السبت، 8 يناير 2011

رحلة إلى بلاد الأشواق " 1 "



بسم الله الرحمن الرحيم


رحلة إلى بلاد الأشواق " 1 "


فضيلة الشيخ : خالد ابن عبد الرحمن الشايع

الحمد لله الذي جعل جنات الفردوس لعباده المؤمنين نُزُلا.. ويسّرهم للأعمال الصالحة الموصلة إليها .. فلم يتخذوا سواها شُغُلا .. والحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رُسُلا .. وباعث الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل .. إذ لم يخلقهم عبثا ولم يتركهم سُدى ولم يغفلهم هملا , بل خلقهم لأمر عظيم .. وهيأهم لخطب ٍجسيم .. وعمّر لهم دارين فهذه لمن أجاب الداعي ولم يبغي سوى ربه الكريم بدلا .. وهذه لمن لم يجب دعوته , ولم يرفع بها رأسا ًولم يعلق بها أملا ..


وأشهد أن محمدا ًعبده ورسوله وأمينه على وحييه , وخيرته من خلقه , أرسله رحمة ًللعالمين , وقدوة ًللعاملين , ومحجة ًللسالكين , وحجة ًعلى العباد أجمعين .. بعثه للإيمان مناديا , وللخليقة هاديا , وإلى دار السلام داعيا ...


أما بعــــــــــد...


فيشرّفني أن أستعرض وإياكم جوانب من دار كرامة الله تعالى التي أعدّها لعباده المؤمنين , فهذا البرنامج جل المقصود منه إشارة أهل السنة لما أعدَّ الله لهم في الجنة , فإنهم مستحقون للبشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة , ونعم الله عليهم باطنة وظاهرة , وهم أولياء الرسول وحزبه ومن خرج عن سنته فهم أعداءه وحربه , لا تأخذهم في نصرة سنته عليه الصلاة والسلام ملامة اللوّام , ولا يتركون ما صح عنها لقول أحد من الأنام ..
والسنة أجلّ في صدورهم من أن يقدّموا عليها رأيا ًفقهيا ..أو بحثا ًجدليا .. أو خيالا ًصوفيا .. أو تناقضا ًكلاميا .. أو قياسا ًفلسفيا .. أو حكما ًسياسيا .. فمن قدّم عليها شيئا ً من ذلك فباب الصواب عليه مسدود .. وهو عن طريق الرشاد مسدود..


أيها الأخوة في الله ..


إنّ جنات النعيم التي أعدّ الله تعالى لعباده مما ينبغي أن يجتهد العبد في معرفتها ومعرفة الطريق الموصل إليها .. وهذا ما سأستعرضه وإياكم في حلقات هذا البرنامج الذي أسأل الله تعالى أن يجعله مبـــــــــاركا ..


ويحسن في بادئ هذه الحلقات أن نوضح ما درج عليه المؤلفون في هذا الباب , كما صنع العلامة ابن القيم رحمه الله وغيره من التقدمة لوصف الجنة ببعض المقدمات , ومن ذلك:


أن الجنة موجودة مخلوقة الآن , وفي هذا يقول العلامة ابن القيم :{ لم يزل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون وتابعوهم وأهل السنة والحديث قاطبة ًوفقهاء الإسلام على اعتقاد ذلك وإثباته , مستندين في ذلك إلى نصوص الكتاب والسنة , وما عُلم بالضرورة من أخبار الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم , فإنهم دعو الأمم إليها وأخبروا بها , إلى أن نبغت نابغة من القدرية والمعتزلة فأنكرت أن تكون مخلوقة الأن , وقالوا : بل الله ينشئها يوم المعاد , وحملهم على ذلك أصلهم الفاسد الذي وضعوا به شريعة لما يفعله الله , وأنه ينبغي له أن يفعل كذا , ولا ينبغي له أن يفعل كذا , وقاسوه على خلقه في أفعالهم , فهم مشبّهة ٌفي الأفعال ودخل التجهّم فيهم ,فصاروا مع ذلك معطلة في الصفات , وقالوا خلق الجنة قبل الجزاء عبث , فإنها تصير معطلة ممددا ً متطاولة ليس فيها سكانها .
فحجّروا على الرب تبارك وتعالى بعقولهم الفاسدة , وآراءهم الباطلة , وشبّهوا أفعاله بأفعالهم , وردّوا من النصوص ما خالفوا هذه الشريعة الباطلة التي وضعوها للرب , أو حرّفوها عن مواضعها , وظننّوا وبدّعوا من خالفهم فيها , والتزموا فيها لوازم , واضحكوا عليهم فيها العقلاء ..


