الثلاثاء، 14 ديسمبر 2010

تابع لسلسلة (قلوب الصائمين)3


بسـم اللـه الـرحـمـن الـرحـيـم




قــلـــوب الصـــائــميـــن


لفــضيـلــة الشـيـخ سـعـد ابـن نـاصـر الشـثـري


الاعـتـراف بـفـضـل الـلـه ونـعـمـه



الحمد لله المنعم المتفضل .. أنعم علينا فأجزل ..وأعطانا فأكثر..ما أعظم منّة الله علينا ، وما أكثر فضائله الواصلة إلينا ، ومن أعظم نعم الله علينا أن جعلنا من أتباع محمد صلّى الله عليه وسلم ..






أما بعد ..

فإن من أعمال القلوب الاعتراف بفضل الله ونعمه , وخصوصاً بما أنعمه الله علينا في شهر رمضان ، من إنزال كتابه ، ومن تعظيم الأجر والثواب على الأعمال فيه ، ومن وجود ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر .





وقد ذكّرنا الله بنعمه في مواطن عديدة من كتابه ، كما قال سبحانه) ألَم تَرَوا أنّ اللهَ سَخّرَ لَكُم مَا فِي السَماوَاتِ وَمَا فِي الأرض وأسبَغَ عَلَيكُم نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَه( وقال) الّذي جَعَلَ لَكُم الأرضَ فِرَاشَا ًوالسَمَاء ِِبِناَءَ وأنزَلَ مِنَ السمَاء ِمَاءً فَأخرَجَ به منَ الثَمَرَاتِ رزقَاً لَكُم ( .






وقد أمرنا الله تعالى بتذكر نعمه ، فقال سبحانه ) يا أيُّهَا النّاسُ اذكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم( وقال) واذكُرُوا نِعمَةَ الله ِعَلَََيكُم ومِيثَاقَهُ الّذِي وَاثَاقَكُم بِه ِإذ قُلتُم سَمِعنَا وأطَعنَا ( ، فأمر الله المؤمنينبتذكر نعمه الدينية والدنيوية ، ومنذلك تذكر هذه النعم بالقلوب ، وبذلك يزول أعجاب الإنسان بنفسه ، ويعرف أن ما عنده من النعم فإنه فضل من الله جلَّ وعلا .




ومن نعم الله العظيمة .. التي أنعم بها علينا أن جعلنا من أهل الإسلام والقرآن ، فلابد أن يعرف القلب ذلك ، وأن يفرح به ، قال تعالى) يا أيَّهَا النّاسُ قَد جَاءَتُكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُدُور وهُدَىً ورَحمَةٌ لِلمُؤمِنِين قُل بِفَضل ِاللهِ وبِرَحمَتِهِ فَبذَلِكَ فَليَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُون ( .





وأعظم ذلك .. نعمة التوحيد ، بإفراد الله بالعبادة ، وعدم صرف شيء منها لغير الله ، كما قال تعالى عن يوسف عليه السلام )مَا كَانَ لَنَا أن نُشرِكَ بِاللهِ مِن شَيء ذَلِكَ مِن فَضلِ الله ِعَلَينَا وعَلَى النّاس ولَكنَّ أكثَرَ النَّاس ِلا يَشكُرُون ( .





وقد كرر الله في كتابه التذكير بأن الله وحده :هو الذي ينفرد بجلب النعم ، ودفع النقم .. ومن عرف أن النعم كلها الظاهرة والباطنه ، القليلة والكثيرة إنما يتفضل الله بها وحده ، وأنه ما من نعمة الا منه ، ولا من نقمة ولا شدّة ولا كربة الا والله هو المنفرد بدفعها ، وان الخلق لا يملكون لأنفسهم فضلاً عن غيرهم جلب نعمة ولا دفع نقمة .





من عرف ذلك .. كان من عبّاد الله ـ جلَّ وعلا ـ بقلبه ، قال تعالى) وإن يَمسَسكَ اللهُ بِضُرّ فَلا كَاشِفَ لَهُ الا هُوَ وإن يُرِدكَ بخَير ٍفَلا رَادّ لِفَضلِه يُصِيبُ بهِ مَن يَشَاءُ مِن عِبَادهِ وهُوَ الغَفُورُ الرّحِيم ( وقال) مَا يَفتَح ِالله لِلنّاسِ مِن رَحمَةٍ فلا مُمُسِكَ لَهَا وَ مَا يُمسِك فَلا مُرسِلَ لَهُ مِن بَعدِه ( وقال ) ومَا بِكُم مِن نِعمَةٍ فَمِنَ الله ( .





