الثلاثاء، 15 نوفمبر 2011

عزَّتــــــــه عزَّ وجلّ


بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة برنامج ذكرى

عزَّتــــــــه عزَّ وجلّ


ما أروع ذلك الاسم ..وما أحلى وقعه على الآذان عندما تسمعه من القارئ في المسجد وهو يرتّل القرءان أو عندما تتصفّح كتاب الله عزّ وجل ستجد ذلك الاسم في أكثر من تسعين موضعاً في كتاب الله عزَّ وجلّ .. إنّه اسم الله العزيز ,إنّها عزة الله عزّ وجل .

عزّته سبحانه وتعالى التي توحي لك وتعلّمك أن القوي هو الله عزّ وجل ,أنَّ القوي هو الله وأنَّ القوة لله ,أنّ عزّة القوة له سبحانه وتعالى فلا قوي غيره سبحانه وتعالى .

تتعلّم من ذلك الاسم أنّه عزيز فلا ندَّ له ولا شبيه له ولا أحد يُماثله سبحانه وتعالى ,تتعلّم من ذلك الاسم أنّه عزيز سبحانه وتعالى فهو ممتنع لا يستطيع أحد أن يضرّه سبحانه وتعالى ولا أن ينفعه فهو مستغنٍ عن عباده ,بل العباد كلهم بحاجة إليه سبحانه وتعالى , عزيز سبحانه وتعالى لا يضرّه أحد ولن يستطيع أحد أن يضرّه سبحانه وتعالى ..

إلهي ..الكل ذليل لعزّتك .

إلهي ..الكل طالب لتأييدك ونصرتك .

إلهي ..الكل ضعيف إن لم تُسعفه بقدرتك .

سبحانك ..كل شيء دونك ذليل ..

 سبحانك ..وكل عظيم بين يدي عزتك قليل ..

 سبحانك ..وكل ضعيف مع عزّتك جليل .

وعندما تتأمّل في كتاب ربِّ العالمين وتجد أنَّ الله عزَّ وجل يقرن هذا الاسم بأسماء شتَّى قال الله عزّ وجل بين عزَّته وحمده كما في بداية سورة إبراهيم فقال ربنا جلَّ وعلا ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ))[إبراهيم:1] العزيز الحميد ,العزيز المحبوب سبحانه وتعالى لأن من العزة ما يكون بغضاً وكرها ,أما عزّته سبحانه وتعالى فإنها عزّة معها حب وحمد فهو المحمود سبحانه وتعالى على هذه العزّة , فعزّته عزّة حب عند عباده .

وفي آيات آخرى يقرن الله عزّ وجلّ العزّة بالرحمة لأنه وإن كان قوي وغالب على أمره فإن ذلك القوي الغالب هو رحيم سبحانه وتعالى فإنه لا يظلم بقوّته وإنما رحمته سبقت غضبه .

قرن الله تبارك وتعالى بين العزّة والقوّة ((إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ))[الحج:40] قوي ينصر أولياءه ..عزيز لا يغالبه أحداً من أعدائه سبحانه وتعالى ,ولذلك فإنّ غلبته تبارك وتعالى لأمره غلبة مطلقة لا تحدُّها حدود [ولا يُغلبنَّ مُغالب غَلّابِ] كما قال حسان رحمه الله تعالى ورضي عنه .


وعندما يقرن ذلك الاسم (العزيز الحكيم) بحكمته سبحانه وتعالى تعلم أنَّ الله عزّ وجل له في كل شيء حكمة ,وأنَّ هذه القوّة يقضي بها ما شاء لأمور لا يعلم الخير التي فيها إلّا هو سبحانه وتعالى ,فإنّه تعالى ينزل هذه العزّة في منزلتها الصحيحة قال عزّ وجل في أول سورة فاطر ((مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ))[فاطر:2] وهكذا يفتح الله تعالى على عباده من الرزق والرحمة ,يفتح لهم عزّ وجلّ فيرحمهم ويبؤ عليهم سبحانه وتعالى بنعمائه وآخرون يمسك الله تعالى عنهم تلك الأرزاق ويُمسك عنهم تلك الرحمة وإنما هذا لعزّته في حكمته .

