الجمعة، 14 أكتوبر 2011

عظمته سبحانه وتعالى (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة برنامج ذكرى

عظمته سبحانه وتعالى (1)

الله عزَّ وجل ربُّ الأرباب ..ومُسبّبُ الأسباب ..هو سبحانه العظيم الجليل ..هو سبحانه الذي تلجئ إليه النفوس ..وتخضع له الرقاب تعظيماً وإجلالاً وإكبارا..

سبحانه وتعالى ما أعظمه ..سبحانه وتعالى العظيم الذي قد كمُل في كل أنواع عظمته جلَّ جلاله وتقدَّست أسمائه ..
إيته من سمعه فهو عظيم ..من كرمه فهو عظيم ..من كبريائه فهو عظيم ..من قدرته فهو عظيم ..من حلمه فهو عظيم ..

إنّه الله العظيم في خلقه ..العظيم في ذاته ..العظيم في قضاءه وقدره وتدبيره للكون..إنّه الله العظيم

كيف لإنسان أن يجهل عظمة الخالق ,الذي خلق السماوات والأرض وأبدعها وزيّنها ,كيف لإنسان أن يجهل عظمة الخالق وهو الذي شقَّ الأرض بالأنهار وأجرى فيها المياه وسخَّر البحار وجعلها للناس .

يتأمّل الإنسان في خلق الله ولا يملك إلّا أن يقول {سبحان الله
ما أعظم الله ..سماء تحتوي على مجرّات وكواكب ونجوم ,وخلق عظيم كل هذا الرتل من خلق الله ..

ما أعظمه سبحانه وتعالى في خلقه وهو سبحانه وتعالى الذي رفع السماء بغير عمد ,وأقام السماوات سبحانه وتعالى على خلق عظيم ,حتى قال رسولنا عليه الصلاة والسلام :{ أطّت السماء وحُقَّ لها أن تئط ,ليس فيها موضع أربع أصابع إلّا وعليه ملك قائم أو ساجد } .

إذا أردت أن تُدرك عظمة الخالق فتأمّل قول الله عزَّ وجلَ ((وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ))[الزمر:67]

تأمّل يا رعاك الله ,تأمّل هذه اللحظات والدقائق لتُدرك عظمة الخالق جلَّ جلاله وتقدّس سلطانه .

السماوات السبع بما فيها ,والأرضيين السبع بما فيها ,وتأمّل أن بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام ,وبين كل سماء إلى السماء التي تليها مسيرة خمسمائة عام ,وسُمك كل سماء مسيرة خمسمائة عام ,و فوق السماوات السبع حملة العرش ,وحملة العرش أُذن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يُحدّث عن أحدهم يقول عليه الصلاة والسلام :{أُذن لي أن أحدّث عن ملك من حملة العرش ..رجلاه في الأرض السفلى وعلى قرنه العرش (أي على رأسه العرش) وبين شحمة أُذنه وعاتقه خفقان الطير سبعمائة عام ,يقول ذلك الملك : سبحانك حيث كنت } , كل هذه العظمة يقبضها المولى بيمينه جلّ شأنه .

دخل حبر من أحبار اليهود على النبي صلى الله عليه وسلم وقال :{ يا محمد..بلغنا أنّ الله يوم القيامة يجعل السماوات على إصبع والأرضيين على إصبع ,والشجر والدّوابّ على إصبع ,وسائر الخلق على إصبع ثم يهزّهنَّ هزَّا} فتبسّم صلى الله عليه وسلم وتلى قول الله تعالى ((وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ))[الزمر:67] .

هذه السماوات كلها بأجرامها وأفلاكها ,بمجرّاتها ,بشموسها وأقمارها ,هذه السماوات كلها كحلقة ملقاة بصحراء ممتدّة ,يقول عليه الصلاة والسلام والحديث في صفة العرش بإسناد صحيح وكذلك رواه ابن جرير في تفسيره ,يقول صلى الله عليه وسلم :{ ما السماوات السبع في الكرسي إلّا كحلقة ملقاة بأرض فلاة ,وفضل  العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة } يا لله ..إذا كان هذا هو شأن السماوات وكان ذلك هو شأن الكرسي الذي هو موضع القدمين كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما { والكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدّر قدره إلّا الله } فكيف الحال بالمخلوق العظيم ألا وهو العرش الذي استوى الله سبحانه وتعالى عليه كما أخبر الله تعالى في آيات كثيرة ,ولذلك فإن الله تعالى نسب نفسه إلى العرش فقال ((ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ))[البروج:15] سبحانه وتعالى .

