السبت، 11 ديسمبر 2010

تابع لسلسلة "قلوب الصائمين "1

 
بســم اللـه الــرحـمــن الــرحــيـم

قـــلـــوب الصـــــــائــميـــن

فــضــيلــة الشـيـخ سـعــد ابـن نـاصــر الشــثـري

تـــدبــّر القـــــــــــــرءان
الحمد لله الذي أنزل القرآن شفاء لما في الصدور .. وهدى وموعظة للمتقين .. وأشهد أن لا إله إلا الله كلامه صدق وحق مبين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين ، صلى الله عليه وعلى آله و أصحابه وسلم تسليماً كثيرا .
أما بعد ..

فإن من عبادات قلوب المؤمنين ، تدبر القرآن ، وخصوصاً في شهر رمضان ، قال تعالى) شهرُ رَمَضَان الّذي أُنزِلَ فِيهِ القُرآن هُدىً لِلنّاسِ وَبيّناتٍ من الهُدَى والفُرقَان(.

ومن أعظم القُربات
، وأعظم المواعظ ، وأفضل أسباب حياة القلوب .. تدبر القرآن ، والتفكّر في قصصه ومواعظه ، وحججه وبيّناته وأدلّته ) لَو أنزَلنَا هَذَا القُرءَانَ عَلَى جَبَل ٍلَرَأيتَهُ خَاشِعَاً مُتَصَدِّعَاً مِن خَشيَةِ الله (.

أيها المؤمن
.. اسمع ربك وخالقك المتصرف في الكون يقول ) وكَم أهلَكنَا قَبلَهُم مِن قَرن ٍهُم أشدُّ مِنهُم بَطَشَا فَنَقّبُوا فِي البلادِ هَل مِن مَحِيص إنَّ في ذَلِكَ لَذكرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلبٌ أو ألقَى السَمعَ وَهُوَ شَهِيد(.

قال ابن القيّم رحمه الله في تفسير هذه الآية
:{ الناس ثلاثة رجال : رجل قلبه ميت ، فذلك الذي لا قلب له ، فليست هذه الآية ذكرى في حقّه ، وهو بمنزلة الأعمى الذي لا يبصر . والثاني رجل له قلبه حي مستعد ، لكنه غير مستمع للآيات المتلّوه التي يخبر الله بها عن الآيات المشهودة ، إما لعدم ورودها إليه ، أو لوصولها إليه وقلبه مشغول عنها بغيرها ، فهذا أيضاً لا تحصل له الذكرى ، مع استعداده ووجود قلبه ، فهو بمنزلة البصير الذي يشاهد جهة غير الجهة التي يستفيد من النظر إليها والثالث رجل قلبه حي ،حي القلب ، مستعد ، تُليت عليه الآيات ، فأصغى بسمعه وألقى السمع وأحضر القلب ، ولم يشتغل بغيره ، فهو شاهد القلب ، مُلقى السمع ، فهذا الذي ينتفع بالآيات المتلُوة والمشهودة .}

فمن كان له قلب وقّاد
، يستخرج العبر ويتفهّم المعاني من الكتاب العزيز، فهذا الذي يكون للآيات القرآنية نور في قلبه وهؤلاء هم أكمل خلق الله ، وأعظمهم إيماناً وبصيرة .
وقال تعالى) أفلا يَتَدَبّرُونَ القُرآن أم عَلَى قُلُوبٍ أقفَالُهَا ( وهذا إنكار على من يعرض عن تدبر القرآن ، وقال )أفَلا يَتَدَبّرُونَ القُرآن ولَو كَانَ مِن عِندِ غَيرِ اللهِ لَوَجَدُوا فيهِ اختِلافَاً كَثيرَا(.
وقال ) أفَلَم يَدبّرُوا القَولَ أم جَاءَهُم مَا لَم يَأتِي آبَاءَهُمُ الأوَلِين( وقال ) كِتَابٌ أنزلنَاهُ إليكَ مُبَارَكٌ لِيَدَبّرُوا آيَاتِهِ ولِيَتَذَكَّرَ أولُوا الألبَاب(.

وقد ذم الله جلَّ وعلا المعرض عن هذا القرآن
، بما يشمل المعرض عن تدبّره ، قال تعالى) ومَن أظلَمُ مِمّن ذُكِّرَ بِآياتِ رَبّهِ فَأعرَضَ عَنهَا ( وقال) ومَن أظلَمُ مِمّن ذُكّرَ بآياتِ رَبّهِ ثُمَُّ أعرَضَ عَنهَا ( .
ومن لم يشتغل بتدبّر آيات هذا القرآن العظيم ، أي لم يشتغل بتفهّمها وإدراك معانيها والعمل بها ، فإنه معرض عنها ، غير متدبر لها ، فيستحق الإنكار والتوبيخ المذكورة في هذه الآيات .

وترك تدبر القرآن من أنواع هجر القرآ
ن الداخل في قول الله تعالى) وَقَالَ الرَسُولَ يَا رَبّي إنّ قَومِي اتَّخَذُوا هَذَا القُرآنَ مَهجُورا(.

قال العلّامة الشنقيطي
:{ الحق الذي لا شك فيه ، أن كل من له قدرة من المسلمين ، على التعلم والتفهم وإدراك معاني الكتاب والسنّة ، يجب عليه تعلمهما ، والعمل بما علم منهما }.

إن من أعظم ما يدعو الإنسان إلى التدبر في كتاب الله
، ما احتواه هذا الكتاب من الخير العظيم ، قال تعالى) يا أيُّهَا النّاسُ قَد جَاءَكُم بُرهَانٌ مِن رَبِّكُم و أَنزَلنَا إليكُم نُورَاً مُبِينَا ( وقال )قد جَاءَكُم مِنَ اللهِ نُورٌ وكِتَابٌ مُبِين يَهدِي بهِ اللهُ مَنِ اتّبَعَ رِضوَانَهُ سُبُلَ السّلام ويُخرِجُهُم مِنَ الظُلُمَاتِ إلى النورِ بِإذنِهِ ويَهدِيهِم إلى صِرَاطٍ مُستَقيم ( وقال )ما كُنتَ تَدرِي مَا الكِتابُ ولا الإيِمَان ولَكَن جَعلنَاهُ نُوراً نَهدِي بِه مَن نَشَاءُ مِن عِبَادِنَا ( ، فإذا كان القرآن نورا .. فكيف تعمى بصيرة عاقل عن الاستضاءة بذلك النور .