والمؤمن معترف بأن الله هو الذي أوجده من العدم ، وأمدّه بأسباب الحياة ، وواصل عليه النعم ونقله من طور إلى طور حتى سوّاه وجعله رجلاً كامل الأعضاء والجوارح المحسوسة والمعقولة ، وبذلك يسّر له من الأسباب ، وهيّأ له من نعم الدنيا ،ولم يحصل ذلك بقوة العبد ولا بقدرته ولا بحيلته ، بل حصل بنعمة من الله وفضل ، قال تعالى ) وأمّا بِنعمَةِ رَبّكَ فَحَدّث( أي فليتحدّث القلب واللسان بنعم الله تعالى ، وقال) وَذَكِّرهُم بأيّامَ الله( قال ابن عبّاس :{ بنعم الله }.





وجاءت النصوص تحذّر من الاغترار بنعم الله .. وإمهال الله للعبد ، قال تعالى) ولَئِن أَذقنَاهُ نَعمَاءَ بَعدَ ضَرّاءَ مَسّته لَيقُولَنَّ ذَهَبَ السَيئَاتُ عَنّي إنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُور ( وقال) وإذَا أنعَمنَا عَلَى الإنسَانِ أعرَضَ ونَاءَا بجَانِبه( وقال) واللهُ لا يُحِبُّ كُلّ


مُختَالٍ فَخُور( أي متكبر معجب بنفسه ،فخور بنعم الله ينسبها إلى نفسه وــــــــــــــــ وتلهيه تلك النعم .






كما أن العبد يحذر من إضافة نعم الله إلى من كان سبب فيها ، لأن السبب لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرا، ولا يستقلّ بإيجاد تلك النعم ، قال الله تعالى) يَعرِفُونَ نِعمَة َالله ِثُمّ يُنكِرُونَهَا (فإنهم لما أضافوا النعمة إلى غير الله ، فقد أنكروا نعمة الله بنسبتها إلى غيره ، فإن الذي يقول هذا .. جاحد لنعمة الله عليه ، غير معترف بها . فهو كالأبرص والأقرع اللذَين ذكرهما الملك بنعم الله عليهما فأنكراها وقالا :{ إنما ورثنا هذا كابرا ًعن كابر }.





وكون النعم موروثة عن الآباء ، أبلغ في إنعام الله عليهم ، إذ أنعم بها على آبائهم ، ثم أورثهم إياها ،فتمتعوا هم وآباءهم بنعم الله .





إن اعتراف القلب بفضل الله .. يكسب رضا الله ومحبته ، اعتراف القلب بفضل الله .. من أسباب حفظ النعمة وزيادتها وعدم زوالها ، فيحسن أن تعالج القلوب غير الشاكرة بأن تعرف وتعرّف بأن النعمة إذا لم تشكر زالت ولم ترجع ، قال الفضيل ابن عياض :{ عليكم بملازمة الشكر على النعم ، فقلّ نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم }.





والنعم كالحيوانات الوحشية ..لا يمكن تقييدها الا بالشكر ..





إن اعتراف القلب بأن النعم من الله ..يوجب تعلق القلب بالله ..ومحبته له ، والتأله له وحده لا شريك له . إن اعتراف القلب بنعم الله ركن من أركان شكر نعم الله ، وفي الخبر من أسديت إليه نعمه ، فذكرها فقد شكرها ، ومن سترها فقد كفرها .




وقد أمر الله بشكر النعم فقال) فَاذكُرُونِي أذكُركُم واشكُرُوا لِي و لا تكفُرُون ( وقال) لَعَلّكُم تَشكُرُون(،





إن عدم اعتراف القلب بنعمة الله على العبد ، سبب من أسباب نزول العقوبات الدنيوية ، قال تعالى) فَلَمّا نَسُوا مَا ذُكِرُوا به ِفَتَحنَا عَليهِم أبوابَ كلّ شَيءٍ حَتى إذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أخَذنَاهُم بَغتَة فَإذَا هُم مُبلِسُون فَقُطِعَ دَابِرَ القَومِ الّذينَ ظَلَمُوا والحَمدُ لله ِرَبِّ العَالَمِين( .






اعتراف القلب بنعم الله يكون على الإجمال بمعرفة أن جميع النعم من الله ، واعتراف القلب بنعم الله يكون بالاعتراف بما حضر في القلب من نعم الله بأنها تفضل منه سبحانه .لأن القلب لا يتمكن من الإحاطة بنعم الله لأن نعم الله كثيرة وأقسامها واسعة عظيمة ، وقدرات العباد قاصرة عن الإحاطة بمبادي نعم الله فضلاً عن غاياتها وكمالها ، كما قال تعالى )وإن تَعُدّوا نِعمَةَ الله ِلاَ تُحصُوهَا ( فيدل هذا على أن العباد لا يعرفون نعم الله على سبيل التمام و الكمال ، وإذا كان كذلك فلن يتمكّنوا من الاعتراف بجميع تلك النعم ، وهذا يدل على أن طاعة العبد وشكره لن يوازي نعم الله على العبد .




