رحمة الله سبحانه وتعالى, فيشاهد النبي صلى الله عليه وسلم بعدما انتهت غزوة من الغزوات أُتي بالسبي فيشاهد امرأة هلعة مذعورة قد فقدت صبياً لها فتبحث عنه يمنة ويسرة ,إنها مضطربة في فؤادها فاضطربت في جسدها .

كلما رأت طفلاً ظنّته ألقمته ثديها والصحابة يُناظرون ذلك وهم يشاهدون كيف تنتقل من مكان إلى مكان ترحم وليدها تبحث عنه من اجل أن ترضعه ..لئلا تفقده .. حتى إذا وجدته ضمّته ضمّة الأم الرحيم التي فقدت ابنها ,ثم ما إن مسكت به حتى ألقمته ثديها .
نظر صلى الله عليه وسلم إلى هذه المرأة في حنوّها ورحمتها ولطفها وعطفها ثم قال لأصحابه من حوله :[[ أترون هذه طارحة ولدها في النار .قالوا : لا يا رسول الله وهي تقدر ألّا تصنع .فقال صلى الله عليه وسلم : لله أرحم بعبده من هذه بولدها ]] الله أكبر !! الله أرحم بنا من أنفسنا وأرحم بنا من والدينا وأرحم بنا من الناس أجمعين سبحانه وبحمده ,وهو الرحمن الرحيم .

فمسكين ذاك الإنسان الذي خرج من هذه الدنيا لم يتعرّض إلى رحمة الله , تعرّض لرحمة المالك والمَلك والوزير والتاجر , وقعد في مجالسهم وطرق أبوابهم , وما جرّب أن يطرق باب الله سبحانه وتعالى وهو محسن الظنَّ به أن يدعو الله الذي بيده كل شيء .

فلا تخاف ولا تخشى فأنت تنتسب إلى الخالق العظيم ..الرحيم ..واسع الرحمة حتى وصف الله نفسه بذلك قال ((الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ))[الأنعام:133] لأن أحياناً قد يكون غني ولكن معه قسوة أو معه ظلم ,أو معه جبروت ,ولكن ربنا ليس كذلك ,بل هو غني مالك ..مالك الملك ولكن ذو رحمة .
إذاً لنتذكّر ونجعلها عبارة مستقرّة في قلوبنا ومنقوشة في أفئدتنا ونصب أعيننا دائماً وأبداً لنستثمرها [[ لله أرحم بعبده من هذه بولدها ]] .

إذاً يا عبد الله ..ممن تفرّ ؟!! أتفر من الله !! أتفرّ من رحمة الله ؟! هل لك غنى عن رحمة الله عزَّ وجل ..لا , إيمانك يقول لك :{ بل فرّوا إلى الله } .

قف وتأمّل في رحمة أرحم الراحمين .. من اختزن عنده ما لا يُحدّ وصفه من الرحمة ..

(الله أرحم بعباده من هذه بولدها) نطق بذلك من أرسله الله تعالى رحمة للعالمين .

إنّ كل نظرة لك في الكون تنقلب إليك باستشعار هذه الرحمة التي جعلها الله عزَّ وجل في كل شيء ,فإن من مظاهر رحمة الله عزَّ وجل بنا التي لا عدَّ ولا حدَّ لها أنه سبحانه وتعالى اصطفانا فكنّا من خير أمة ,ثم اصطفى محمد صلى الله عليه وسلم فكان رسولنا ونبيّنا فداه أبي وأمي ونفسي , والله لمبعثه صلى الله عليه وسلم فينا من أعظم وجوه رحمة الله بنا لأن الله تبارك وتعالى قال عنه ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ))[الأنبياء :107] .
النبي صلى الله عليه وسلم كان من مقتضيات رحمة الله عزّ وجل لأنه يدلّ الناس على النجاة الحقيقية في الدنيا وعلى النجاة السرمدية الأبدية يوم القيامة ,إنه لا يدل الناس على ما يُسخط الله سبحانه وتعالى فيبتعدوا عنه ,هذا أعظم مقتضيات رحمة الله سبحانه وتعالى .
بل هو يقول عن نفسه صلى الله عليه وسلم :[ إنما أنا رحمة ] ,يُقال له صلى الله عليه وسلم :[ ألا تدعو على الكافرين ؟! قال :إني لم أُبعث لعّاناً إنما أنا رحمة ] فهو رحمة صلى الله عليه وسلم في ذاته وصفاته وفي رسالته وفي ما جاء به عن ربه عز وجل , فمن رحمة الله بنا أن رحمنا بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو بالمؤمنين رؤوف رحيم .
ومن مظاهر رحمته سبحانه وتعالى التي لا غنى بنا عنها طرفة عين أنه جعل لنا الليل والنهار لنسكن فيه وهذا من رحمته , لو جعل علينا الليل سرمداً إلى يوم القيامة لهلكنا عن آخرنا , ولو جعل كذلك النهار سرمداً إلى قيام الساعة لهلكنا عن آخرنا ,لكنه سبحانه وتعالى داول بين الليل والنهار رحمة منه بنا سبحانه وتعالى , فهل يمكن أن نستغني عن رحمة الله عزَّ وجل في ليل أو نهار .

((وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ))[القصص:73] فجعل ظهور الليل والنهار من رحمته , وكل متأمّل يتأمّل حال الليل والنهار يُدرك آثار هذه الرحمة في تسيير هذا الكون وفي بسط معيشة الناس ,الإنسان لا تستقيم له الحياة على هذه الأرض وفي هذا الكون إن لم يكن هناك ليل ونهار يسير فيها جميع آثار معيشته وكل ما يُمكن أن يطمح له الإنسان إنما يجتمع باجتماع الليل والنهار .
ومن وجوه رحمته سبحانه وتعالى أنك تنظر إلى الأرض الموحلة القاحلة لا شجر .. لا ثمر .. لا زهر .. ميتة جدباء .. جرداء ..ملساء لا تردّ النظر , وبينما هي كذلك وإذا بالله تبارك وتعالى يُرسل بين يدي رحمته سبحانه وتعالى بالريح ثم يأتي الخير من السماء رحمة من أرحم الراحمين بالخلق أجمعين ((وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ))[الحج:5] أليس هذا من وجوه رحمته وبرّه وإحسانه ومنّته لعباده .
وقد قال الله تبارك وتعالى ((وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ))[الفرقان:48] مبشّرات ,من الذي يوماً من الأيام إذا تأمّل الريح استحضر معها رحمة الله !! هل تُدرك يا عبد الله إن هذه الريح إذا جاءت إنما تأتي برحمة الله , لأنها تحمل كثيراً من الخير معها إمّا ملقّحات وإمّا صوارف عن أمراض ,كثير من الأمراض ربما تحملها ذرّات الكون فتأتي الريح من أجل أن تُبعدها عن البشرية ,إنّ كثيراً من الخلق يغفل عن آثار هذه الرحمة تجدهم يُظهرون القلق والاضطراب وربما الجزع وربما سوء الأدب مع الربّ إذا رأوا الريح , لكنّهم لم يستحضروا آثار رحمة الله بهذه الريح إذ يجلب بها الخير ويدفع بها الشرّ عن المخلوقين .

هل يستطيع أحد منا أن يستغني عن رحمة الله !! لا والله , والله إنَّ الله عز وجل له في كل طرفة عين رحمة وله في كل نفس يتردّد رحمة .. وله في كل خطوة رحمة وله في كل لقمة رحمة .. وله في كل نعمة رحمة .. نحن لا نستغني عن رحمة الله عزَّ وجل .. نحن مضطرّون إلى رحمة الله تبارك وتعالى , فلولا رحمة الله بنا لهلكنا عن آخرنا .

ومن رحمة الله تبارك وتعالى في هذا الكون ما جعل فيه من أحداث عظيمة كالبراكين والزلازل والأعاصير والفيضانات , وعلماء الجيولوجيا اليوم يقولون أنَّ كثيراً من صلاح الأرض إنما يكون بوقوع مثل تلك المظاهر الكونية العظيمة , لأن البراكين إذا خرجت مع أنه يحدث معها شيء من الفساد في الأرض مما قد يُلحق الإنسان لكنها تُخرج كثيراً من الكيماويات التي تحتاجها الأرض من أجل أن يصلح عليها النبات أو يصلح عليها الحياة .