أتأمّل في هذا الكون ..من الذي خلقه ؟؟ هذا الإعجاز العظيم ,أفلاك هائلة ,سماوات متباعدة ,ورد في الحديث أن ما بين السماء والسماء خمسمائة سنة ,والله أعلم بمسير من !! ثم بعد ذلك البحر ,ثم بعد ذلك الكرسي ثم بعد ذلك العرش ,أفلاك لا يستطيع الإنسان أن يتصوّرها إلّا أن يقف حائراً أمامها ويسبّح الله سبحانه وتعالى ((فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ))[الواقعة:74] .

وإذا أردت أن تتأمّل هذه العظمة ,فانظر إلى قول المصطفى صلى الله عليه وسلم :{ ما السماوات السبع والأرضيين السبع في يدي الرحمن جلَّ شأنه إلّا كحبّة خردل في يدي أحدكم } ..

خلق الملائكة على أعظم خلق كما قال عزَّ وجل ((جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))[فاطر:1] , خلق الله جبريل عليه السلام ..تأمّل عظمة الرحمن في خلق جبريل عليه السلام ,خلقه وله ستمائة جناح ,رآه المصطفى عليه الصلاة والسلام وهو يسدُّ الأفق ولكنَّ هذه العظمة مع خوف الرحمن وتعظيمه جلَّ وعلا تحوَّل هذا الملاك العظيم عند عظمة الرحمن تعالى إلى شيء كالشنِّ البالي ,يقول عليه الصلاة والسلام :{رأيت جبريل ليلة أسري بي كالشنِّ البالي من خشية الله } كالشنِّ البالي من مخافة الله تعالى ,كالقربة المهترئة وما ذلك إلّا لتعظيم الله سبحانه وتعالى .

والملائكة لأنهم يشاهدون من عظمة الله تعالى ما لا نشاهد ,ويعلمون من عظمة الله تعالى ما لا نعلم أخبر الله تعالى أنهم ((لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ))[التحريم:6] ,وأخبر تعالى أنهم ((يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ))[الأنبياء:20] فهذا التسبيح الذي لا يفتر ولا ينقطع منبعث من تلك العظمة العظيمة ,وهذه الطاعة التي لا تعرف العصيان ولا تعرف العوج إنما هي منبعثة من استشعار العظمة الهائلة لله تبارك وتعالى .
إنّه الله العظيم ..الذي عرفت المخلوقات عظمته سبحانه وتعالى فخرّت صاغرة ..ذليلة ..منكسرة مطاوعة له سبحانه وتعالى ,يخلق السماوات ويخلق الأرضيين ثم يأمرها بالإتيان ((اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ))[فصلت:11] .

تأمل في نبات الأرض وانظر
إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصات
بأحداق هي الذهب ألسبيك
على قضب الزبرجد شاهدات
بأن الله ليس له شريك

نعم ... ليس له شريك في هذه العظمة ..ليس له شريك في هذه القدرة ..ليس له شريك في هذا العلم ..في هذه الحكمة ..لأنه عظيم سبحانه وتعالى عظمة مطلقة ..

إذاً تأمّــل في مخلوقات الله ,تأمّــل في نفسك ستجد عظمة الله سبحانه وتعالى بيّنة ,إنَّ هذا الكون كله يشهد بلسان حاله ويعلن أنَّ الذي يستحق العبادة والتبجيل المطلق والتوقير المطلق ,وأنَّ الذي له السموّ المطلق والعلوّ المطلق هو الله عزَّ وجلَّ وحده لا شريك له .

بمثل هذا التأمّل ..هذا التفكّر ..قل انظروا ماذا في السماوات والأرض ((أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ))[الغاشية:17] ,((وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ))[الذاريات:21] هذه كلها تثمر في قلبك التعظيم والإجلال للربِّ سبحانه وتعالى .

سبحانك ...من ليس لعظمته ابتداء,ولا لجلاله انتهاء ...
سبحانك ...من له العزّة والعظمة ,والمجد والكبرياء ...
سبحانك ...من لا تحيط أوصاف المخلوق بكل عظمته ,ولا يدرك ثناءهم عظيم جلاله وقدرته...

سبحانك ...أنت كما أثنيت على نفسك ,و فوق ثناء خلقك ..
إذا أردت أن تدرك عظمة الله عزَّ وجل فالزم كتابه ,وانظر إلى أسمائه وصفاته ,تعرّف على ربك بما له من أسماء وصفات تليق بجلاله وعظمته ,يُشير ابن القيّم عليه رحمة الله إلى هذا المعنى فيقول :[ إنَّ معرفة منزلة عظمة الله عزَّ وجل لا تُنال إلّا إذا عرف العبد ما لله عزَّ وجلّ من صفات تليق بجلاله وعظمته ] .