ولينظر الإنسان في بدنه .. كم من جزء لا يعرف الإنسان نعمة الله عليه فيه الا إذا ظهر فيه أدنى خلل يجعله يتنغّص في عيشه ، ويتمنى إنفاق جميع الدنيا لإزالة ذلك الخلل ، مع أن الله تعالى يدبر أحوال الإنسان على الوجه الأكمل الأصلح ، ومع أن الإنسان لا علم له بوجود ذلك الجزء ، ولا بكيفية جلب مصالحه ، ولا كيفية دفع مفاسده .





ومن أسباب جعل العبد يعترف بنعم الله عليه .. أن يتفكّر في أحوال أولئك الّذين سلبت نعم الله منهم ، من المرضى والفقراء وأهل المعاصي ، وكيف أن الله ـ جلَّ وعلا ـ تفضّل على العبد فلم يجعله مماثلا ً لهؤلاء الّذين سلبت منهم نعم الله ـ جلَّ وعلا .





ولذلك على العباد أن يعترفوا بأن الخيرات والنعم الواصلة إليهم هي فضل من الله جلَّ وعلا وأنه سبحانه هو المتكرّم بها ، وأنها لم تحصل بسبب من العبد ، وأنها لم تحصل بفعل العبد ، وإنما حصلت بكرم من رب العزّة والجلال ..





أسأل الله جلَّ وعلا أن يجعلنا وإياكم من الشاكرين لنعمه .. المعترفين بها .. ممن كانت قلوبهم تضيف تلك النعم إلى الله وحده .




هذا والله أعلم .. وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...











بـسـم الـله الـرحـمـن الـرحــيــم


قـلـوب الصـائـمـيــن


فـضـيـلـة الشـيـخ سـعــد ابن نـاصـر الشـثــري

التـسـليـم للـنـصـوص الشـرعــيـة


الحمد لله الّذي أنزل كتابه ليكون حجة على العالمين .. فمن آمن به وسلّم له ، و انقاد لأمره ، كان من الناجين المفلحين ، ومن عارضه ولم يستجيب له ، كان من المستحقين للعقوبات الشديدة دنيا وآخرة ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله ..المذعن لأمر ربّه ..

 
أما بعد .. 
فإن من أعظم أعمال القلوب أجراً وثوابا .. التسليم للنصوص الشرعية ، وعدم معارضتها ، وليكن من أسهل الأمور على العبد ..أن لا يقبل قلبه ما يخالف الكتاب والسنّة ، سواءً كان رأياً له أو قولاً لغيره .


قال الإمام الشافعي : { أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، لم يحلَّ له أن يدعها لقول أحد } .



وقال عمر ابن عبد العزيز :{ لا رأي لأحد مع سنّة سنّها رسول الله صلّى الله عليه وسلم }



وقال ابن عبّاس :{ يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ، أقول قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتقولون قال أبوبكر وعمر }.

وهناك نقولات عديدة عن كثير من السلف الصالح ، تؤكد على التشديد فيما إذا ترك المرء النصوص الشرعية ، وعارضها بالرأي أو بتقليد الرجال ، ومن هنا فإنه يجب على كل مؤمن أن ينقاد لما جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأن يستسلم له ، وأن يُذعن له ، فلا يعارض النصوص الشرعية بما يسمّى المعقولات ، كما يقوله بعض المتكلمين ، الّذين يجهلون حقيقة بعض الأمور ثم يزعمون أن العقل يدّل على نفيها .



وكذلك لا يعارض المؤمن النصوص الشرعية بالأقيسة الفاسدة ، ولا يعارض النصوص بما يقع في النفس أنه أمر الله كما يفعله بعض المتصوفة ، ولا يعارض النصوص الشرعية بما يزعم بعضهم أنه السياسة وإصلاح أحوال العامّة كما يفعله بعض أصحاب الولايات .

فإن أعلى درجات السياسة .. وأعلى ما يصلح أحوال الخلق .. هو اتباع النصوص الشرعية ، فإذا ورد عليك دليل شرعي أيها المؤمن فسلّم له ، ولا تتهم الدليل ولا تصادمه بعقل ولا بقياس ، ولا بسياسة . ومتى عرض لك شيء من ذلك ،فأتهم فهمك ، ولتعرف بأن السبب منك .