ومن فضل الله علينا في عصرنا الحاضر
، أن استجد لنا من وسائل التقنية وألآت الاتصال ، ما يمكّن المرء من قراءة القرءان وسماعه ، وتدبره في أي مكان ، مما يسهّل عليه فهم القرءان وتدبره .

قال الثعالبي
:{ تدبر القرءان كفيل لصاحبه بكل خير }

وقال ابن سعدي
:{ كتاب أنزلناه إليك مبارك ، فيه خير كثير وعلم غزير ، فيه كل هدى من ضلالة ، وشفاء من داء ، ونور يستضاء به في الظلمات ، وفيه كل حكم يحتاج إليه المكلفون ، وفيه من الأدلة القطعية على كل مطلوب ، ما كان به أجلَّ كتاب طرق العالم منذ أنشئه الله ، ليدبروا آياته (أي هذه الحكمة من إنزاله ) ليتدبر الناس آياته فيستخرجوا علمها ، ويتأملوا أسرارها وحكمها ، فإنه بالتدبر فيه والتأمل لمعانيه ، وإعادة الفكر فيها مرة بعد مرة ، تدرك بركته وخيره }.
وهذا يدل على الحث على تدبر القرءان وأنه من أفضل الأعمال ، وأن القراءة المشتملة على التدبر، أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود .

وبحسب لب الإنسان وعقله
.. يحصل له التذكر والانتفاع بهذا الكتاب .

وقال ابن القيم
:{ فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده وأقرب إلى نجاته ، من تدبر القرءان وإطالة التأمل فيه ، وجمع الفكر على معاني آياته ، فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرها ، وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما ومآل أهلهما ، وتضع في يده مفاتيح كنوز السعادة ، والعلوم النافعة ، وتثبّت قواعد الإيمان في قلبه ، وتريه أيام الله في الأمم السالفة ، وتبصّره بمواقع العبر ، وتشهده عدل الله وفضله ، وتعرّفه ذاته وأسماءه وصفاته ، وأفعاله وما يحبه وما يبغضه ، وصراطه الموصل إليه }. ومفتاح حياة القلوب ، تدبر القرءان ، والضراعة بالأسحار ، وتوبة العبد وتركه للذنوب .

والذي يدعوا لتدبر القرءان عدد من الأمور .. منها :

أولاً
: طاعة أمر الله جلَّ وعلا الذي أمر بتدبر القرءان ، قال تعالى) إنّا جَعَلنَاهُ قُرءَانَاً عَرَبِيَاً لَعَلّكُم تَعقِلُون (.
وثانيها : أن تدبر القرءان ،يعرف العبد بمعالم الخير والشر ، وطرقهما وثمراتهما ، ومآل أهلهما ، وكيفية التمييز بينهما .
وثالثها : أن تدبر القرءان ، يثبّت الإيمان في القلب ، ويرسّخه بقواعد متينة .
ورابعها : أن تدبر القرءان ، يزيد في عقل الإنسان ، من خلال مطالعة عواقب الأمور ،ومعرفة ما حلّ بالأمم السابقة .
وخامسها : أن بتدبر القرءان ، يعرف المرء معاني أسماء الله الحسنى ، ويتعرف على ما يحبه الله ويرضاه ، ويستجلب بذلك رضا رب العالمين وخير الدنيا وال آخرة .
وسادسها : أن المرء بتدبر القرءان ، يتمكن من تطبيق القرءان على نفسه ، بل وتعرّفه صفات نفسه ، ليتمكن من معالجتها بما يناسبها . وبتدبر القرءان ، تزول كثير من وساوس الشياطين ، ويتمكن المرء من صد هذا العدو عنه .
وأما الوسائل المعينة على تدبر القرءان ..فترتيل القرءان ، وحسن قراءته ، واختيار الأوقات المناسبة لقراءته ، وتفريغ القلب من المشكلات وقت قراءته ، ومراجعة تفسيره من السنّة النبوية ، وكلام أهل اللغة وما كتبه المفسّرون الموثوقون .
وأعظم من ذلك كله .. ســــــــؤال العـبد لـربه أن يـفـهمـه مـعـاني كـتـابـه .

وأما ثمرات تدبر القرءان
..فحدّث ولا حرج .. ثمرات تدبر القرءان ، أعظم من استيعابها من مثلي ،إذ إنني أُعلن عجزي عن استتمام ذكرها

فتدبّر القرءان إن رمت الهدى

فالعلم تحت تدبر القرءان
أسأل الله ـ جلَّ وعلا ـ أن يرزقنا وإياكم قلوباً تفهم كتاب الله .. وتعرف معانيه وتدرك أسراره .. كما أسأله ـ جلَّ وعلا ـ أن يفتح علينا وعليكم من أبواب فهم القرءان ما يقربنا إلى رضاه ، ويرفع درجاتنا عنده ، ويعلي منزلتنا في جنته ، ويجعلنا من المقربين عند رسله ، كما أسأله جلَّ وعلا أن يفتح لنا أسرار كتابه .

هذا ، والله أعلم ..
وصلّى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ....


 
بسم
الله الرحمن الرحيم




قــلـــوب الصـــائــميـــن



لفضيلة الشيخ سعد ابن ناصر الشثري



الحــــــــــــــــزن



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..

أما بعد...فإن من الأمور التي ترد إلى القلوب ..الحزن ،



والحزن هو ألم القلب لوقوع مكروه ، أو فوات محبوب في الماضي ، والحزن لا يجلب منفعة ولا يدفع مضرة ، فلا فائدة فيه .. وإذا لم يقترن بالحزن محرم ، فإنه يُعفى عنه لقول النبي صلّى الله وسلم : [ إنّ الله لا يؤاخذ على دمع العين ولا حزن القلب ، ولكن يؤاخذ على هذا أو يرحم ] وأشار إلى لسانه صلّى الله عليه وسلم .



وقد نهى الله المؤمنين عن الحزن ، فقال سبحانه ) ولا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوَنَ إنْ كُنتم مُؤمِنِين ( أي لا تضعف أبدانكم ولا تحزن قلوبكم بسبب ما أصابكم من المصائب ، فإن الحزن زيادة مصيبة .. وسببٌ لاستظهار عدوكم عليكم ، بل تشجعوا واطردوا عن قلوبكم الحزن ، إذ لا يليق بالمؤمن الحزن ، إذ أن المؤمن هو الأعلى الذي يرجو نصر ربه في الدنيا ، وهو الذي يؤمل رفعة الدرجة في الآخرة ، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلم لأبي بكر الصدّيق : [لا تحزن إنّ الله معنا ] لما كانوا في الغار في ليلة الهجرة ..



