الأحد، 10 يونيو 2012

الزهــــــــــــــــــــد



بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة غاياتنا

الزهــــــــــــــــــــد

الحمد لله الذي جعل الدنيا مزرعة للآخرة .. نحمده سبحانه ونشكره ونُثني عليه .. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلّم تسليماً كثيرا..

أما بعــــــــــــــــــــــد....

فإن من النعم العظيمة التي ينعمها الله على بعض عباده .. و من المطالب المهمّة التي يسعى إليها كثير من العقلاء : معرفـــــــــــة حقيقة الدنيـــــــــا ومعرفـــــــــــة ما المراد بها , فإن الله عز وجل إنمّا خلق هذه الدنيا لنا كما قال سبحانه ((هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا))[ البقرة :29]

وإنما خلقنا الله لعبادته سبحانه وتعالى كما قال جلّ وعلا ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ))[ الذاريات: 56] , ومن هنا فعلينا أن نستعمل ما رزقنا الله إيّاه من نِعم دنيوية في طاعة الله عزّ وجل .

إذا نظرنا في عدد من النصوص وجدنا أنها تراقبنا في الزهــــــــــــد ..

ما هو الزهد ؟؟ هل هو ترك الدنيا والتقلل منها ؟؟ لا والله ...

الزهــــــــــــــــــد :

هو عدم رغبــــــــــة القلــــــب فيما لا ينفع في الدار الآخرة .

بينما الـــــورع : أن يترك الإنسان ما يضرّه في آخرته .

قال أبو واقد الليثي :[[ تابعنا الأعمال أيها أفضل فلم نجد شيئاً أعون على طلب الآخرة من الزهد في الدنيا ]] .

قال الحسن البصري :[[ ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال وإضاعة المال ولكنَّ الزهد أن تكون بما في يدي الله أوثق منك بما في يدك , وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أصبت منها أرغب منك فيها لو لم تصبك ]] .

يقول ابن القيم :[[ الزهد سفر القلب من وطن الدنيا وأخذه في منازل الآخرة ]] .

وهو يتعلّق بأمور :

أن يزهد الإنسان في المال وفي الرئاسة وفي الناس وفي النفس وفي كل ما دون الله فيكون مقصده الأساس لله , وفي الله , ويتعامل مع جميع الأمور على وفق ما يزيد درجته عند الله جلَّ وعلا .

ليس الزهد ترك الدنيا ورفض ما فيها .. وإنمّا الزهد أن تستعمل الدنيا في طاعة الله , كثرة أموال الإنسان لا تنافي زهده , هذا داود وسليمان عليهما السلام من أزهد أهل زمانهما ولهما من المال والمُلك والنساء ما لهم .

كان النبي صلى الله عليه وسلم من أزهد البشر على الإطلاق , ومع ذلك قد جاءته الدنيا وقد تبعه كثير من الخلق و زوّجه الله بكثير من النساء ..

العلم مع الزهــــــــــــــــــــد يجعل القلب لطيفاً .. رقيقاً يُزيل عنه ما فيه من تكبّر وجفاء وغلظة .

الزهــــــــــــــــــــــــــــــد :

يشمل الزهد في الحرام , وهذا زهد واجب , وهو فرض على الأعيان , وهناك زهد في الشبهات وهذا يختلف حكمه باختلاف أنواعه .

وهناك زهد في الفضول بترك ما لا يعني من الأقوال وأعمال الجوارح ويشمل الزهد في النيات والإيرادات بأن يكون قصد المرء في جميع أعماله لله وفي الله يريد الآخرة ويرغب فيما عند الله .

يقول سفيان الثوري :[[ الزهد في الدنيا قصر الأمل ليس بأكل الغليظ ولا بلبس العباءة ]] .

انظــــــــــر لبعـــــــــض الآيات التي وردت في الزهـــــــــــد :

قال تعالى ((وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى))[طه :131] .

ويقول جلَّ وعلا ((وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ))[القصص:80] , ويقول سبحانه ((اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ* مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ)) هؤلاء هم الزهّاد ((وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ))[الشورى : 19ـــــ 20] .

وقال جلَّ وعلا ((مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ))[النساء :134] ..