وكذلك يجب على المؤمن .. أن يقدم النصوص الشرعية على أراء الرجال ، بحيث لا تخالف يا أيها المؤمن أي نص شرعي لا بباطنك ولا بظاهرك ، لا بقلبك ولا بلسانك ولا بجوارحك ، لا بفعلك ولا بحالك ، قال الله تعالى ) ومَا كَانَ لِمُؤمِنٍ وَلا مُؤمِنَة ٍإذَا قَضَى اللهُ ورَسُولُهُ أمراً أن يَكُونَ َلهُمُ الخِيَرَةُ مِن أمرِهِم ( وقال سبحانه ) إنَّمَا كَانَ قَولُ المُؤمِنِينَ إذَا دُعُوا إلى اللهِ ورَسُوُلِهِ لِيَحكُمَ بَينَهُم أن يَقُولُوا سَمِعنَا وَأطَعنَا ( وقال سبحانه ) فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أنفُسِهِم حَرَجَاً مِمَّا قَضَيت ويُسَلّمُوا تَسلِيمَا ( وقال جلَّ وعلا )اتّبِعُوا مَا أُنزِلَ إليكُم مِن رَبِّكُم ولا َتتبِعُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاء قَلِيِلاًَ مَا تَذَكّرُون(وقال جلَّ وعلا ) وَقَد آتَينَاكَ مِن لَدُنّا ذِكرَا * مَن أعرَضَ عَنهُ فَإنّهُ يَحمِلُ يَومَ القِيامَةِ وِزرَا* خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُم يَومَ القِيَامَةِ حِملَا ( .



إن النصوص الشرعية .. قد احتوت على المعاني العظيمة ، والمصالح الكبيرة .. لكن إذا لم يذعن العبد لها فلن يعرف مقدارها ، ولن تتضح له معانيها ، ولن يفتح الله قلبه لفهم أسرارها ، قال تعالى ) ومَن أعرَضَ عَن ذِكرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَة ًضَنكاً وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَة ِأعمَى ( .

تلى الإمام أحمد قوله سبحانه ) فَليَحذَرِ الّذينَ يُخَالِفُونَ عَن أمرِه أن تُصِيبَهُم فِتنَة أو يُصِيبَهُم عَذَابٌ ألِيم (فقال : { أتدري ما الفتنة ؟َ! الفتنة الشرك .. لعلّه إذا رد بعض قوله ، أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيزيغ قلبه فيهلك }.



إن ترك التسليم للنصوص الشرعية وعدم اعتقاد ما تضمنته :، إنما ينشئ من اتباع الهوى وطاعة الشيطان ، وذلك من أسباب الضلال .. اسمع الله تعالى يقول ) واتلُوا عَلَيهِم نَبَأَ الّذي آتَينَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلخَ مِنهَا فَأتبَعَهُ الشَيطَان فَكَانَ مِن الغَاوِين وَلَو شِئنَا لَرَفَعنَاهُ بِهَا وَلَكّنَّهُ أخلَدَ إلى الأرضِ وَاتّبعَ هَوَاه فَمَثَلُهُ كَمثَلِ الكَلب إن تَحمِل عَلَيهِ يَلهَث أو تَترُكَهُ يَلهَث ( وقال الله جلَّ وعلا)وأنِ احكُم بَينَهُم بِمَا أنزَلَ الله ولا تتَبِع أهوَاءَهُم وَاحذَرهُم أن يَفتِنُوكَ عَن بَعض ِمَا أنزَلَ اللهُ إليك فَإن تَوَّلوا فَاعلَم أنّمَا يُريدُ اللهِ أن يُصِيبَهُم بِبعضِ ذُنُوبِهِم وإن كَثِيرَاً مِن النّاسِ لَفَاسِقُون أفَحُكمَ الجَاهِليةِ يَبغُون ومن أحسَنُ مِنَ اللهِ حُكمَا ً لِقَوم يُوقِنُون( وقال سبحانه) ثم ّجَعَلنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِن الأمر فَا اتّبِعهَا ولا تتبَع أهَواءِ الّذينَ لا يَعلمُون ( .



صاحب الهوى .. يعميه الهوى و يصمّه ، فلا يستحضر ما لله ولا ما لرسوله في الأمر ولا يطلبه أصلا ، ولا يرضى لرضا الله ورسوله ، ولا يغضب لغضب الله ورسوله ، فليس قصده أن يكون الدين كله لله وان تكون كلمة الله هي العليا .. بل قصده الحميّة لنفسه أو طائفته ، أو الرياء ليعظم هو ويثنى عليه ، أو لغرض من الدنيا ، فلم يكن لله غضبه ، ولم يكن مجاهداً في سبيل الله . وجميع المعاصي تنشئ من تقديم هوى النفوس على محبة الله ورسوله .