إن الشيطان يحرص على إيقاع الأحزان في قلوب أهل الإيمان ، كما ورد في الحديث ( لو، تفتح عمل الشيطان ) أي تفتح الحزن والجزع ،وهذا يضر ولا ينفع ، قال الله تعالى ) إنّمَا النّجْوَى مِنَ الشَيطَانِ لِيَحزَُنَ الّذِينَ آمَنُوا وَلَيسَ بِضَارِّهِم شَيئَاً الا بإذنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَليَتَوكّل ِالمُؤمِنُون (.


ومن الرؤيا المنامية ما يكون تحزيناً من الشيطان كما ورد ذلك في الصحيحين .

والنهي عن الحزن .. لأن الحزن يُضعف القلب ، ويوهِن العزم ، ويضرّ بالإرادة .



فالحزن مرض للقلب يمنعه من القيام ببعض وظائفه ، وإن كان الحزن ليس من اختيار العبد ، وإنما يقع في قلبه في أحيان كثيرة بدون أن يقصده ، وإنما المراد أن يحاول العبد رفع الحزن الحاصل في قلبه .



والحزن نوع من أنواع المصائب التي يكفّر الله بها الذنوب ، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلم : [ ما يصيب المسلم من نصب "أي تعب " ، أو وصب "أي مرض" ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم ،حتى الشوكة يشاكها الا كفّر الله بها من خطاياه .] متفق عليه ، وعلى العبد إذا وقع الحزن في قلبه أن يتجنب التسخّط من أقدار الله .



إن المؤمن حريص على إبعاد الحزن عن قلبه ، ولذلك كان من دعاء النبي صلّى الله عليه وسلم :[ اللهم إنّي أعوذ بك من الهم والحزن ] ، وفي الحديث :[ التلبينة تجمّ فؤاد المريض وتذهب ببعض الحزن ] والتلبينة هي الحساء أو الشوربة من البرّ أو الشعير وربما وضع معهما شيء من العسل أو اللبن .



والحزن فد يعرض لبعض عباد الله الصالحين ، كما قال تعالى ) حَزَنَاً ألاّ يَجدُوا مَا يُنفِقُون ( ولما جاء خبر موت أهل مؤتة ،جلس النبي صلّى الله عليه وسلم يُعرف فيه الحزن ، وقال صلّى الله عليه وسلم :[ إنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون] .

و الأولى بالعبد أن يسعى جهده في إزالة الحزن عنه ، فإن الحزن مضعف للقلب ، موهن للعزيمة ،لا يردّ من قضاء الله شيئا .



وإذا أصاب الحزن قلب المؤمن .. شكاه إلى ربه القادر على كل شيء ، كما قال تعالى عن يعقوب عليه السلام ) إنّمَا أَشكُوا بَثي وَحُزنِي إلى اللهِ وَاعلَمُ مِنَ اللهِ مَا لا تَعلَمُون ( .



ويمتنّ الله تعالى على بعض عباده بإبعاد الحزن عنهم ؛ كما قال سبحانه ) الا إنَّ أولِيَاءَ اللهِ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلاَ هُم يَحزَنُون الّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتقون لَهُمُ البُشرَى في الحَيَاةِ الدُنيَا وَفي الآخرة ( ، فالإيمان والتقوى من أسباب إبعاد الأحزان عن القلوب ..



ومن طرق إبعاد الحزن عن القلب إتباع هدي الله الوارد في كتابه ، كما قال سبحانه ) فَمَن اتّبَعَ هُدَاي فَلا خَوفٌ عَلَيهم وَلا هُم يَحزَنُون (.



إنّ الدار الخالية من الأحزان هي الجنّة ..كما قال تعالى ) الأخلاءُ يَومَئذٍ بَعْضُهم لِبعض ٍعَدو الا المُتّقِين يَا عِبَادي لا خَوفٌ عَلَيكُم اليَومَ ولا أنتم تَحْزَنُون ( ، وقال تعالى عن أهل الجنّة ) وَقَالُوا الحَمدُ للهِ الّذِي اَذهَبَ عَنّا الحَزَن إنّ رَبّنَا لَغَفُورٌ شَكُور(، وقال ) إنَّ الّذِينَ قَالُوا رَبُنَا الله ثُمّ استَقَاموا تتنزّلُ عَلَيهِمُ المَلائِكَة الا تَخَافُوا ولا تَحزَنُوا وابشِرُوا بِالجَنّةِ الّتِي كُنتم تُوعَدون(..



ومن هنا جاءت الشريعة بالنهي عن الحزن الذي قد يعتري بعض قلوب المؤمنين ، من أجل صدود غير المؤمنين عن دعوة الإسلام ، أو افتراءهم الكذب على المسلمين ، كما قال تعالى) قَد نَعلمُ إنّهُ لَيَحزُنُكَ الّذي يَقُولُون فَإنَهم لا يُكَذِبُونَك وَلَكنَّ الظَالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجحَدُوُن ( وقال ) ولا يَحزَنُكَ قَولُهم إنَّ العِزّةَ للهِ جَمِيعَاً هُوَ السَمِيعُ العَلِيم ( وقال ) يَا أيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحزَنُكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الكُفرِ مِنَ الّذِينَ قَالُوا آمَنّا بِأفوَاهِهِم وَلَم تُؤمِن قُلُوبَهم ( وقال ) واصّبِر وَمَا صَبرُكَ الا باللهِ ولا تَحزَن عَلَيهِم وَلاَ تَكُ في ضَيق ٍمِمّا يَمكُرُون ( وقال ) ومَنْ كَفَرَ فَلا يَحزُنُكَ كُفرُه إليَنَا مَرجِعَهم فَنُنَبِئَهُم بِمَا عَمِلُوا إنّ اللهَ عليمٌ بِذاتِ الصُدُور( ، وقال ) فَلا يَحزُنُكَ قَولُهم إنَّا نَعلَمُ مَا يُسِرّونَ وَمَا يُعلِنُون( وقال ) قُل سِيرُوا فِي الأرضِ فَا انظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُجرِمِين ولا تَحزَن عَلَيهم وَلا تَكُ في ضَيق ٍمِمّا يَمكُرُون ( وقال ) فَلا تَذهَب نَفسُكَ عَلَيهِم حَسَرَات( وقال ) لَعَلّكَ بَاخِعٌ نَفسَكَ الا يَكُونُوا مُؤمِنِين(.

