الخميس، 8 أغسطس 2013

اِنتقامه عزّ وجلّ (1)





بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة برنامج ذكرى

اِنتقامه عزّ وجلّ (1)

إنَّ ربّنا الكبير المتعال المتصف بصفات الجبروت والكبرياء ينتقم شرَّ انتقام من الطغاة والجبابرة ، فهو سبحانه وتعالى شديد المحال وهو عزّ وجل عزيز ذو انتقام ، ألا تراه جلّ وعلا يقول وهو يقصُّ علينا قصص الغابرين من الذين أهلكهم سبحانه وتعالى رب العالمين ، فيقول عزّ وجلّ (( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْـقُـرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ {102} هود)) إن أخذه : إن انتقامه مؤلم شديد ، كما قال سبحانه وتعالى (( إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ {12} البروج )) إن بطش ربك : إن انتقامه سبحانه وتعالى شديد مؤلم ، يمهل عزّ وجلّ ولكنه لا يهمل أبــدًا..

قال صلى الله عليه وسلم في ذاك الحديث العظيم الذي يحتاج منّا أن نتأمله وأن ننظر فيه ، قال عليه الصلاة والسلام :{إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته, ثم قرأ صلى الله عليه وسلم (( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْـقُـرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ))} هذا الحديث يوّجه رسالة مخيفة للظالمين ، الذين طغوا وتجبروا ، الذين تكبروا ، الذين عاثوا فسادًا في الأرض, إن الله تعالى يملي له ، يمد له في هذه الحياة ولكن الله تعالى إذ يكيد لهذا الضعيف لهذا الحقير لهذا المسكين فإن كيد الله تعالى متين كما قال الله عزّ وجلّ (( وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ {45} القلم )) ..

وإن الله عزّ وجل إن كان قد أملى لهم في هذه الحياة الدنيا ففعلوا المعاصي والآثام وظلموا العباد إلّا أنَّ هناك حدًّا إذا وصلوا إليه أخذهم الله أخذ عزيز منتقم ، فانتقم من ذلك الظالم وعاقب ذلك المسرف الذي لم يعرف عظمة الله ولم يتأدب مع الله ولم يستحِ من الله ولم يرحم عباد الله بل تمادى وتمادى وتمـادى ونسي ، نسي أن الله شديد البطش ..

وهو يوجه رسالة عزاء ومواساة للمظلومين ، للضعفاء ، للمقهورين ، للمعذبين في الأرض ؛ أن الله عزّ وجلّ سينتقم لهم يومًا وسيدافع عنهم ..

وحينما تتأمّل هذا الحديث تجده يتحدّث عن سُنَّتين من سنن الله جلّ وعزّ :
السنّة الأولى : سنّة الإملاء والإمهال للظالمين .

والسنّة الثانية : أخذ الله جلّ وعزّ للظالمين وأنهم لن ينفلتوا من عقاب الله سبحانه وتعالى , سنّتان حاضرتان باقيتان ما بقي الليل والنهار ..

إلهي ... شديد بطشك شديد انتقامك .

إلهي ... أخذت بعد الإعذار وانتقمت بعد الإصرار .

إلهي ... بطشك لا تطيقه الجبال الرواسي وانتقامك إذا حلّ فهو القاسي .

إلهي ... مددت حبل حلمك فاغتـرّ من جهل بك .

إلهي ... انتقامك قصم ظهور الظالمين وردَّ شرور المعتدين .

إلهي ... إن اِنـتقمت فقد عدلت وإن عاقبت فقد أعذرت .

تعال معي لنمضي إلى الأمم السابقة ، نجد صورًا متباينة وعقوبات مختلفة .. وترى أن هناك فائدة أن نرى هذا التعدّد في الصور لأن واقع الناس في معيشاتهم التي يعيشونها تراهم قد يتمثلون صورة من هذه الصور فإنه لن يكون بمنأىً من أن تطاله تلك العقوبة التي سُلّطت على ذاك الإنسان .