فبقوّته يُذلّ ..هذا ولربما أنَّ هذه الذلة خير له في دنياه وآخرته ,بقوّته يُمرض هذا .. ولربما هذا المرض سبب من أسباب تقرّبه إلى الله عزّ وجل ,بقوّته وعزّته سبحانه وتعالى يسلب من هذا نِعم أعطاه الله إيّاها وربما كان في سلب النعمة تعلّق القلب بالله عزَّ وجل فيعلم الإنسان أنَّ تلك النعم إنما كانت من عند الله عزّ وجل وهو الذي سلبها وأعطاها .

ومما ينبغي أن يُعلم في عزّة الله تبارك وتعالى أنّ عزّته جلّ وعلا تقترن مع كبريائه وجبروته وعظمته ولذلك يقول ربنا عزَّ وجلّ ((وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ))[الجاثية:37] فالكبرياء والكبر من خصوصيات صفات الربّ , والعزّة المطلقة من صفات الرب سبحانه وتعالى التي لا ينازعه عزّ وجل في ذلك من أحد , قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربّه عزَّ وجل :{ العزّ إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني في واحد منهما عذّبته } .

((قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))[آل عمران :26 ] ..

هذه الدنيا وهذا الكون وهذا التاريخ يشهد بعزّته سبحانه وتعالى وتصرّفه في خلقه وعباده كيف شاء ,ولهذا جاء في الحديث يخفض القسط ويرفعه ,يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل فهو يرفع عزّ وجل ويخفض سبحانه وتعالى .

قامت أمم وشعوب ,وذهبت تلك الأمم وتلك الشعوب ,أعطى أُناساً الملك بعد أن كانوا حُفاة ,وأعطى أناساً الصحة بعد أن كانوا مرضى ,وسلب من أناس الصحة والعافية والمال لأنه هو العزيز الذي لا يُنازعه أحد في ملكه ولا في خلقه .

حاولت أمم وأقوام أن ينالوا من عزّته شيئاً فبما ذا آبوا ؟ آبوا بالخسران ((فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً))[فصلت:15] ((قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ))[القصص:78] إلى أن قال بعدها بآيات ((فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ)) ,(( قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ))[البقرة :258] , ((وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ))[القمر:13] ,((وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ))[الأنبياء:70] وهذا في حق إبراهيم ,وتآمروا على لوط وتدافعوا على بابه يريدون أن ينالوا من ضيفه قال ربنا ((فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ))[القمر:37] إلى غير ذلك ,كلها قرائن تدل على أنه محال أن ينال أحد من عزّة ربِّ العزّة والجلال فالله عزيز ذو انتقام لا ربَّ غيره ولا إله سواه .

ألا وإنّ من دلائل عزة الله تبارك وتعالى وشواهده أنه سبحانه وتعالى يُعزّ أولياءه ويُذلّ أعدائه ((كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أنَاْ وَرُسُلِي إنَّ اللهَ قَوِيٌ عَزِيزٌ))[المجادلة:21] قوي ينصر أوليائه وعزيز سبحانه وتعالى يُذلّ من عصاه ومن بارزه وعاداه ,ولذلك فإن هذه الآية جاءت بعد معرض ذكر الذلّة لمن عصاه قال سبحانه وتعالى ((إنَّ الّذين يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئك في الأذَلِّينَ * كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أنَاْ وَرُسُلِي إنَّ اللهَ قَوِيٌ عَزِيزٌ))[المجادلة:20ــ21] .
النبي صلى الله عليه ويسلم في يوم بدر استجلب النصر من الله عزّ وجل [ اللهم نصرك الذي وعدتني ] فنسب النصر لله لأن الله لن يُقهر ,وخرج يُبشّر الصحابة وهو متفاءل بأن الله هو العزيز القهّار فجاء النصر من عند الله عز وجل .