إنّ المؤمنين لا يحزنون إذا حصل انتصار مؤقت لأعدائهم عليهم ، فإن الآخرة خالصة لهم ، وإنّ العاقبة الحميدة في الدنيا تكون لهم ، وما حصل ذلك الانتصار لأعداء الإسلام ، الا لينقّي الله المؤمنين ويُصَفّيهم ، كما قال تعالى ) ولا تَهِنُوا وَلاَ تَحزَنُوا وَأنْثُمُ الأعَلَونَ إن كُنتم مُؤمِنِين* إن يَمسَسكُم قَرحٌ فَقد مَسّ القَومَ قَرحٌ مِثلُه وتِلكَ الأيامُ نُدَاوِلُها بَينَ النّاسِ وَلِيَعلَمَ اللهُ الذين آمَنُوا وَيَتّخِذَ مِنكُم شُهَداء واللهُ لا يُحبُ الظَالِمِين* ولِيُمَحِّصَ اللهُ الّذينَ آمَنُوا وَيَمحَقَ الكَافِرين* أم حَسِبتُم أنْ تَدخُلُوا الجَنَّة وَلَمّا يَعلَم ِاللهُ الّذينَ جَاهَدُوا مِنكُم ويَعلَمَ الصَّابِرِين ( .



لم يرد في الشرع الأمر بالحزن المنافي لتمام الرضا أبداً ، إذ لا فائدة في الحزن ، بل قد يكون فيه مضرّة ، لكنه يُعفى عنه إذا لم يقترن به ما يكرهه الله ..وقد يقترن بالحزن ما يجعل صاحبه يثاب عليه ويحمد عليه ويكون محموداً من تلك الجهة، كمن يحزن على مصيبة في دينه ، أو يحزن بسبب المصائب التي تصيب إخوانه المسلمين .. فهنا يُثاب العبد على هذا الحزن لما فيه من محبة الخير للآخرين وبغض الشرّ لهم ..

أسأل الله جلَّ وعلا أن يوفقنا وإياكم للخير ..أن يبعد عنا وعنكم الحزن ..هذا والله أعلم ..وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
بســم اللــه الــرحــمــن الــرحــيـم
قــلــوب الصـائــميــن
فــضــيلـة الشـيـخ سـعـد ابـن نـاصـر الشـثـري
التـــفــاؤل
الحمد لله فارج الكُرُبات ..وأشهد أن لا إله الا الله مجيب الدعوات ..وأشهد أن محمد عبده ورسوله عليه أتم التسليم وأفضل الصلوات ، أما بعد ..
فإن من أعمال قلوب الصائمين ..التي يتقربون بها لله أن يتفاءلوا .. بحيث يتفاءل المرء بأن يغفر الله له في هذا الشهر الكريم ،شهر رمضان ، ويتفاءل بأن يستجاب له دعاءه ، ونتفاءل أيضا أن يمحّص الله ذنوبنا في شهر رمضان ،وأن يتقبل الله منا عباداتنا .

تأميل الناس في فضل الله عز وجل:
إذا أمّل الناس في فضل الله ، ورجوا إحسانه جلَّ وعلا عند كل سبب ضعيف أو قوي ، فهم على خير ولو غلطوا في جهة الرجاء ، فإن الرجاء خير لهم .

وإذا قطع العباد أملهم من الله ، وقطعوا رجاءهم من الله كان ذلك من أعظم الشرّ عندهم ، وقد جاء في الحديث أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال:{قال الله ـ عزَّ وجل ـ أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء} وجاء في الصحيح أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال:{لا طيره وخيرها الفأل ، قالوا :وما الفأل ؟!قال :الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم}.
وفي الحديث { لا طيره ، وأحب الفأل الصالح }،وفي الترمذي أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم كان يعجبه إذا خرج لحاجه أن يسمع ( يا راشد ، يا نجيح )، وفي السنن من حديث بريده ،أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان لا يتطير من شيء ، وكان إذا بعث عاملاً سأل عن اسمه فإذا أعجبه فرح به ورؤيا بشر ذلك في وجهه ، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها فإن أعجبه اسمها فرح بها ورؤيا بشر ذلك في وجهه.
وفي صحيح مسلم أن النبي صلّى الله عليه وسلم قيل له :{ منّا رجال يتطيرون ، فقال : ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدّنهم }..وجاء في الصحيح أن النبي صلّى الله عليه وسلم قد ذكر أن سبعين ألفاً من أمة محمد صلّى الله عليه وسلم يدخلون الجنّة بغير حساب ولا عذاب ، وقد وصفهم النبي صلّى الله عليه وسلم بأنهم لا يسترقون ، ولا يتطيرون ، ولا يكتوون ، وعلى ربهم يتوكلون .

فقوله "ولا يتطيرون" أي لا يتشاءمون ، فإذا نهي عن التشاؤم ، دل ذلك على مشروعية ضد الا وهو التفاؤل .

وليس في الإعجاب بالفأل ومحبته شيء من الشرك ، بل ذلك إبانة عن مقتضى الطبيعة ، ومن حب الفطرة الإنسانية ، التي تميل إلى ما يوافقها ويلائمها ، والله تعالى فد جعل في غرائز الناس الإعجاب بسماع الاسم الحسن ومحبته ، وميل نفوسهم إليه .
وكذلك جعل فيها الارتياح والاستبشار والسرور باِسم الفلاح والسلام ، والنجاح والتهنئة والبشرى ، والفوز والظفر ونحو ذلك ..

فإذا قرعت هذه الأسماء الأسماع ، استبشرت بها النفس.. وانشرح لها الصدر ..وقوي بها القلب ، وإنما كان صلّى الله عليه وسلم يعجبه الفأل ، لأن التشاؤم سوء ظن بالله تعالى بغير سبب محقق.