ففرعــــــــــــــــــــون قد يتكرر في كل زمان ومكان ، فكيف تعامل الله جلّ وعز مع هذه الشخصية ؟؟ شخصية أعلنت عن قمة التكبّر والغطرسة (( أَنَاْ رَبُّكُمُ الْأَعْلَى {24} النازعات )) وكان يقول (( أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ {51} الزخرف)) فماذا فعل الله به ؟؟ (( فَـلَمَّا ءَاسَفُونَا انتَـقَـمْنَا مِنْهُمْ {55} الزخرف)) أخذه الله عزّ وجلّ هو وجنوده ..هو وقوته ..هو ومكانته ، فإذا بالأنهار التي تجري من تحته تجري من فوقه وإذا به يرفع يده ((آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {90} يونس)) ذهبت (( أَنَاْ رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)) ، ذهب الكبر والتسلّط فكانت تلك العاقبة أن أصبح غريقًا في الماء لا يستطيع أن يرفع رأسًا أو أن يقول قولًا .. ويقول الله تعالى (( آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ  وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ {91} فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ {92} يونس)) ..

عذبّه الله القوي الشديد بسر الحياة ، بالماء ، الماء الذي يحيا به الناس وتحيى به الكائنات (( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ {30} الأنبياء)) يوم أن أراد الله أن يريه سطوته عذّبه بذلك الماء .. هو عرّض نفسه للبطش والانتقام والعقاب والعذاب لأنه تكبّر وتعالى فخرج على حدود نفسه ، أنه بشر وأنه مخلوق وأنه سيفنى وسيموت ، فهذا المتكبر قد عاجله الله بالعقوبة بل إن الله تعالى جعله عبرة لمن يخشى ولكنَّ كثيرًا من الناس عن آيات الله غافلون  ..

شخصية أخرى .. قارون : وهي تمثل الرأسمالية الجشعة في وقتها ، اِغتر بماله كان ينظر إلى الآخرين نظرة احتقار وازدراء ، ووصل به الأمر أن تلك المفاتيح التي تفتح بها تلك الحجرات لا يستطيع الرجال الأشدّاء أن يحملوها فكيف سيكون حال هذه الكنوز , أتاه من ينصحه يوجهه فكان هذا الرجل قد جهّز ردًّا لا يستطيع أن يدخل في حوار وفي نقاش (( قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي {78} القصص)) .. فإذا بالله عزّ وجلّ يمهله ثم يملي له ثم يملي له ، لكن إذا غضب الله أخذه أخذ عزيز ذو انتقام ، فماذا كانت النتيجة ؟؟ (( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ {81} القصص)) أين ماله ؟؟ أين قوته ؟؟ أين صولته ؟؟ أين الذين كانوا يتراكضون لخدمته ، لا يريدون أن يُصاب بشوكة ؟؟ ها هم يتركونه ويتقاعسون عن نصرته ، فكان ذاك الخسف الذي أودى بحياته ..

ألا ترى إلى السامري : ذاك الشقي ، الذي عبد العجل وزيّن لبني إسرائيل أن يعبدوا العجل من دون الله تبارك وتعالى ؟؟ كيف أخذه الله في هذه الحياة ؟؟ (( فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَـقُـولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ{97} طه)) لا مساس لا أحد يمسه إنه يخشى من الذين يأتون إليه ليصافحوه لا يريد لأحد أن يقترب منه ، هذا مظهر من مظاهر أخذه سبحانه وتعالى بالمجرمين في هذه الحياة..

يا غافلاً عن بطش ذي العذاب الشديد كم لله تعالى من آخذات شداد .. تجبّر الظالمون فأخذهم أخذًا أليمًا .. وأفسد المفسدون فأخذهم أخذًا شديدًا .. أملى لهم في المهلة ولم يعاجلهم في المدة .. فحسبوا أن العذاب بعيد ونسوا إن أخذه أليم شديد .. حتى إذا أمنوا صبَّ عليهم العذاب صبًّا فأيقنوا أن لن يفوتوه طلبًا ..