فإذاً الزهد أن يريد الإنسان بعمله وجه الله والدار الآخرة , أن يصرف الإنسان دنياه في طاعة ربّه ومولاه , ومن طاعة الله أن يُنفق الإنسان على نفسه وعلى أهل بيته , وعلى قرابته ينوي بذلك التقرّب لله , فهذا لا يُنافي الزهد .

 لبس الثياب الحسنة الجميلة , ولبس النعال الحسنة الجميلة لا يُنافي الزهد فإن هذا من محبوبات الله جلَّ وعلا فقد جاء رجل فقال :[[ يا رسول الله ... الرجل يُحبُّ أن يكون ثوبه حسن ونعله حسن . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنَّ الله جميل يُحبُّ الجمال ]] .

يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في السنن :[[ من كانت الدنيا أكبر همّه فرّق الله أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلّا ما كُتب له منها , ومن كانت الآخرة همّه ـــ وفي لفظ ومن كانت الآخرة نيته ـــــ جمع الله أمره وجعل غناه بين عينيه وأتته الدنيا وهي راغمة ]] .

إذا نظر الإنسان إلى الدنيا وجعلها مزرعة للآخرة فإنه حينئذٍ سينظر إلى الدنيا على أنها محلُّ قضاء الحاجات بمثابة دورة المياه التي يقضي الإنسان فيها حاجته فيحتاج إليها .


ومما يُعين على الزهــــــــــــــــــــد:

أن يعرف الإنسان حقيقة الدنيا وأنها زائلة عما قريب وأن لا يغترَّ بها, فإن الله جلَّ وعلا يقول ((فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ))[ لقمان:33] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم :[[ زوروا القبور فإنها تذكّركم الآخرة وتزهّدكم في الدنيا]] ..

يُعين على الزهـــــــــــــــــــــد :


صدق اليقين بالدار الآخرة , وتمام الإيمان بأن هناك نعيماً مقيماً سنأتي إليه , وهناك شقاء دائم لمن أعرض عن أمر الله عزّ وجل , مما يجعل المرء يزهد فيما يقلل سرعته في مشيّه إلى الدار الآخرة وإلى جنة الخلد .

جاء في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال :[[ يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيُصبغ في النار صبغة ثم يُقال : يا ابن آدم .. هل رأيت خيراً قط ؟؟ هل مرَّ بك نعيم قط ؟؟ فيقول : لا والله .

ويؤتى بأشدّ الناس بؤساً في الدنيا وهو من أهل الجنة فيُصبغ صبغة واحدة في الجنة . فيقول : يا ابن آدم .. 

هل رأيت بؤساً قط ؟؟ هل مرَّ بك شدّة قط ؟؟ فيقول : لا والله يا ربِّ ..ما مرَّ بي بؤس قط ولا شدّة قط ]] .

يعين على الزهــــــــــــــــــــــد :

معرفة أن الزهد لا يمنع من نعم الله شيء , بل الزهد في الدنيا يجعل الدنيا تأتي إلى العبد وهي راغمة , فالزهد لا يمنع من استعمال الأسباب في طلب الأرزاق .

يعين على الزهــــــــــــــــــــــد :

معرفة حقيقة الدنيا ((مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ))[ النحل :96] , (( قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى))[ النساء :77]  ..

الزهد فيما ينفع في الدار الآخرة ليس من الدين في شيء , بل صاحبه داخل في قوله ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ))[المائدة:87] ...

أسأل الله جلَّ وعلا أن يعرفنا وإيّاكم حقيقة الدنيا .. وأن يجعلنا وإيّاكم ممن جاءته الدنيا وهي راغمة فاستعملها في مراضي الله جلَّ وعلا ...هذا والله أعلــــــــــــــــــــــم .


وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعــيـــــــــــــــن ...





0 أضف تعليق:

إرسال تعليق

أخي الزائر/أختي الزائرة:
قبل أن تكتب تعليقك ،تذكر قول الله تعالى :

{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية(18)

.๑. (النور جل جلاله) .๑.

لماكان النور من أسمائه سبحانه وصفاته كان دينه نورا،ورسوله نورا،وكلامه نورا، ودار كرامته لعباده نورايتلألأ،والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين،ويجري على ألسنتهم،ويظهر على وجوههم،ويتم تبارك وتعالى عليهم هذا النور يوم القيامة