أما التفاؤل ..فإنه حسن ظن بالله سبحانه وتعالى ، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال .
وإذا كان التفاؤل محبوباً محموداً عند الله ـ عزّ وجل ـ فإن الذي يقابله التشاؤم ، وهو من الأمور المذمومة ، ومن أمثلة ذلك ..أن يتشاءم الإنسان بالأعداد أو الطير أو المرضى ..وهذا من الأمور المحرمة في الشرع .
والتطيّر إنما يضرّ من أشفق منه وخاف ، وأما من لم يبالي به ولم يعبأ به شيئا فإنه لا يضره البتة .
والطيرة باب من أبواب الشرك .. ومن إلقاء الشيطان الوساوس في قلوب العباد، فهو من إلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته ..ولهذا يعظم شأنه ويكبر عند من يكثر العناية به .
فمن تطير .. زاده التطير شرّاً وشؤما ، والمتطير متعب القلب .. منكّد الصدر .. كاسف البال .. سيء الخلق .. يتخوف من كل ما يراه ويسمعه ، فهو أشدّ الناس وجلا ، وأنكدهم عيشا ، وأضيقهم صدرا ، وأحزنهم قلبا .
كم حرم نفسه بذلك من حظ ، وكم منعها من رزق ، وكم قطع عليها من فائدة .
واعلم .. بأنه ليس شيء أضر بالرأي ، ولا أفسد بالتدبير من اعتقاد الطيرة ..
ومن ظن أن خوار بقرة .. أو نعيق غراب .. يرد قضاء أو يدفع مقدوراً فقد جهل .وفي السنن (الطيرة شرك) ، وفي المسند ( من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك ) .


وقد عاب الله تعالى على بعض الأمم السابقة التطير ، فقال سبحانه) وإن تُصِبهُم حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِن عِندِ اللهِ وإن تُصِبهُم سَيئة يَقُولُوا هَذِهِ مِن عِندك قُل كلٌّ مِن عِندِ الله فَمَا لِهَؤلاءِ القوم ِلا يَكَادُونَ يَفقَهُونَ حَدِيثَا (وقال ) فَإذَا جَاءَتُهمُ الحَسَنَة َقالُوا لَنَا هذه وإن تُصِبهُم سَيئة يَطَيّرُوا بمُوسَى ومَن مَعَه ألا إنمَا طَائِرُهم عِند الله ولكنّ أكثَرَهُم لا يَعلَمُون(،) وقَومُ صَالح ٍقَالُوا اِطيّرنَا بِكَ وبِمَن مَعَك قَالَ طَائِرُكُم عِند الله بل أنتُم قَومٌ تُفتَنُون( فكان عاقبتهم سوء العاقبة دنيا وآخرة ،) وأصحَابُ القَرية ِقَالُوا إنّا تَطيّرنَا بِكم فَردَّ عَليهِم أنبَيَاءهُم قَالُوا طَائِركُم مَعَكم أئِن ذُكِّرتُم بَل أنتُم قَومٌ مُسرِفُون( .

وعلاج الطيرة يكون بحسن التوكل على الله ، والاعتماد عليه ، ومعرفة أنه لا يحدث شيئاً الا بتقدير الله وخلقه ،وأن القدر سابق على هذه الحادثة التي تشاءم منها .
خرج عمر ابن عبد العزيز في سفر فقيل له :{ القمر في الدّبران ، وكانوا يتشاءمون من ذلك ..فقال : إنّا لا نخرج بسمش ولا بقمر ولكنّا نخرج بالله الواحد القهّار }.

التطيّر ينافي التوكل .. ويدلّ على قلة العقل ، ويورث اضطراب النفس ، ويؤدي إلى الكسل وترك العمل ، وكثرة الفشل .

التطيّر ... سيء العاقبة دنيا وآخرة ..فيا أيها المؤمنون اجتنبوا التطيّر في جميع شؤونكم ، واتصفوا بصفة التفاؤل في كل أحوالكم ، والله جلَّ وعلا عند حسن ظن عبده به ، والله جلَّ وعلا قد عوّدكم الجميل ، وبين لكم أنه ينصر أولياءه المؤمنين ، فتفاءلوا بنصر الله تجدوه ...

هذا ... والله جلَّ وعلا أسأله أن يوفقنا وإياكم بخيري الدنيا والآخرة .. وأن يصلح أحوالنا جميعا .. وأن يردّنا إلى دينه ردّاً حميدا .. هذا والله أعلم .

وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ....
بـــســـم اللـه الــرحــمــن الــرحــيــم


قــــــــلـــــوب الصائــــميـــــــــن


فـضيـلــة الشـــيخ ســعــد ابـن نـاصـر الشـثــري


الــــــــرجــــــــــــاء



الحمد الله الرؤوف الرحيم .. المؤمل بكشف الملمات .. والمرجو برفع الدرجات .. وأشهد أن لا إله إلا الله نرجو رحمته ونخاف من سوء أعمالنا .. وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما ً كثيرا .

أما بعد ..

فإن من عبادات القلوب ..رجاء رحمة علاّم الغيوب ، قال تعالى) أولئكَ الّذينَ يَدعُونَ يَبتَغُونَ إلىَ رَبّهِمُ الوَسِيلَة أيّهُم أقَرَب وَيَرجُونَ رَحمَتَه وَيَخَافُونَ عَذَابَه ( وفي الصحيح يقول النبي صلّى الله عليه وسلم :{ لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه }، ويقول :{ قال الله عزّ وجل : أنا عند ظن عبدي بي ، فليظن بي ما شاء }.


قال ابن القيم :{ الرجاء حاد يحدو القلوب إلى بلاد المحبوب وهو الله والدار الآخرة }، أجمع العارفون على أن الرجاء لا يصح إلا مع العمل ، كرجاء المطيع لثواب ربه ، أو رجاء كائد لمغفرته وعفوه .

الرجاء ضروري للمريد السالك ، والعارف لو فارقه لحظة لتلف أو كاد ، فإنه دائر بين ذنب يرجو غفرانه ، وعيب يرجو إصلاحه ، وعمل صالح يرجو قبوله ، واستقامة يرجو حصولها ودوامها ، وقرب من الله وعلو منزلة عنده يرجو وصوله إليها.


الرجاء من الأسباب التي ينال العبد بها ما يرجوه من ربه .. بل هو أقوى الأسباب ، وفي قوله تعالى ) إن الّذينَ آمَنُوا والّذينَ هَاجَرُوا وجَاهَدُوا في سَبيلِ اللهِ أولئكَ يَرجُونَ رَحمَةَ الله ( دليل على أن الرجاء لا يكون إلا بالقيام بالأعمال ، وأما الرجاء المقارن بالكسل فهو غرور وأمن من مكر الله وهو دال على ضعف الهمّة ، ونقص العقل ، وفي الآية دلالة على أن العبد لا يعتمد على عمله ، ولا يعّول عليه ، بل يرجو رحمة ربه .