عـــــــــــــــــاد : قوم تميزوا بقوة الأجسام وبالطول الفارع وبالشدّة وتراهم كانوا يتفاخرون كثيرًا بقوتهم ويرون أنهم أفضل من الأمم التي تجاورهم حتى أنهم من كبرياءهم قالوا (( مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُــوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُــوَّةً {15} فصلت )) ولكن الله بأي شيء أهلكهم ؟؟ ما أرسل الله قوم أشداء يحاربونهم ، الله أهلكهم بالهواء !! الهواء الذي يتنفسه الناس !! كان هذا جندي من جنود الله دمّر هؤلاء القوم ، سلط الله عليهم ريحًا صرصرًا فجعلتهم كأعجاز نخل خاوية ، كانت الريح تأتي بأحدهم فترفعه إلى السماء ثم يسقط ، فيندقَّ عنقه وتزهق الأرواح .. هكذا كانت النتيجة وهكذا كان الانتقام وهذا هو العقاب .. أين قوتهم ؟؟ أين صولتهم ؟؟ أين أجسامهم؟؟ أين مالهم ؟؟ انتهى كل شيء ، ثم حينما تتأمل السياق القرآني تجد أن الله عزّ وجلّ قد قال بعد ذلك (( فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ{18} القمر )) استفهام يستبطن الجواب ..

هذا هو انتقام الله لمن اغتروا بالقوة لأن الناس قد يغترون بالقوة في أي زمان إلى يوم القيامة ، قوة العلم ، قوة المال ، قوة الغنى ، قوة العدد والعُدّة ، هؤلاء لهم أن ينظروا إلى الذين عاجلهم الله بانتقامه وعقابه ، كيف دمّرهم الله فجعلهم عبرة ..

ومن عظيم انتقامه ما قصَّ الله تعالى علينا في قرى سدوم كيف أرسل الله تبارك وتعالى الملاك العظيم جبريل عليه السلام فاقتلع تلك القرى ومضى بها إلى عنان السماء حتى سمعت الملائكة صياح الديكة ونباح الكلاب ، ثم إذا بالله جلّ وعلا يرسل عليهم حجارة (( مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ {83} هود ))..

وهكذا نجد الله تبارك وتعالى يأخذ كل أمة بذنب من الذنوب وبطريقة عظيمة من طرق الانتقام ، قال ربنا جلّ وعلا (( فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ {40} العنكبوت ))..

وهذا نداء من الله ، وتحذير من الله(( أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ {16} الملك)) أين عقولكم؟؟ أين عقول أولئك الذين يتعرضون لسخطه ؟؟ ألا يخشون أن ينزل عليهم حاصبًا من السماء ؟؟ أو تفسح بهم الأرض من بين أيديهم ؟؟ أو يغشاهم من العذاب ما يغشاهم ؟؟(( أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ{16} الملك)) بالله عليكم لو خسفت الأرض ، أين نفر ؟ بما نلتجئ ؟ أين نذهب ؟(( أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا {17} الملك)) أمراض ، أوبئة ، طوفان ، بلاء (( وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ {31} المدثر)) ..

الناس ينامون مطمئنين ولكن كم من قرية باتت على لهو وغفلة ومعصية وكبائر ومعاصي فدمرهم الله وهم نائمون في غفلاتهم وشهواتهم ونسيانهم .. هل نأمن أن يأتينا عذاب الله من حيث لا نحتسب ، ومن حيث لا ندري ؟؟  ((أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ {97} أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُون {98} أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَـوْمُ الْخَاسِرُونَ {99} أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاءُ أَصَـبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ {100} الأعراف)) ..