ولعلَّنا نتذكّر ما أخبر الله سبحانه وتعالى به وقاله في سورة البقرة في آية الكرسي وهي أعظم آية في القرءان لأنها تتحدّث عن العظيم سبحانه وتعالى ,إذ ينبغي للعبد أن يقف عندها حين يقرؤها وهو ينام ,حين يقرؤها في دبر الصلوات ,حين يقرأ هذه الآية في كل حال أيستشعر عظمة الله ؟؟! أيُدرك هذه العظمة ؟! ((اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ)) تفكّر عبد الله ..تفكّري أمة الله , تفكّري وأنتي تقرئين هذه الآية ,وأنتي تنامين ..أنت تنام ,ولكنَّ الله تعالى لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ,لا تأخذه سنة ..لا تأخذه غفلة سبحانه وتعالى ,وإنما هو الله جلَّ جلاله الذي لا تأخذه غفلة ناهيك عن أن يأخذه شيء مما ينتاب الناس من الموت أو نحوه سبحانه وتعالى ((وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا))[الفرقان:58] .

وفي نهاية هذه الآية نجد ذكر عظمة الله تبارك تعالى ((وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَأوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤودُهُ حِفْظُهُمَا)) لا يُكرثه ولا يُفقره سبحانه وتعالى أن يتحمل السماوات ,وهنا سؤال لماذا لا يؤوده حفظهما لماذا لا يُثقل على الله سبحانه وتعالى أن يحمل السماوات والأرض ؟؟
 لأنه عظيم ..لأنه عظيم .

فمن لوازم عظمته عزَّ وجل أنّه له العظمة المطلقة ..أنَّ الله سبحانه وتعالى عظمته لا تُحدُّ بحد ,ولا يُتصوّر أبداً ..لا يُتصوّر له نهاية أو غاية ,ولذلك أمرنا الله سبحانه وتعالى بقوله ((فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ))[الواقعة:74] لأنه يستحق هذا التسبيح والتنزيه المطلق لأنه عظيم .

ثمَّ ما ذكر الله تبارك وتعالى في آخر سورة الحشر في ذكر عظمته في أسمائه وصفاته ,وعظمته في كتابه الذي أنزله على رسوله عليه الصلاة والسلام ((لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ))[الحشر:21]
ما أعظم ما في هذا القرءان مما يُحدث تصدّع الجبال وتصدّع قلوب المؤمنين..إنه أسمائه وصفاته..إنّه نعوته سبحانه وتعالى ,ولذلك أردف الله تعالى بسرد أسمائه وصفاته عقب ذلك فقال عزَّ وجلّ ((هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ))[الحشر:22ــ 24] .

هنا أُذكّرك بالسورة التي تعدل ثلث القرءان ..سورة الإخلاص ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ )) الله الصمد .
هذه الآية التي يقول عنها ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الصمد الذي تصمد إليه الخليقة كلها لحاجاتها ,إنَّ الخلائق كلها تصمد لله سبحانه وتعالى ..ترجع إليه جلَّ وعلا ,فما من شيء إلّا وهو بحاجة إليه جلَّ وعلا أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ,ليس هناك من شيء قائم على كل نفس وما من نفس تقوم عليه إلّا الله جلَّ وعلا ,ولذلك يقول ابن عباس رضي الله عنهما في شأن الصمد يقول :{ الصمد هو السيّد الذي قد كمُل في سؤدده ,والعظيم الذي قد كمُل في عظمته ,والحليم الذي قد كمُل في حلمه ,والعليم الذي قد كمُل في علمه ,وهو الذي قد كمُل في جميع أنواع الشرف والسؤدد } .

ولو أدركنا فعلاً حقيقة هذه العظمة لما توجّه الناس قاطبة إلّا إلى هذا العظيم سبحانه وتعالى ,وحتى هذه من الناحية المنطقية ألّا يتوجّه الناس إلّا إلى من يملك القدرة المطلقة ومن له العظمة المطلقة ,ومن عنده العطاء المطلق والكرم المطلق والمغفرة المطلقة ,لكن لأنّ الناس جهِلوا هذه العظمة ,جهِلوا هذه الصمدية لله سبحانه وتعالى فتوجّهوا إلى المخلوقين ,أصبحوا يطوفون حول القبور ويذهبون إلى الأولياء يطلبون منهم المدد ,الذي يملك هذا المدد هو الله سبحانه وتعالى صاحب العظمة المطلقة .