وهو عليه الصلاة والسلام في يوم بدر نظر إلى أصحاب القليب الّذين كانوا ذات يوم يسخرون منه فإنه في أول أيام بعثته كما المثل الأول وضعوا على كتفه سل الجزور يظنون أن العزّة بأيديهم فلم يجرؤ أحد أن يحمل سل الجزور من كتفه صلى الله عليه وسلم إلا ابنته فاطمة لأن العرب على ما كانوا عليه من جاهلية كان الرجل منهم يستعظم أن يكون خصمه امرأة ,فلما رفع صلى الله عليه وسلم بعد أن رفعت فاطمة سل الجزور عن كتفه دعا عليهم وهذا مقياس أيها المبارك لمن العزّة ,

هم كانوا يظنّون أنّها بأيديهم ..البيت يحرسونه وآلهتهم قائمة وإن كانت إن هي إلّا أسماء ..والعرب تذعن لهم ..والحج بأيديهم ولا أحد يستطيع أن يصل إلى البيت إلّا بمشورة منهم ..ويأنفون أن يأتوا عرفة لأنها في الحل ويبقون في مزدلفة فقط لأنها حرم ومع ذلك دعا عليهم صلى الله عليه وسلم ,فقال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه [ فلقد رأيت من سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا عليهم رأيتهم صرعى في القليب (قليب بدر) يناديهم صلى الله عليه وسلم لما وضعناهم كباكب في القليب] كما قال حسان رضي الله عنه في بائيته .
الشاهد هذه مظاهر كيف أورثها الله جل وعلا تلكم العزّة لنبيه صلى الله عليه وسلم ,وهذا ليس مقتصراً عليه صلوات الله وسلامه عليه وإن كان له الحظ الأعلى منها لكن كان في قبله من إخوانه من النبيين وهو حالٌّ على كل مؤمن آمن بالله اعتزَّ بربّه تبارك وتعالى فإن الله يكسوه كسوة العزّة التي يراها ماثلة أمامه .

وإذا عرفنا عزّة الله تبارك وتعالى وأنَّ عزَّته عزّة مطلقة فإنَّ من الناس من يضلّ عن هذه العزّة ويتنكّب الصراط إليها , فكم من أناس ظنّوا بأنَّ العزّة في أموال يجمعونها أو أنَّ العزّة تكون في جاه يتحصّلون عليه أو أنَّ العزّة في حسب ,وهذا كله من التوهّم الذي ذكره الله تعالى عن الكافرين والمنافقين يقول سبحانه وتعالى ((يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ))[المنافقين: 8 ] وهذا في قصة عبد الله ابن أبي ابن سلول حين كسع رجل من المهاجرين رجل من الأنصار أي ضربه في مؤخرته ,فقال المهاجر: يا للمهاجرين,وقال الأنصاري : يا للأنصار, فبلغ ذلك عبد الله ابن أبي فقال :{لأن رجعنا إلى المدينة ليخرجنَّ الأعز منها الأذل} فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية ((وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ)) .

هذه العزّة درّسها عمر رضي الله عنه وأرضاه لأصحابه يوم أن خرج ليستلم مفاتيح بيت المقدس أعاده الله لحوزة الإسلام والمسلمين ,خرج يستلم مفاتيح بيت المقدس وهو خليفة المسلمين في ثوب مرقّع وحمار هزيل وغلام يخدمه ,يركب عمر تارة والغلام تارة ,ويصل إلى المكان الذي أُعدَّ للّقاء بالوفود فإذا بعمر يقود الحمار والغلام من فوق الحمار وعمر رضي الله عنه يسير في الوحل ويستقبله أصحابه ويقولوا كما قال له أبو عبيده :{ لو تهيأت لهذا اليوم } قال :{ يا أبا عبيده .. والله لو كان غيرك قالها لأوسعته ضربا ..نحن قوم أعزّنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزّة في غيره أذلَّنا الله } .