إن ترك النصوص مع اتباع الهوى من أنواع الضلال ، كما قال جلَّ وعلا ) وإنَّ كَثِيرَاً ليُضِلّونَ بِأهوَائِهمِ بِغَيرِ علمٍ إنَّ رَبّكَ هُوَ أعلمُ بالمُعتَدِين( وكما قال ) ومِن أضلُّ مِمّنِ اتّبعَ هَواهُ بِغَيرِ هُدَىً مِنَ اللهِ إنّ الله لا يَهدِي القَومَ الظَالِمِين ( وقال) أفَرَأيتَ مَن اتخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ وَأضَلّهُ الله عَلَى عِلم وَخَتَمَ عَلى سَمعِهِ وَقلبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوة فَمَن يَهدِيهِ من بَعدِ اللهِ أفَلا تَذكّرُون (.

جاء في حديث أبي برزة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال :{ إنّ مما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم و مضلّات الهوى } وفي حديث أنس :{ ثلاث مهلكات :شحٌّ مطاع ، وهوىً متّبع ، وإعجاب المرء بنفسه }.



موسم رمضان .. من أحسن المواسم لربط القلوب بالقرآن والسنّة ، قال تعالى) شَهرُ رَمَضَانَ الذي أُنزِلَ فيهِ القُرآن (، وكان النبي صلّى اللُه عليه وسلّم يدارس جبريل القرآن في كل ليلة من ليالي رمضان ، فإن قيل ما الحكمة في مدارسته القرآن في رمضان ، قال العيني :{ ذلك لتجديد العهد واليقين }.


هذا والله أعلم .. وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .....



بسم الله الرحمن الرحيم


قلوب الصائمين




فضيلة الشيخ سعد ابن ناصر الشثري


التـــوكــــــــــل





الحمد لله رب العالمين .. ينعم على عباده ، يصرف شؤونهم .. نحمده سبحانه ونشكره ونثني عليه بما هو أهله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وسلم تسليما كثيرا ..



أما بعد ..فإن من عبادات القلب التي يعظم أجرها ، ويكثر ثوابها ، حسن التوكل على الله ..



والمراد بالتوكل على الله ، صدق اعتماد القلب على الله ـ عزَّ وجل ـ باستجلاب المصالح ودفع المظالم من أمور الدنيا والآخرة ، مع تفويض الأمور إلى الله ، وتحقيق الإيمان بأنه النافع الضار ، لا يعطي ولا يمنع ، ولا يضر ولا ينفع أحد سواه ، مع فعل الأسباب .



فالتوكل على الله .. هو الثقة بما عند الله ، الثقة بما وعد الله به ، والتوكل يكون المؤمن في جميع أعماله عليه ، وفي جميع شؤون حياته متوكل على الله ، ومن أمثلة ذلك :



إذا هم الإنسان بأداء عمل بتحقيق هدف معين , توكل على الله في تحقيق تلك الأهداف ، قال سبحانه) وشَاورهُم فِي الأمرِ فَإذَا عَزمتَ فَتَوكّل عَلَى اللهِ إنّ الله يُحِبُّ المُتَوَكِلِين (.

وعند تكالب الأعداء على المسلم ، يتوكل المسلم على ربه في دفع شرورهم مع بذل الأسباب في ذلك ، فينجيه الله تعالى من شرورهم ، قال تعالى ) واللهُ يَكتُبُ مَا يُبيّتُون فَأعرِض عَنهُم وتَوَكّل علَى اللهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلا( وقال ) قُل لَن يُصِيبَنَا إلا ما كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَولانَا وعَلَى اللهِ فَليَتَوكّلِ المُؤمِنُون ( وقال ) ومَاَلَنَا ألّا نَتَوكّلَ عَلَى اللهِ وقَد هَدَانَا سُبُلُنَا و لَنَصّبِرَنَّ عَلَى مَا آذِيتُمُونَا وعَلَى اللهِ فَليَتَوكّل المُتَوَكّلُون (.

وعند إعراض المدعوين عمّا تدعوهم إليه من الخير والفضيلة ، توكل على الله ، قال تعالى ) فَإن عَصَوكَ فَقُل إنّي بَرِيءٌ مِمّا تَعمَلُون وَتَوكّل عَلَى العَزيزِ الرَحِيم ( وقال ) فَإن تَولّوَا فَقُل حَسبِيَ اللهُ لا إلهَ إلاّ هُو عَلَيهِ تَوكّلتُ وهُوَ رَبُّ العَرشِ العَظِيم (.



وعند مقابلة العدو في القتال ، وحصول القتال ، يشرع تذكر أن النصر من عند الله ، ويشرع التوكل على الله لينصر الله دينه ، ويعلي كلمته ، قال تعالى) إن يَنصُرُكُم الله فَلا غَالِبَ لَكُم وإن يَخذُلكُم فَمَن ذَا الّذِي يَنصُرُكُم من بَعدِه وَعَلَى اللهِ فَليتَوكّلِ المُؤمِنُون( .