ولهذا يذكر السلف في عقائدهم أن الجنة والنار مخلوقتان , ويذكر من صنّف في المقالات أن هذه مقالة أهل السنة والحديث قاطبة ًلا يختلفون فيها ..} .


ثم قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في هذا السياق: مقررا ً وجود الجنة وخلقها , والمقصود حكايته عن جميع أهل السنة والحديث أن الجنة والنار مخلوقتان , وقد دل على ذلك من القرءان قول الله تعالى (( ولقد رآه نزلة ً أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى )) , وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى ورأى عندها الجنة كما في الصحيحين من حديث أنس ابن مالك رضي الله عنه في قصة الإسراء وفي آخره :{... ثم انطلق بي جبريل حتى أتى سدرة المنتهى , فغشيها ألوان لا أدري ما هي . قال : ثم دخلت الجنة , فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ , وإذا ترابها المسك }جنابذ اللؤلؤ ما يشبه القباب , لان بيوت الجنة على هيئة البيوت المقببة وكلها من اللؤلؤ ..
وجاء في الصحيحين من حديث عبد الله ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :{ إنّ أحدكم إذا مات عُرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة , وإن كان من أهل النار فمن أهل النار .. فيقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله تعالى يوم القيامة .} .


وثبت في المسند والمستدرك للحاكم وصححه ابن حبّان من حديث البراء ابن عازب قال :{خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ...فذكر الحديث بطوله وفيه فينادي مناد ٍمن السماء أن صدق عبدي ,فأ فرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة ,وافتحوا له بابا ًإلى الجنة ,قال : فيأتيه من روحها وطيبها ...وذكر الحديث }.


وثبت في الصحيحين من حديث أنس ابن مالك قال :{ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن العبد إذا وضع في القبر , وتولّى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم , قال : فيأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟؟ قال : فأما المؤمن فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله . قال : فيقولان له : انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا ًمن الجنة . قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : فيراهما جميعا }.


وجاء في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت :{ خُسِفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم , فذكرت الحديث إلى أن قالت : ثم قام فخطب الناس , فأثنى على الله بما هو أهله , ثم قال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته , فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة ..وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رأيت في مقامي هذا كل شيء وعِدته , حتى لقد رأيتني آخذ قطفا ًمن الجنة حين رأيتموني أُقدّم , ولقد رأيت جهنّم يحطم بعضها بعضا ًحينما رأيتموني تأخّرت .. }.
وثبت في صحيح مسلم من حديث جابر في هذه القصة , قال عليه الصلاة والسلام :{ عُرض عليّ كل شيء تولجونه , فعرضت عليّ الجنة حتى تناولت منها قطفا , فقصرت يدي عنه , وعُرضت عليا النار فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذّب في هرّة لها ....وذكر الحديث } .


وجاء أيضا ًفي الموطّأ والسنن من حديث كعب ابن مالك رضي الله عنه قال :{ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما نسمة المؤمن طيرٌ تعلق في شجر الجنة حتى يرجعها الله إلى جسده يوم القيامة وهذا صريح في دخول الروح الجنة قبل يوم القيامة ..
إلى غير ذلك من الأحاديث التي تدل على هذا المعنى , وكذلكم الآيات الكريمات في كتاب الله العزيز التي تدل أيضا ًعلى أن الجنة موجودة ومخلوقة الأن ..


ولذلك فإنه مما ينبغي أن يُعتقد أن الجنة التي وعد الله تعالى بها عباده المؤمنين موجودة الأن كما دلّ على ذلك كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام ..


أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من أهل الجنــــــــة .. وأن يكرمنا برؤية وجهه الكريم .. إنه سبحانه برٌ رحيم ..

وإلى لقاء الحلقة الثانية بإذن الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... 




0 أضف تعليق:

إرسال تعليق

أخي الزائر/أختي الزائرة:
قبل أن تكتب تعليقك ،تذكر قول الله تعالى :

{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية(18)

.๑. (النور جل جلاله) .๑.

لماكان النور من أسمائه سبحانه وصفاته كان دينه نورا،ورسوله نورا،وكلامه نورا، ودار كرامته لعباده نورايتلألأ،والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين،ويجري على ألسنتهم،ويظهر على وجوههم،ويتم تبارك وتعالى عليهم هذا النور يوم القيامة