هي عزّة بالله عزَّ وجلّ..ولذلك يوم أن غاب هذا المفهوم ..مفهوم العزّة بالله من قلوب المنافقين قالوا ((لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ)) فإذا بالجواب من الله أن ((الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)) يوم اعتزّوا بعزّة الله عز وجل .  

وكذلك الكفار يظنّون أنَّ العزّة في الآلهة التي يعبدونها من دون الله ,يبتغون عندها العزّة كما ذكر الله سبحانه وتعالى عنهم ((أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا * كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا))[مريم:77ــــــ 79] إلى أن قال الله ((وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا))[مريم:81ـــــ 82] .

ونبينا صلى الله عليه وسلم همَّ بدخول الكعبة في أول يوم بعثته ,وسدانة البيت كانت موجودة في بني شيبة ,هؤلاء السادة لمّا كانت فيهم منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يدخل إلى البيت وهم آنذاك يملكون عزّة دنيوية ,ذلك أن قُصيّاً جدَّ النبي صلى الله عليه وسلم قسَّم ما كان بيديه من أمور قريش على بنيه وجعلها في أول الأمر في واحد منهم لكنَّ بعضهم لم يرضى فاقتُسم لهم منها شيء,الغاية من هذا كله أن بني شيبة كانت بيدهم سدانة البيت وهي عزّة دنيوية رفيعة ,فلمّا همَّ صلى الله عليه وسلم بدخول البيت منعه عثمان ابن أبي طلحة ,فقال صلى الله عليه وسلم لعثمان :{ كيف بك يا عثمان إذا كان هذا المفتاح بيدي أضعه حيث أشاء } فمن مقاييس عثمان آنذاك رأى أن ذلك أنه ذُلّاً له ولقومه فقال :{ فإذاً ذلّت قريش يومئذٍ وهانت} لا يُمكن أن يقع هذا أبداً .

مرّت سنون وأعوام ..هاجر عليه الصلاة والسلام إلى مدينته , كان العام الثامن فُتحت مكّة ,لمّا فُتحت مكّة انكسرت شوكة الشرك بالكليّة ودخلها صلى الله عليه وسلم بعد أن أخرجه قومه طريداً دخلها صلى الله عليه وسلم فاتحاً منتصراً لكنَّه تأدّباً مع ربه طأطأ رأسه ,غاية الأمر أنه دخل البيت ..
عندما دخل البيت صلّى فيه وكبر في نواحيه ثم امتثالاً لأمر الله ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا))[النساء:58] قال عليه الصلاة والسلام :{أين عثمان ابن أبي طلحة ؟؟} قال :{ها أنا ذا يا رسول الله } فأعطاه صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة وقال :{ خذوها يا بني شيبة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلّا ظالم } إذاً العزّة لمن ؟؟! العزّة لله .. كان صلى الله عليه وسلم يستطيع حينها أن يضع المفتاح في يد من يشاء ,بل إنَّ بني عبد المطلب طالبوه منه على لسان علي :{ اجمع لنا السدانة مع السقاية } لكنه قال صلى الله عليه وسلم :{ اليوم يوم برٍّ ووفاء } , فهذا من أعظم مظاهر العزّة التي أورثها الله جلَّ وعلا رسوله صلى الله عليه وسلم .


ومن هنا أكّد الله تعالى في كتابه أنَّ العزّة كلها في يده وحده ..قال عز وجل ((وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ))[يونس:65] وقال في سورة فاطر ((مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا))[فاطر:10] هكذا جميعاً حتى لا يظننَّ ظان بأن بعض العزّة عند غيره سبحانه وتعالى .

ولذلك جاء ربعي ابن عامر الذي فهم هذا المعنى ,فهم أنه عبد لله العزيز..القوي..الجبار..المنتقم , جاء ربعي ليدخل على رُستم قائد من قادات الفرس , دخل عليه فرأى رستم يعتز بماله ويعتز بسلطانه ,فرش الحرير وجهَّز النمارق واعتزَّ بالجيش العرمرم الذي معه الذي دُججّ بالحديد والسلاح ,فجاء ربعي الذي اعتزَّ بالله العزيز فتربّع على الأرض وجلس وقال لرستم :{ نحن قوم بعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربِّ العباد ومن رقِّ الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة } ما أجمل تلك العبارات ,يوم أن يستشعر الإنسان أنه عبد لله العزيز فيعتز بتلك العبودية . 
      