ثم أنَّ هذه السورة قد أتت على كل جوانب عظمته في توحيده وإفراده في العبادة ,فهو سبحانه وتعالى أحد في أسمائه وصفاته وأفعاله ,وهو سبحانه وتعالى صمد في كل أسمائه الحسنى وصفاته العُلى ,ثمَّ هو سبحانه وتعالى ليس كبقية الخلق لم يلد فيكون له سبحانه وتعالى أولاد فيكون له فرع ,ولم يولد فيكون له آباء ,ولم يكن له كفواً أحد فيكون له نظراء ,فليس له فرع ولا أصل ولا نظراء بل هو قائم بذاته سبحانه وتعالى ..

إلهي ..أنت الموصوف بالكمال أكمله ..وبالجلال والعظمة أوسعه ..

إلهي ..علمك بكل شيء محيط ,لا ينقص إلّا كما ينقص من البحر المخيط ..
إلهي ..ذكرك نهم الأفئدة الزاكية ,وتعظيمك مأوى النفوس الراضية ..
إلهي ..إذا بارزك المذنبون بالمعاصي ,فإنَّ تعظيمك قد أخذ من أولياءك بالنواصي ..
إلهي ..أسكن خشيتك قلوبنا ,وأملئ بمخافتك نفوسنا ..
إلهي ..لا عظيم إلّا ما عظّمته ,ولا رافع لما وضعته ..

لقد كان محمد صلى الله عليه وسلم مُعظّماً لخالقه ومولاه ,كان يُدرك أنَّ الله هو المستحقُّ للعبادة ,ولذلك لمّا جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُدرك فضل محمد ومكانته عند ربّه ومنزلته عند خالقه قال :{ يا رسول الله ,إنَّا نستشفع بالله عليك } فغضب النبي عليه الصلاة والسلام ثم سبّح الله ربّه { سبحان الله ,,سبحان الله ,, سبحان الله ...} فما زال يسبّح حتى عُرف ذلك في وجوه أصحابه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم ,ثمَّ قال :{ يا هذا ..أتدري من الله ؟؟ إنَّ الله لا يُستشفع به على أحد من خلقه } جلَّ جلاله وتقدَّس سلطانه .
ألا ما أعظم تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم لربّه وهو يقف بين يديه في الصلاة ..تقول إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم :{ كان النبي صلى الله عليه وسلم يُضاحكنا ,يمازحنا ,يجلس معنا يتحدّث معنا ,فإذا أذّن المؤذّن كأنّه لا يعرفنا }
نعم ..جاء الموعد الخاص بربّه سبحانه وتعالى ,ولماذا يُعظّم هذا الموعد ؟ لأنه يُعظّم صاحبه وهو الله عزَّ وجل ,فإذا قام في الصلاة عليه الصلاة والسلام فإنه كان يكون مع الله جلَّ وعلا تعظيماً وإجلالاً ,بل يستشعر ذلّه وانكساره ..بل يستشعر عبوديته يوم أن يقف بين يدي الله عزَّ وجل فتذرف عينه دمعا ,وكان له أزيز كأزيز المرجل من البكاء عليه الصلاة والسلام , ولربمّا التفت إلى الصحابة بعد صلاته فوعظهم موعظة عظيمة مما وجد من تعظيم الله تعالى وإجلاله ,أليس هو الذي وقف أمام الصحب الكرام يوم أن صلّى بهم صلاة خسوف أو كسوف فقال صلى الله عليه وسلم :{ يا أمّة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً و لبكيتم كثيراً و لخرجتم إلى الصُعدات تجأرون إلى الله ,ولما تلذّذتم بالنساء على الفرش } .

إنّه صلى الله عليه وسلم يُبيّن لأصحابه عظمة مولاه جلَّ وعلا ,وهو صلى الله عليه وسلم قد وجد ذلك في صلاته ,وجد ذلك في مناجاته لربه سبحانه وتعالى .

ولذلك كان سلف هذه الأمّة يسيرون على نهج محمد في تعظيمهم لخالقهم وبارئهم ,يُدركون لله قدره ,ويعرفون لله منزلته ,ذلك الصدِّيق رضي الله عنه الذي كان يُعظّم الله سبحانه وتعالى كل تعظيم فيُنفق ماله كله في سبيل الله ,وذاك عمر رضي الله تعالى عنه الذي كان يأمر بأن توضع خدّه على الأرض وكان يقول :{ ويل لعمر ولأم عمر إن لم يرحمني الله تعالى } وكان يقول :{ ليتني أخرج من هذه الدنيا كفافاً لا لي ولا علي } .