وقل مثل هذا في الزلازل حينما يحدث شيء من  التشقق في الأرض , يخرج بذلك كثير من العيون وكثير من المواد التي يحتاجها البشر , وقل مثل هذا في الأعاصير والرياح .

إنَّ كثيراً من العباد لا يتأمّلون في تلك الأحداث على أنها تحمل في طيّاتها كثيراً من آثار وصور الرحمة , لكنهم مع الأسف لا يُبصرون إلّا جانب الشرّ أو جانب الهلاك والفساد ولا ينظرون إلى آثار الرحمة .
سبحانه ... ما أعظم نعمـــــــــــــــــــــــــــه ,ما أجلَّ كرمـــــــــــــــــه سبحانه وتعالى , يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الأثر فيما رواه عن ربّه عزَّ وجل إنه قال :{ عجباً لك يا ابن آدم ..خلقتك وتعبد غيري ..رزقتك وتشكر سواي ..خيري إليك نازل وشرُّك إليَّ صاعد ..أتحبّب إليك بالنِّعم وأنا الغني عنك وتتبغَّض إليَّ بالمعاصي وأنت الفقير إليّ } .

أنا وأنت يا عبد الله ..أنا وأنتي يا أمة الله فقراء إلى الله تبارك وتعالى ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ))[فاطر:15ــــ 17] إنّه لا غنى بنا عن رحمة ربِّنا سبحانه وبحمده .

بل أقول ولتعجبوا مما أقول ... إنَّ من رحمة الله بعبده المؤمن ليس فقط أن يُدخله الجنّة أو أن يُنزل عليه النِّعم في الدنيا أو أن يهديه ويصطفيه ..بل أقول إنَّ من رحمة الله بعبده المؤمن في الدنيا أنه إذا أنزل به عقوبة رحمه , فسبحان الله عقوبته رحمة !! نعم , تأمّلوا معي ..كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعرف بغيّاً في الجاهلية فذهب إليها ومدَّ بيده إليها فقالت له في يقظة من إيمانها :{ سبحان الله لقد جاء الله بالإسلام وأذهب عنّا عيبة الشرك , فأمسك بيده عنها } ((إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ))[الأعراف:201] فأراد أن يعود والقلب ما زال متعلّق بهذه المرأة , فنظر إليها وانصرف عنها فضرب برأسه في جدار فنتدر الدم ,فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقصَّ عليه ثم قال له صلى الله عليه وسلم :{ أنت عبد أراد الله بك خيرا } ثم عقّب فقال :{ إنَّ الله إذا أراد بعبد خيرا عجَّل له عقوبته في الدنيا ,وإذا أراد الله بعبد شرَّا أخّر له عقوبته في يوم القيامة حتى يوافيه بها كأمثال الجبال } ..
هل تأمّلتم ... عقوبته سبحانه وتعالى رحمة , ومن يرد الله به خيراً يصب منه سبحانه وبحمده .

بل إنَّ الّذين يبتليهم الله سبحانه وتعالى يبتليهم في أبدانهم ..يبتليهم في أموالهم ..يبتليهم في أهليهم .. في أولادهم .. فيما يملكون ,

ويصبرون ويرضون بقضاء الله عزَّ وجلّ فإن هذا من أوسع الأبواب الذي يدخلون من خلاله إلى رحمة الله عزّ وجل , والله سبحانه وتعالى يقول لنا في سورة البقرة ((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ(155))) من هؤلاء الصابرون؟؟ ((الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ(156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157))) .
ومن رحمته سبحانه وتعالى بعباده المؤمنين ما سوف يرونه عياناً في آخر حياتهم وبعد بعثهم ,أمّا في آخر حياتهم فما يجعله الله لهم من حسن الخاتمة ,إنَّ حسن الخاتمة من رحمة الله إذ يُرسل الله لهم الملائكة تقولوا لهم ((أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا))[فصلت:30] هذا من رحمة الله بالمؤمنين في آخر لحظة هي من اللحظات الحالكة ..اللحظات الحاسمة التي ينبني عليها إمّا إلى جنة وإمّا إلى نار , فمن رحمة الله بالمؤمنين أن يُحسن لهم الخاتمة وأن يجعل آخر عمل لهم هو آخر عمل يُحبّه الله تبارك وتعالى لهم .