ويوم أن يغضب الله وينتقم فإنَّ بطشه شديد ، وإنَّ أخذه أليم ، وإنَّ عقابه عظيم (( لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ {25} وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ {26} الفجر)) إنَّ المؤمن اليقظ يتيقن أن الله تعالى لا يغفل ، فيجعل بينه وبين انتقام الله وعذابه وقاية بأن يقترب من ربه وأن يتوب إليه من قريب وإلا فإن عقوبة الله حاضرة ، والعاصي لا يدري بأي عذاب سيأخذه ربه..
كم من أقوام أهلكهم الله بالزلازل ، كم من أقوام أهلكهم الله بالطوفان على الماء فأغرقوا جميعًا ، كم من أقوام أهلكهم الله تعالى بالبراكين ، كم من أقوام أهلكهم الله تعالى بالعواصف ، هذه مدمرات إلهية ،هل نأمن مكر الله عزّ وجلّ وانتقامه والله لا نستطيع ولكن علينا أن نقبل عليه حتى يرفع عنا غضبه وعذابه ..

ولا تغترَّن أيها المسلم أبدًا بما ترى من زخرف الحياة الدنيا عند الكافرين والفاجـرين ، فإن الله تعالى يملي للظالمين كما قال سبحانه وتعالى (( فَــلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَـتَحْنـَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُـواْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ {44} فَـقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَــلَمُواْ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {45} الأنعام )) ..

إن الله تعالى يفتح عليهم من أبواب هذه الدنيا حتى إذا انشغلوا بها وأصبحوا في غمرتها فإن الله تعالى يفاجئهم بنقمته ويفاجئهم بعذابه .. ولذلك لا ينبغي لمؤمن أن يغترَّ بما عند كافر من صنوف هذه الدنيا ومن ألوان المتع والزخارف ، فهذه مسألة تحتاج منّا إلى تأمل وخاصة أننا قد نجد بعض ضعاف الإيمان والعلم حينما يرون الخير كل الخير في بلاد كافرة ما زالوا يتنعمون بهذا يتساءل أنّى لهم ذلك ؟ هل معنى ذلك أن الله جلّ وعزّ قد رضي عنهم ؟ كـــلا ، وهذا ما أدّب به الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام (( وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُــمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِـنــفْتِــنَهُــمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّـكَ خَيْرٌ وَأَبْقَـى {131} طــه)) ..

أخي !! لقد سمعت ما سمعت وقد طرق هذا الحديث أذنيك ، وها أنت ترى فرعون حينما تهاوى وتلاشى ، وقد سمعت خبر قارون الذي كان يمتلك ما يمتلك من الأموال الطائلة ، وها أنت تشاهد تلك الأقوام التي تميّزت بالقوة والمنعة ، أين هم ؟؟ أين مصيرهم ؟؟ أين ذهبوا ؟؟ بماذا استحقوا عقاب الله جلّ وعزّ ؟؟ هل فتشت عن جواب ؟؟ هل حاولت أن تبحث بماذا مضوا هؤلاء بتلك السيرة المؤلمة المؤسفة التي عاشوا من خلالها مراحل مؤلمة في حديث عن خسف ونسف وغرق وريح ؟؟ إنها الــمــعصــــــية التي استحقوا بسببها عقاب الله جلّ وعزّ , إنه الـظـلـم الذي مارسوه فكانت تلك النتيجة المؤلمة .. 

فهل أنت من الظالمين ؟؟ هل أنت ممن مشى على سيرة هؤلاء وإن كان بصورة أقل ؟؟ فإن العقاب قد يطالك يومًا .. تذكر! أن أبواب التوبة قد فتحت بين يديك ، وأنها فرصة أن تصفي حساباتك في الدنيا ، وأن تعود إلى تلك الشخصيات التي مارست ظلمًا معها حتى لا ينتقم منك الجبـــار ..

أما زلت مقيمًا على خطاياك وعلى معاصيك ، ألا تخشى أن يأخذك الله تعالى أخذ عزيز مقتدر ؟ أما زلت مصرًّا على المعصية لا تخرج منها باستغفار ؟ الصالحون يقتربون من ربهم وينوبون إليه وإذا أذنبوا فشردوا بعيدًا عن منهجه عادوا إليه من قريب (( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَـلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْـفَـرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْـفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ{135} آل عمران )) هل لا زلت مصرًّا على المعصية ؟ هل لا زلت مصرًّا أن تعرّض نفسك لغضب الله وانتقامه وعذابه ؟؟