وعند حلول المصائب ، يتوكل المؤمن على ربه ، فينجيه الله منها ، قال تعالى)والّذينَ هَاجَرُوا في اللهِ مِن بَعدِ مَا ظُلِمُوا لنُبَوِءَنَّهُم في الدُنيا حَسَنَةً ولَأجرُ الآخِرَةِ أكبَر لَو كَانُوا يَعلَمُون الّذينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكّلُون ( .



وعند التنازع والاختلاف ، يتوكل المؤمن على ربه ، ويعود إلى كتابه العزيز ، قال تعالى )ومَا اختَلَفتُم فِيهِ مِن شَيءٍ فَحُكمُهُ إلى اللهِ ذَلِكُم ُالله رَبِّي عَلَيهِ تَوَكّلت وإليهِ أُنِيب ( ، فتتوكل أيها المؤمن على الله ، أن يعينك على طاعته ، وأن ييسر لك أمر دنياك وآخرتك ، وأن يهديك لما اختلف فيه من الحق بإذنه ، وتتوكل على الله في دفع شرور الأعداء ، وكبت ما يريدونه بك من سوء .



ومن فوائد التوكل على الله .. أن التوكل من أسباب محبة الله للعبد ، قال تعالى ) فَتَوكّل عَلَى اللهِ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوكِّلِين ( والتوكل سبب لنعيم الآخرة ) ومَا عِندَ اللهِ خَيرٌ وَأبقَىَ لِلّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكّلُون ( .

ومن فوائد التوكل ، طرد الشياطين عن المؤمن المتوكل ، قال تعالى) فَإذَا قَرَأتَ القُرآنَ فَاستَعِذ بِاللهِ مِن الشَيطَان ِالرَّجِيِم إنَّهُ لَيسَ لَهُ سُلطَانٌ عَلَى الّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُون إنَّمَا سُلطَانَهُ عَلَى الّذِينَ يَتَوَلَّونَهُ والّذِينَ هُم بِه مُشرِكُون (، وفي الحديث قال النبي صلّى الله عليه وسلم :{ إذا خرج الرجل من بيته فقال : بسم الله ، توكلت على الله ،لا حول ولا قوة إلا بالله ، يقال له : هديت وكفيت ووقيت ، فتتنحّى عنه الشياطين ، فيقول شيطان لآخر : كيف لك برجل قد هُديَ وكُفيَ ووقي }.



ومن فوائد التوكل ،أنه من أسباب الرزق ، ولذا قال النبي صلّى الله عليه وسلم :{ لو أنكم تتوكلون على الله حق التوكل ، لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا ً وتروحوا بطانا} ، وقال :{ من نزلت به فاقه ، فأنزلها بالله ، فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل }.

ومن فوائد التوكل .. راحة البال ، وطمأنينة النفس ، وهداآت القلب .



ومن فوائد التوكل ..عصمة العبد من معاصي الله ، والتوكل من أسباب دخول الجنّة بلا حساب ولا عذاب مع السبعين ألفا .



ومن فوائد التوكل .. وقاية الله لعبده المتوكل من مصائب الدنيا والآخرة ، قال تعالى)الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَد جَمَعُوا لَكُم فَاخشَوهُم فَزَادَهُم إيمَانَا وَقَالُوا حَسبُنَا اللهُ ونِعمَ الوَكِيل فانقَلَبُوا بِنِعمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضل لَم يَمسَسهُم سُوء وَاتبَعُوا رِضوَان اللهِ واللهُ ذُو فَضلٍ عَظِيِم ( ، وقال الرجل المؤمن من آل فرعون) وأُفَوّضُ أمرِي إلىَ اللهِ إنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالعِبَاد فَوَقَاهُ اللهُ سَيئَاتِ مَا مَكَرُوا (.



وتتعدّد الأسباب التي تجعل المؤمن يتوكل على ربه .. ومن ذلك .. أن الأمور كلها بيد الله ، فهو سبحانه الذي يتصرف في خلقه بما يشاء ، قال تعالى) وللهِ غَيبُ السَمَاواتِ والأرضِ وإليهِ يَرجَعُ الأمرَ كُلّهُ فَاعبُدهُ وتَوكّلَ عَلَيه ومَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعمَلُون ( وقال ) إنِّي تَوَكّلتُ عَلَى اللهِ رَبِّي ورَبِّكُم مَا مِن دَابَّةٍ إلّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتَهَا إنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُستَقِيِم (.



ومن أسباب التوكل ، أن الله مطلع على أحوال الخلق ،لا يخفى عليه شيء منها ، قال تعالى ) وتَوَكَّل عَلَى العَزِيزِ الرَّحِيم الّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وتَقَلُّبَكَ فِي السَاجِدِين (.



والمؤمن الذي يكون على الحق ، ينتظر معونة الله فيتوكل عليه) فَتَوَكَّل عَلَى اللهِ إنّكَ عَلَى الحَقِّ المُبِين (.