لذلك من رحمته ما يُوفّقهم لحسن الخاتمة ثم ما يُوفّقهم للميتة الحسنة يجعل عمله عمل أهل الجنة فيُختمون عليها برحمته تبارك وتعالى .
ثم من رحمته بعباده المؤمنين يوم أن يُبعثوا .. يُبعثوا آمنين مطمئنّين يشعرون بالراحة وعدم الخوف بل يُظلّون في ظلّ الرحمن يوم لا ظل إلّا ظلّه , ثم جميع ما يتعرّضون له في عرصات يوم القيامة إنما هي صور من رحمة الله بهم , حتى يستقرَّ بهم الأمر يوم أن يُسهّل الله لهم المرور على الصراط فينجون منه لأن النار تحته ثم يكون مآلهم إلى جنته جنات النعيم وهي من أعظم رحمة الله بعباده المؤمنين .

رحمة الله عز وجل كأفضل ما تكون في يوم القيامة .. في يوم الحسرة والندامة ولكن بعباده المؤمنين, فتأمّل معي عندما تجتمع الخلائق على ذلك الصعيد في كرب شديد .. في هول عظيم ((تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ))[الحج:2] ثم تتنزّل رحمات الله على عباده المؤمنين في يوم القيامة والدين .

وينزل من رحمة الله على عباده المؤمنين بعد ذلك في جنة النعيم ما يجعل حتى الشيطان نعوذ بالله منه يطمع في رحمة الله سبحانه وتعالى .
في يوم القيامة .. في يوم الحسرة والندامة تتجلّى رحمة الله بعباده المؤمنين لأن المئة جزء اجتمعت في يوم القيامة لرحمة الناس .
بل من صور رحمته تبارك وتعالى يوم القيامة أن أحد الناس سيرى حسنة عند أخيه وهو هالك سيدخل النار لأن ليس عنده إلّا هذه الحسنة التي لا تُبلّغه الجنة , فيقول له :{ هل تُعطيني هذه الحسنة علّي أن أفوز بها قال :خذها , فيسمع الله فيقول : من الذي أكرم مني .. خذ بيد صاحبك وادخل الجنة } ..

انظر إلى هذه الرحمة العظيمة أنه سبحانه لا يرضى بأن يكون أحد أكرم منه في أي وقت أو حين ,كيف وقد ادّخر لعباده يوم  القيامة تسعة وتسعين وهذه من رحمة الله الشاملة التي ستكون يوم القيامة.
اللهم برحمتك أدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين .. اللهم يا من رحمته وسعت كل شيء نحن من الأشياء فارحمنا يارب الأرض والسماء .. اللهم أرحمنا إذا نزل الملائكة يقبضوننا وارحمنا إذا غسّلونا وارحمنا إذا كفّنونا .. وارحمنا إذا حملونا .. وارحمنا إذا صلّوا علينا .. وارحمنا إذا أنزلونا في اللحود لوحدنا .. وارحمنا إذا طال في يوم القيامة وقوفنا .. وارحمنا إذا وقفنا بين يديك .. فريق في الجنة وفريق في السعير ...
اللهم يا رحيـــم ارحمنـــــا ..... اللهم يا رحيــم ارحمنا
اللهم يا رحيـم ارحمنا ,,

تمت








0 أضف تعليق:

إرسال تعليق

أخي الزائر/أختي الزائرة:
قبل أن تكتب تعليقك ،تذكر قول الله تعالى :

{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية(18)

.๑. (النور جل جلاله) .๑.

لماكان النور من أسمائه سبحانه وصفاته كان دينه نورا،ورسوله نورا،وكلامه نورا، ودار كرامته لعباده نورايتلألأ،والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين،ويجري على ألسنتهم،ويظهر على وجوههم،ويتم تبارك وتعالى عليهم هذا النور يوم القيامة