تذكر !! قول الله عزّ وجل ّ (( حَـتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قــَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ {99} لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ  كَلَّا إِنَّهَا كَـلِمَةٌ هُوَ قـَـائِلُهَا وَمِن وَرَائِـهِم بَـرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُــبْعَــثُــونَ {100} المؤمنون ))

فهل تتمنى أن تقول مثل هذه العبارة ؟؟ وأن تطلب مثل هذا الطلب ؟؟ ها هي الدنيا قد فتحت أبوابها مرحبة بك أن تفتش عن توبة في داخلها حتى تتجاوز ما سقط فيه الآخرون من عقاب الله عزّ وجلّ ..

وعلي أهمس بهمسة في أذن كل إنسان ما زال على معصية ، أو ما زال مغضبًا لربه ، أو ما زال ظالمًا في حياته أنظره الله وأملى له ولم يعاقبه ، أقول : أسرع بالأوبة والتوبة قبل أن ينزل بك العذاب ، واعلم أن الله قد يرسل إليك إشارات خفية وقد ينظرْك لأنه والله يحبك .. يحبك ، يترك لك المجال أن تعود إليه وأن تنيب ، فإذا استمررت في غفلتك وفي إعراضك وفي ابتعادك فأعوذ بالله أن تكون من الذين ينزل بهم عقاب الله عزّ وجلّ ..

اتصل بي أحدهم قصته غريبة ، يقول لي :[ ذهبت إلى الحرم ، كنت نازلًا من الطائف إلى جدة فمررت بمكة وبجوار الحرم أخذت شيئًا من ماء زمزم لأشربه ، فوالله ما أن بدأت أشرب ماء زمزم حتى أخذ فمي ينهمر بالدم يسيل أمامي , دماء شديدة تخرج من فمي حتى خفت ثم نظرت إلى وجهي في زجاج أمامي فإذا بالوجه قد انقلب إلى اللون الأسود - يقول لي : كما تجعل يدك في الفحم - ثم ما لبث ذلك اللون إلا دقائق وبدأت أمسح الوجه وبعد دقائق زال ذلك اللون أتصل بي يسألني .. سألته ، قلت له : بالله عليك كيف أنت مع ربك ومولاك ؟؟  أخبرني بأنه يعيش في أرغد عيشة لكنه مقصّر في جنب الله ، يصلي أحيانًا ويترك الصلاة أحيانًا أخرى ، غافل عن ربه ومولاه .. قلت له : خفت ! خفت من ذلك الدم ؟؟ وخفت من ذلك اللون ؟ قال : نعم ! قلت له : يا سبحان الله !! خفت من لون أسود في وجهك في الدنيا ، ألم تخف من يوم تسودُّ فيه وجوه وتبيضُّ وجوه ؟؟ أما خفت أن يسود وجهك في ذلك اليوم ؟ أما خفت أن تعذب في ذلك اليوم ؟ أما خفت أن تلتهمك نار جهنم في يوم القيامة ؟؟ تب إلى الله وعد إلى الله واعلم أن الله يحبك لأنه لم يقبضك على هذه المعصية !!!

وكذلك كل من عصى الله وظلم عباد الله يحمد الله أن الله لم يقبضه على تلك المعصية .. لأنه لو مات على تلك المعصية فإنها فضيحة الدنيا وخزي الآخرة ..

أسأل الله أن يسترني وإياكم في الدنيا وفي الآخرة ..
يتبع 





0 أضف تعليق:

إرسال تعليق

أخي الزائر/أختي الزائرة:
قبل أن تكتب تعليقك ،تذكر قول الله تعالى :

{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية(18)

.๑. (النور جل جلاله) .๑.

لماكان النور من أسمائه سبحانه وصفاته كان دينه نورا،ورسوله نورا،وكلامه نورا، ودار كرامته لعباده نورايتلألأ،والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين،ويجري على ألسنتهم،ويظهر على وجوههم،ويتم تبارك وتعالى عليهم هذا النور يوم القيامة