حسن الظن ..وعظم الرجاء .. أحسن ما تزود به المؤمنون لقدومهم على ربهم جلَّ وعلا .. قوة الرجاء بالله أمان لكل خائف ، ومما يدعو إلى زيادة الرجاء في الله وفي فضله التعرف على أسماء الله ، التي تجعل القلب يرجو رحمة الله جلَّ وعلا فهو سبحانه البر الرحيم ، وهو سبحانه الغفور الرحيم ، وهو سبحانه العفو الكريم ، وهو سبحانه المحسن الحليم ، وهو سبحانه المعطي الجواد ، وهو سبحانه الوهاب الرزاق .


إذا علم العبد أن رحمة الله واسعة ، دعاه ذلك إلى أن يكون قلبه معلّقاً برجاء الله ، قال تعالى) إنَّ رَحمَتِي وَسِعَت كُلّ شَيء ( وفي الحديث الصحيح قال النبي صلّى الله عليه وسلم :{ لما قضى الله الخلق ، كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي }.

إن استشعار العبد لعبوديته لربه ، وفقره إليه ، وحاجته لما يرجوه من ربه ، ويستشرفه من إحسانه ، وأنه لا يستغني عن فضل الله وإحسانه طرفة عين ، يدعوه إلى أن يملئ قلبه من رجاء الله تعالى .

إذا عرف العبد أن الله تعالى يحب العبد متى رجاه وسأله ، فإنه سيكون من الراجين السائلين ..

من أسباب تحصيل الرجاء .. أن يشاهد العبد عظم فضل الله عليه ، وعموم إحسانه في نفسه وعلى غيره ، فكم من نعمة أنعمها عليك ربك أيها العبد ، وكم من خير أوصله إلى غيرك ، قال تعالى )وإمّا تُعرِضنَّ عَنهُم ابتِغَاء رَحمَةٍ مِن رَبّكَ تَرجُوهَا فَقُل لَهُم قَولاً مَيسُورَا( .


ومن أسباب تحصيل رجاء الله تعالى .. أن يستحضر المؤمن وعد الله للمؤمنين بخيري الدنيا والآخرة ، قال تعالى )وبَشّرِ المُؤمِنِينَ بِأنَّ لَهُم مِن اللهِ فَضَلاً كَبِيرَا ( وقال سبحانه ) و الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَالِحَات فِي رَوضَاتِ الجَنّات لَهُم مَا يَشَاءُونَ عِندَ رَبّهِم ذَلِكَ هُوَ الفَضلُ الكَبِير( .


ومن أسباب تحصيل العبد لرجاء الله تعالى .. أن يعلم أن الله تعالى يغفر ذنوب العباد التائبين مهما تعاظمت ، قال تعالى )قُل يَا عِبَادِي الّذينَ أسرَفُوا عَلَى أنفُسِهِم لا تَقنَطُوا مِن رَحمَةِ الله إنَّ اللهَ يَغِفرُ الذُنُوبَ جَمِيعَا (.


إذا لاحظ العبد سنّة الله في الكون، بنصر أولياءه المؤمنين ، ازداد قلبه رجاءاً لله تعالى( أليس الله بكافٍ عبده )،(ومن يتوكل على الله فهو حسبه )، وإذا لاحظنا أن الله تعالى يجيب دعاء الداعين على اختلاف أزمانهم وأماكنهم ، وعلى تنوع لغاتهم وألسنتهم ، زادنا ذلك رجاءاً في الله تعالى ، ثم إن الثمرات العظيمة التي تحصل من رجاء الله تعالى ، تدعونا إلى أن نملئ قلوبنا من رجاء الله .



· فمن ثمرات الرجاء .. أن الرجاء من أسباب مغفرة الذنوب ، كما ورد في الحديث القدسي :{ يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي .}

· الرجاء من أسباب رضا الله عن العبد ومحبته له وقربه منه .


· الرجاء ينشّط النفس على طاعة الله ، فإن من عرف قدر مطلوبه ، هان عليه ما يبذله فيه ، قال تعالى) فَمَن كَانَ يَرجُو لِقَاءَ رَبّهِ فَليَعمَلَ عَمَلاً صَالِحَاً ولا يُشركَ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أحَدا( ، وقال تعالى ) أمّن هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ الّليلِ سَاجِدَا ً وَقَائِمَا يَحذَرُ الآخِرَةَ وَيَرجُوا رَحمَةَ رَبّهِ قُل هَل يَستَوي الّذينَ يَعلَمُونَ والّذِينَ لا يَعلَمُونَ إنّمَا يَتَذَكّرُ أولُوا الألبَابِ ( .


· الرجاء يجعل العبد يتلذذ بأنواع الطاعات ، فكلما طالع القلب ثمرات الطاعات ، وحسن عاقبتها ، إلتذَّ بها.



· الرجاء يبثّ الطمأنينة في النفس ، ويبعد عنها الوساوس والخطرات ، ويهّون عليها المصائب ، إذ النفس ترجو زوال ما حلَّ بها من مصيبة ، وبذلك يقوى العبد على أعداء الله ، قال تعالى ) ولا تَهِنُوا فِي ابتِغَاءِ القَوم إن تَكُونُوا تَألَمُونَ فَإنّهُم يَألَمُونَ كمَا تَألَمُون وَتَرجُونَ مِن اللهِ مَا لا يَرجُون وكَانَ الله عَلِيمَاً حَكِيمَا (.


لولا التعلق بالرجاء تقطعت ~~ نفس المحب تحسّراً وتمزقا
لولا الرجاء يحدو ألمطي لما سرت ~~ يحدو لها لديارهم ــــــــــ اللقاء





رجاء الله ورجاء ثوابه .. يحدو العبد إلى متابعة النبي الكريم صلّى الله عليه وسلّم ، والسير على طريقة عباد الله الصالحين )لَقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُول ِالله ِأسُوَةٌ حَسَنَة لِمَن كَانَ يَرجُو اللهَ واليَومَ الآخِرَ وذَكَرَ اللهَ كَثيرَا( ، لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر .


الرجاء من أكبر أسباب تحصيل الأجور العظيمة ،)إن الّذين يتلُونَ كِتابَ اللهِ وأقَامُوا الصَّلاة وأنفَقُوا ممّا رَزَقنَاهُم سِرّاً وَعَلانِيَة يَرجُونَ تِجَارةً لَن تَبُور لِيُوفيهُم أجورَهُم ويَزيدَهُم مِن فَضلِه إنَّه غَفُورٌ شَكُور(.


الرجاء سبب لتحصيل منافع الدنيا والآخرة .. وفي الحديث{ أن النبي صلّى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت ، قال : كيف تجدك ؟ قال : والله يا رسول الله إني لأرجو الله ، وإني أخاف ذنوبي . فقال صلّى الله عليه وسلم :لا يجتمعان في قلب عبد ، في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمّنه مما يخاف .}


وما أعظم ما ينجز الرجاء.. من انتظار رحمة الله ، وتوقع فضل الله ، الذي يعلّق القلب بالله..
بـســم اللـه الـرحــمــن الــرحــيـم

قــلــوب الصــائـــمـيــــــــن
فــضيــلــة الـشيــخ سـعــد ابـن نـاصـر الشــثــري
الــخــــــــــوف
الحمد لله رب العالمين .. الحمد لله القوي العزيز.. صاحب البطش الشديد ..فعّال لما يريد،كم أهلك من أمة كافرة ، وكم أخذ من جماعة ظالمة ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...
أما بعد ..
ففي لقاءنا هذا في برنامج قلوب الصائمين نتحدث عن امتلاء قلوب المؤمنين بالخوف من رب العالمين ، قال الله تعالى ) فَليَحذَرِ الّذينَ يُخَالِفُونَ عَن أمرِهِ أن تُصِيبَهُم فِتنَة أو يُصِيبَهُم عَذَابٌ ألِيم (.


من الأمور التي تدعوا العبد إلى زيادة الخوف من الله تعالى كثرة المعاصي التي فعلها العبد ، ويخاف من سوء عاقبتها ، فإذا كان أنبياء الله صلوات الله عليهم وسلامه يقولون) إنّي أخَافُ إن عَصَيتُ رَبِّي عَذَابَ يَومٍ عَظِيم ( فكيف بغيرهم من أفراد الناس .


ومن طرق تحصيل خوف الله تعالى ..تصديق الله في وعده ووعيده ، وذلك أن المرء يخاف أن يدخله الله نار جهنّم ويعذبه بها ، كما قال تعالى) قُل إنَّ الخَاسِرِينَ الّذِينَ خَسِرُوا أنفُسَهُم وأهلِيهِم يَومَ القِيامَة الا ذَلِكَ هُوَ الخُسرَان المُبين لَهُم مِن فَوقِهِم ظُلَل من النّارِ ومِن تَحتِهِم ظُلَل ذَلِكَ يُخَوّفُ اللهُ به عِبَاده يَا عِبَادِي فَتّقُون ( .


ومما يزيد الخوف في قلب العبد من ربه جلّ وعلا .. معرفة تلك العقوبات العظيمة ، التي أنزلها الله بالأمم السابقة ، فإن من تأملها وتفكّر فيها ، زاده ذلك خوفا من الله تعالى ، قال سبحانه ) قَالُوا إنّا أُرسِلّنَا إلى قَوم ٍمُجرِمِين لِنُرسِلَ عَلَيهِم حِجَارَةً مِن طِيِن مُسَوَّمَةٍ عِندَ رَبّكَ لِلِمُسرِفِين( إلى قوله سبحانه ) وتَرَكنَا فِيهَا آيةً للّذِينَ يَخَافُونَ العَذَابَ الألِيم ( .


ثم إن العبد يخشى من ربه أن يوقع عليه العقوبات في الدنيا بسبب سوء عمله ، قال تعالى في وصف من يتوسل إليه التوسل المشروع ويخافون عذابه ) إنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحذُورَا وإن مِن قَريَةٍ إلّا نَحنُ مُهلِكُوهَا قَبلَ يَوم ِالقِيَامَة أو مُعَذِبُوهَا عَذَابَاً شَدِيدَا كَانَ ذَلِكَ فِي الكِتَابِ مَسطُورَا ( .


من أسباب تحصيل للخوف من الرب تبارك وتعالى :

ملاحظة الآيات الكونية
، وما قدّره الله من المخلوقات العظيمة ، يزرع الخوف من الله في قلب العبد ، قال تعالى) هُوَ الّذِي يُريِكُمُ البَرقَ خَوفَاً وطَمَعَا ويُنشئُ السَّحَابَ الثِقَال ويُسَبِحُ الرَّعدُ بِحَمدِهِ والمَلائِكَةُ مِن خِيفَتِهِ ويُرسِلُ الصَواعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُم يُجَادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ المِحَال ( ، وقال سبحانه) ومَا نُرسِلُ بِالآياتِ إلّا تَخويِفَا (.


إن تحصيل العلم الشرعي ينتج الخوف في قلب العبد ، قال تعالى) إنَّمَا يَخشَى اللهَ مِن عِبَادِهِ العُلَمَاء ( .
ومن أسباب تحصيل خوف الله جلّ وعلا أن يستشعر العبد أن الله يراقبه ولا يخفى عليه شيء من أحواله ، قال سبحانه) إنَّ اللهَ يَعلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُم فَحذَرُوُه (.


قال شيخ الإسلام ابن تيمية :{ من طلب من العباد العوض ثناءاً أو دعاءاً أو غير ذلك لم يكن محسناً إليهم ، ومن خاف الله فيهم ، ولم يخفهم في الله ، كان محسناً إلى الخلق ، محسناً إلى نفسه ، فإن خوف الله يحمله على أن يعطيهم حقهم ، ويكف عن ظلمهم ، ومن خافهم ولم يخف الله فيهم ، فهذا ظالم لنفسه ولهم ، حيث خاف غير الله ورجاه ، لأنه إذا خافهم دون الله احتاج أن يدفع شرّهم عنه بكل وجه إما بداهنتهم أو مراءاتهم ، وإما بمقابلتهم بشيء أعظم من شرهم أو مثله ، فإذا رجاهم لم يقم بحق الله فيهم ، وإذا لم يخاف الله فهو مختار للعدوان عليهم ، فإن طبع النفس الظلم لمن لا يظلمها فكيف بمن ظلمها .
ستجد هذا الضرب من الناس ..كثير الخوف من الخلق ، كثير الظلم إذا قدر، مهين ذليل إذا قُهر ، فهو يخاف الناس بحسب ما عنده من ذلك ، وهذا مما يوقع الفتن بين الناس ، وكذلك إذا رجاهم وهم لا يعطونه ما يرجوه منهم فلابد أن يبغضهم ، فيظلمهم إذا لم يكن خائفاً من الله .