إن الله جلَّ وعلا وعد من توكل عليه بأن يكفيه ، قال تعالى ) ولا تُطِع ِالكَافِرِينَ والمُنَافِقِينَ ودَع أذَاهُم وتَوَكّل عَلَى اللهِ وكَفَىَ باللهِ وَكِيلا ( وقال )ومَن يَتَوَكّل عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُه إنَّ اللهَ بَالِغُ أمرِه قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدرَا (.



قال شيخ الإسلام ابن تيمية :{ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ} ، وفي حديث أبو موسى الأشعري المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن "لا حول ولا قوة الا بالله " هي كنز من كنوز الجنّة ( والكنز مال مجتمع لا يحتاج إلى جمع ) وذلك أنها تتضمن التوكل والافتقار إلى الله ، ومعلوم أنه لا يكون شيء إلا بمشية الله وقدرته ، وأن الخلق ليس منهم شيء إلا ما أحدثه الله فيهم . فإذا انقطع القلب للمعونة منهم ، وطلبها من الله وحده ، فقد طلبها من خالقها الذي لا يأتي بها إلا هو ) وإن يَمسَسكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إلا هُو وإن يُرِدكَ بِخَير ٍفَلا رَادَّ لِفَضلِه (.



وقد حصر الله المؤمنين في المتوكلين ) إنَّمَا المُؤمِنُونَ الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَت قُلُوبُهُم وإذَا تُلِيَت عَلَيهِم آيَاتُهُ زَادتُهُم إيمَانَاً وعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكّلُون ( مما يدل على أن المؤمن إنما يتوكل على الله وحده ، وهذا معنى قوله ( ألّا تتخذوا من دوني وكيلا ) ، روى ابن ماجه في إسناده [ أن من قلب ابن آدم بكل وادٍ شعبة ، فمن اتبع قلبه الشعب كلها ، لم يبالي الله بأي وادٍ أهلكه . ومن توكل على الله كفاه التشعب ] قال العز ابن عبد السلام :{ التوكل ناشئ عن معرفة تفرّد الرب بالضر والنفع ، والخفض والرفع ، والعطاء والمنع ، والإعزاز والإذلال ، والإكثار والإقلال }.



ومما يدخل في مفهوم التوكل على الله ..إحسان الظن به سبحانه ، وانتظار الفرج ، وفعل الأسباب .


وأعظم أنواع التوكل .. التوكل على الله في جلب الهداية ونشر الدين وثبات الإيمان .


فتوكل على الله أيها المؤمن ، في أن يعينك على الصيام ، وتوكل عليه بأن يحفظ صيامك من المعاصي والآثام ، وتوكل عليه في أن يقبل صيامك وتؤجر عليه .


وتوكل عليه في أن يهيّئ لك من الطاعات في شهر رمضان ما يرضي ربك عنك ، وتوكل على الله في جميع شأنك .

والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد ..





بــســم الــلــه الــرحــمــن الــرحـــيــــم


قــــلــــوب الصـــائـــمــــيـــن



فــضــيلــة الشــيــخ ســعــد بــن نــاصــر الشــثــري





الخـــــــشــــــيــــة




أحمده جلَّ وعلا ونخشاه ... ونصلّي ونسلّم على نبيه محمد صلّى الله عليه وسلم ..أما بعد..




فإن من أعمال القلوب الخشية ، وهي من أعظم الأعمال أجرا ، وأكثرها ثوابا ، والخشية أخص من الخوف .


إذ الخشية خوف مقرون بعلم وتعظيم ، وقد أمر الله جلَّ وعلا المؤمنين أن لا يخشوا أحدا ًمن الخلق كائناً من كان ، وأن لا يخشوا أحداً من دون الله ، كما قال سبحانه ) اليَومَ يئسَ الّذينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُم فَلا تَخشَوهُم واخشَوَني ِ( ، وقال جلَّ وعلا ) فَلا تَخشَوا النَّاسَ واخشَوَنِي ( ،وقال )أتَخشَوَنَهُم فالله ُأحقُّ أن تَخشَوهُ إن كُنتُم مُؤمِنِين ( ، وقال ) والله ُأحقُّ أن تَخشَاه ( ، وقال سبحانه ) الّذينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللهِ وَ يَخشَونَهُ وَلا يَخشَونَ أحَدَا ً الا الله وَكَفَى بالله ِحَسِيبَا ( .



جاء في سنن ابن ماجه أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال :{ لا يحقر أحدكم نفسه . قالوا : يا رسول الله ، كيف يحقر أحدنا نفسه ؟! قال : يرى أمراً لله عليه فيه مقال ثم لا يقول فيه ، فيقول الله عزّ وجلّ له يوم القيامة : ما منعك أن تقول في كذا وكذا .. فيقول خشية الناس ، فيقول الله فإياي كنت أحق أن تخشى .}.