         
ومن هنا ينبغي للمسلمين أن يستشعروا عزَّة الله تعالى في التمكين لدينه الذي قال الله تعالى عنه ((هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا))[الفتح:28]  
ولهذا قال علماءنا [[ إن من شواهد عزّة الله تعالى في أرضه أن ينصر دينه الذي رضيه ]] ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام :{ ليبلُغنَّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يدع الله بيت مدر ولا وبر إلّا وأدخله الله هذا الدين بعزِّ عزيز أو بذُلَّ ذليل , عزّاً يعز الله به الإسلام وأهله وذُلّاً يُذلّ الله به الكفر وأهله} .
يوم أن تعرف أن الله عزيز وأنه الغالب وأنه القاهر وأنه الممتنع وأنه ليس كمثله شيء ..ماذا سيحصل في داخلك !! لا شك أن هذا القلب سيخضع لله .. عندما تعلم أن هو العزيز القاهر إذاً لماذا ترفع رأسك وتتكبّر على خلق الله عزّ وجل .

فإلى هذا الذي يتكبّر على عبادي وإلى هذا الذي يمشي في الأرض مرحا ..هذا الذي يخبط الأرض بقدمه ويظن أنه الأوحد ويظن أنه الأعظم ,ألا فالتنظر إلى عزّة الله تعالى ..ولتنظر إلى ما فعل الله تعالى إلى من تجبّر وطغى ,يقول النبي عليه الصلاة والسلام :{ يُحشر المُتكبّرون يوم القيامة كأمثال الذرِّ في صور الرجال تطأهم الخلائق من كل مكان يُقادون إلى سجن في جهنّم يُقال له بولس تعلوه نار الأنيار يُسقون من طينة الخبال من عصارة أهل النار } نعوذ بالله من هذا المآل .

إذا علم المؤمن هذا انكسر قلبه فأصبح يريد من سنا تلك العزّة ..لا يقاوم تلك العزّة لأنه ليس له يد ولا لغيره أن يقاوم تلك العزّة فهو مخلوق ضعيف أين ما بلغ فليس له سبيل ولا طريق إلّا أن يلتمس تلك العزّة من الله ولا التماس لها إلّا بالإيمان والعمل الصالح ((أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ* لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ))[يونس:62ـــ64] إلى أن قال ((إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ))[يونس:65] .

فكل من أراد باباً من أبواب العزّة بغير الطريق التي أرادها الله تبارك وتعالى فإنه لا يجد في نهاية المطاف إلا نوعاً من الذل حتى يجيء يوم القيامة ذلك المعذّب في النار نسأل الله العافية ,وذلك الكافر وذلك الفاجر ليجد الذُلّ كله ((ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ))[الدخان:49] هذا من التهكّم به فقد كان عزيزاً في الدنيا ..كان شريفاً ..كان ذا مال وجاه ,ولكنّه لمّا تنكّب صراط الله تبارك وتعالى ولمّا أخذ بأسباب الذلّ والهوان أذلّه الله تبارك وتعالى العزيز الذي لا يُغالبه شيء ...

تمت
      





0 أضف تعليق:

إرسال تعليق

أخي الزائر/أختي الزائرة:
قبل أن تكتب تعليقك ،تذكر قول الله تعالى :

{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية(18)

.๑. (النور جل جلاله) .๑.

لماكان النور من أسمائه سبحانه وصفاته كان دينه نورا،ورسوله نورا،وكلامه نورا، ودار كرامته لعباده نورايتلألأ،والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين،ويجري على ألسنتهم،ويظهر على وجوههم،ويتم تبارك وتعالى عليهم هذا النور يوم القيامة