والإنسان إذا لم يخف من الله اتبع هواه ، ولا سيّما إذا كان طالباً ما لم يحصل له ، فإن نفسه تبقى طالبة لما تستريح به ، وتدفع به الغم والحزن عنها ، وليس عندها من ذكر الله وعبادته ما تستريح إليه ، فتظن أن راحتها في المحرمات ، من فعل الفواحش وشرب المسكرات ، وقول الزور واللهو والعبث ، ومخالطة قرناء السوء ، ولا تطمئن نفسه إلا بعبادة الله .


قال ابن حزم :{ وقد علم الله تعالى أن كل مسلم لولا خوف الله تعالى لأحب الأكل إذا جاع في رمضان ، والشرب فيه إذا عطش ، والنوم في الغدوات الباردة عن الصلوات ، وفي الليل القصير عن القيام إلى الصلوات المندوبات ، ووطئ كل جارية حسناء يراها المرء ، ولكن مخافة الله تمنع المؤمن من ذلك }.


إن الخوف من الله تعالى ينتج عنه فوائد عظيمة ..منها ترك الذنوب والمعاصي ، روى الحاكم بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة ، فمن تركها من خوف الله ،أثابه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه ، ومن ترك المعاصي خوفاً من الله أجر وأثيب } .


الخوف من الله سبب لرفع الدرجات في الجنّة ، قال تعالى ) ولِمَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَان ( وقال ) وأمَّا مَن خَافَ مَقامَ رَبِّهِ ونَهَىَ النَّفسَ عَنِ الهَوَى فَإنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأوَى ( ، وفي حديث السبعة الّذين يظلهم الله يوم القيامة : { رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال ، فقال إني أخاف الله }.


من استحضر مخافة الله في دعاءه ، كان ذلك من أسباب



إجابة الدعاء وقال ، قال تعالى ) وادعُوهُ خَوفَاً وَطَمَعَا إنَّ رَحمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحسِنين () تَتَجَافَىَ جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ يَدعُونَ ربَّهُم خَوفَاً وَطَمَعَا وَمِمَّا رَزقنَاهُم يُنفِقُون فَلا تَعلمُ نَفسٌ مَا أُخفِيَ لَهُم مِن قُرَّةِ أعيُن جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعمَلُون ( .


مخافة الله سبب للتمكين في الأرض ، قال تعالى) ولَنُسكِنَنَّكُم الأرضَ من بَعدِهِم ذَلِكَ لِمَن خَافَ مَقَامِي وخَافَ وَعِيد(


مخافة الله سبب للاتعاظ والتذكر ، قال تعالى) فَذَكّر بِالقُرءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيد (.
مخافة الله في قلب العبد تدفعه للإقدام على الطاعات ، وفي الحديث { من خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل ، الا إن سلعة الله غالية .. الا إن سلعة الله الجنّة }.
إذا استحضر المرء مخافة الله في كل وقت ، دعاه ذلك لأن يكون مخلصاً لله في كل أعماله .


من خاف الله لم يتكبّر على خلقه ولم يتجبّر على عباده .

وخوف الله يحمل العبد إلى إعطاء أصحاب الحقوق حقوقهم .
من خاف الله حقيقة ، لم يخف من غيره ، قال تعالى) إنّمَا ذَلِكُمُ الشَيطَانُ يُخَوّفُ أولِيَاءَه فَلا تَخَافُوهُم وخَافُونِي إن كُنتُم مُؤمِنِين( ، فإذا اتحد مصدر الخوف ، أطمئنت النفس ، وفي بعض الآثار :[ من خاف الله .. خوّف الله منه كل شيء ، ومن لم يخاف الله ..خوفه الله من كل شيء ].


مخافة الله سبب لمغفرة الذنوب ، ففي الحديث :{ أن رجلاً وصى أبناءه بحرق بدنه ، وسحقه وذرّه في الريح العاصف ، فأمر الله بجمع بدنه وقال له : ما حملك على ذلك . فقال : مخافتك يا ربي ، فغفر الله له ذلك }.
لقد حرص سلف الأمة على الترغيب في الخوف والاتصاف به ، قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه :{ أيها الناس .. لو نادى منادي من السماء "أيها الناس إنكم داخلون الجنّة كلكم إلا رجلاً واحدا " لخفت أن أكون أنا هو } ، قال الحسن البصري :{ لقد مضى بين يديكم أقوام لو أن أحدهم أنفق عدد هذا الحصى ، لخشي ألا ينجو من عظم ذلك اليوم } .
قال ابن مسعود :{ إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه جالس في أصل جبل يخشى أن ينقلب عليه ، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه فقال به هكذا فطار } قال ابن عباس :{ وعد الله المؤمنين الّذين خافوا مقامه وأدّوا فرائضه الجنّة }


وقال
عمر ابن عبد العزيز :{ من خاف الله ..أخاف الله منه كل شيء } قال وهب ابن كمنبه :{ ما عبد الله بمثل الخوف }.


وقال الداراني :{ أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله عزَّ وجل } ، وكل قلب ليس فيه خوف ، فهو قلب خرب .


قال ابن تيمية :{ الخوف المحمود ما حجزك عن محارم الله } ، وقال بعضهم :{ إذا سكن الخوف القلب ، أحرق مواضع الشهوات منه ، وطرد الدنيا عنه } .

هذا ، والله أعلم ..

وصلى الله على نبينا محمد....


 

 
 

 

0 أضف تعليق:

إرسال تعليق

أخي الزائر/أختي الزائرة:
قبل أن تكتب تعليقك ،تذكر قول الله تعالى :

{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية(18)

.๑. (النور جل جلاله) .๑.

لماكان النور من أسمائه سبحانه وصفاته كان دينه نورا،ورسوله نورا،وكلامه نورا، ودار كرامته لعباده نورايتلألأ،والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين،ويجري على ألسنتهم،ويظهر على وجوههم،ويتم تبارك وتعالى عليهم هذا النور يوم القيامة