وتأتيه امرأة عجوز من نساء المسلمين فتستوقفه وتقول له :{ أمير المؤمنين عمر ..كنت عُمير ثمَّ غدوت عمرا ثم أصبحت أمير المؤمنين ..فاتقي الله يا عمر } فيسكت عمر ويُذعن ويطأطئ الرأس حتى يقول بعض جلسائه :{يا أمير المؤمنين تُذعن لامرأة عجوز وتستمع إليها فيما تقول } قال :{ ويلك ..ويلك ,ألا تدري من هذه ؟؟ هذه التي استمع الله قولها من فوق سبع سماوات ,أولا يسمع عمر لها } استشعر عمر أن الله العظيم قد استمع لهذه فلماذا لا يستمع عبد الله لها ,لماذا لا يستمع عمر لها وقد استمع سيّده ومالكه العظيم سبحانه وتعالى لها ((قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا)) [المجادلة:1] .

ولذلك كان يقال عن الحسن أو عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه أنه كان إذا توضّأ انتفض واصفرَّ وجهه فيقولون : لماذا ؟ فيقول :{ أتعرفون من سأقابل} ,إنها إجابة واضحة وبيّنة {أتعرفون من سأقابل } أنا سأقابل ربي سبحانه وتعالى ,الإنسان إذا كان عنده موعد مع ملك أو وزير ينتفض ويستعد لهذا اللقاء قبله بخمسة أيّام ويُخبر البقية أنا عندي موعد مع الوزير ,عندي موعد مع الملك ,هذا عنده موعد مع ملك الملوك سبحانه وتعالى ..

ومن جميل ما ذكر بعضهم من قصة لبعض من أسلم في كتاب التوّابين كما ذكر ذلك عبد الواحد رحمه الله تعالى أنه قال :[ ركبنا في سفينة بحرية فلعب بنا الموج زمناً فجئنا إلى جزيرة من جزائر البحر وإذا في الجزيرة رجل يعبد صنماً ,فقلنا : يا عبد الله ,ما هذا الذي تعبد ؟!! فقال : هذا إلهي ,فقلنا : عندنا في السفينة من يسوّي خيراً من هذا ,قال : يا قوم وأنتم ماذا تعبدون ؟؟ قلنا : نعبد الله ,قال : ومن الله ؟؟! قلنا : الله الذي في السماء عرشه ,وفي الأرض سلطانه ,قال : كيف عرفتم الله ؟؟! قلنا: عرفناه بأن أرسل إلينا رسولاً فبلّغ الرسول رسالة الملك ,قال: وهل ترك من علامة ؟؟ قلنا : نعم ,ترك كتاب الملك ,قال: فأروني كتاب الملك فينبغي لكتب الملوك أن تكون حسانا ,فأخرجنا له المصحف فأخذنا نقرأ عليه شيء من القرءان ويبكي ,نقرأ ويبكي ,فقال : ينبغي لمثل هذا الإله أن لا يُعصى فأسلم وركب معنا في السفينة ,فلما جنَّ علينا الليل وأوينا إلى فرشنا قال : يا قوم ..هذا الإله الذي دللتموني عليه هل ينام ؟؟ ,قلنا له : لا يا عبد الله إنه حي قيوم لا ينام ,فقال : بئس العبيد أنتم تنامون ومولاكم لا ينام ,قال : فأعجبنا كلامه ,فلما جئنا إلى البلدة جمعنا له شيئاً من المال ,فقال : ما هذا ؟؟ قلنا له : يا عبد الله هذا مال تنفقه فأنت رجل غريب ,قال : لا إله إلّا الله ..دللتموني على طريق ما سلكتموها ,كنت هنالك في جزيرة من جزائر البحر أعبد صنماً وما ضيّعني ,أفيُضيّعني وأنا أعرفه ,قال فما هي إلّا أيام والرجل في مرض الوفاة فلما جئنا نعوده قلنا : يا عبد الله هل لك من حاجة سنقضيها ,قال : قضى حوائجي الذي جاء بكم إلى جزيرتي ثمَّ مات على ذلك ] ..

هذا رجل عرف الله تعالى فعظّمه فانعكس تعظيم الله تعالى على فؤاده فنطق بهذه الكلمات من كلمات الحكمة ..
يتبع ..








0 أضف تعليق:

إرسال تعليق

أخي الزائر/أختي الزائرة:
قبل أن تكتب تعليقك ،تذكر قول الله تعالى :

{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية(18)

.๑. (النور جل جلاله) .๑.

لماكان النور من أسمائه سبحانه وصفاته كان دينه نورا،ورسوله نورا،وكلامه نورا، ودار كرامته لعباده نورايتلألأ،والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين،ويجري على ألسنتهم،ويظهر على وجوههم،ويتم تبارك وتعالى عليهم هذا النور يوم القيامة