إن الخشية من الله .. هي شأن الأنبياء عليهم السلام ،
وفي مقدّمتهم نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم الذي قال :{إن الخشية شأن العلماء} ، كما قال سبحانه ) إنّمَا يَخشَى اللهَ مِن عِبَاده ِالعُلَمَاء ( يعني إن الذي يخشى الله حق الخشية هم الّذين عرفوا الله ، فعرفوا الله بذاته ، وعرفوا شرعه وأمره ، والمراد بهذه الآية علماء الشريعة ، وقد وصف الله أولي الألباب بأنهم يخشون الله ، كما قال سبحانه )والذينَ يَصِلُونَ مَا أمَرَ اللهُ بهِ أن يُوصَل ويَخشَونَ رَبّهُم وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَاب(.




إن الخشية من الله .. شأن الملائكة الذين قال الله عنهم )وَهُم مِن خَشيَتِه ِمُشفِقُون( ، الخشية من الله .. شأن أهل التقوى ، كما قال سبحانه )وذِكرَى للِمُتقِين الّذينَ يَخشَونَ رَبّهم بالغَيبِ وَهُم مِنَ السّاعَةِ مُشفِقُون(.




ما أعظم أجر أهل الخشية .. أسمع الله تعالى يقول في ذلك) وَمَن يُطِعِ ِاللهَ وَرَسُولَه وَيَخشَىَ الله ويتقهِ فَأولَئكَ هُمُ الفَائِزُون( ، ويقول سبحانه) إنَّ الّذِينَ يَخشَوَنَ رَبَّهم بِالغَيبِ لَهم مَغفِرة ٌوأَجرٌ كَبِير( ، وقال جل وعلا)جَزَاؤُهُم عِندَ رَبّهِم جَنّاتُ عَدن ٍتَجرِي مِن تَحتِهَا الأنّهَار خَالِدينَ فِيهَا أبَدَا رَضيَ الله ُعَنهُم وَرَضُوا عَنهُ ذَلِكَ لِمَن خَشيَ رَبّه(، وقال سبحانه)وَأُزلِفَت ِالجَنّةُ لِلمُتَّقِينَ غَيرَ بَعِيد* هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكلِّ أَوَّابٍ حَفِيظ * مَن خَشِيَ الرّحمَنَ بِالغيب ِوَجَاءَ بِقَلب ٍمُنيِب* أدخُلُوهَا بِسَلام ذَلِكَ يَومُ الخُلُود* لَهُم مَا يَشَاءُون فِيهَا وَلَدَينَا مَزِيد ( ، وفي الحديث { عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله }، وفي الحديث الآخر { لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع }..


ومن أسباب الخشية .. تدبر القرآن ، وتأمل معانيه ، قال تعالى )مَا أنزَلنَا عَلَيكَ القُرآنَ لِتَشقَى* الا تَذكِرَة ًلِمَن يَخشَى( .


من أسباب حصول خشية الله تعالى في القلب .. أن يتأمل المرء، قصص الأمم السابقة التي عذبها الله ، وأنزل بها النكال بعد ما كانوا فيه من قوة وعزة ، قال تعالى عن فرعون ) فَأخَذَه ُالله ُنَكَالَ الآخِرَةِ والأولَى * إنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبرةً لِمَن يَخشَى(.

من أسباب حصول الخشية لله تعالى في القلب .. أن يتذكر المؤمن الموت ، وما بعده من الأهوال العظيمة يوم قيام الساعة ، و تذكر مصير الناس إلى جنة أو نار ، قال تعالى عن الساعة ) إنَّمَا أنتَ مُنذِرُ مَن يَخشَاهَا (.


من أسباب تحصيل الخشية في قلب العبد.. أن يتضرع المرء بين يدي الله وأن يدعه سبحانه من أجل أن ينيله خشيته ، وكان من دعاء النبي صلّى الله عليه وسلم (اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة )، ومن دعاءه صلّى الله عليه وسلم : ( اللهم أقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ) .


مستفيد مما يلقى من الخير والذكر، قال تعالى ) فذكّر إن نَفَعَتِ الذِكرَى*سيذَّكَّرُ مَن يَخشَى ( ، وقال ) إنما تُنذِرُ الّذينَ يخشَونَ رَبّهُم بالغَيب وأقَامُوا الصّلاة (، وقال سبحانه ) إنما تُنذِرُ مَن اتّبعَ الذِّكرَ وَخَشيَ الرّحمَنَ بِالغَيب فَبَشِّرهُ بِمَغفِرَة ٍ وأجر ٍ كريم ( ، قال عمر رضي الله عنه : { لا أمين الا من خشي الله } وقال { شاور في أمرك ، الّذين يخشون الله }، وقال ابن مسعود : {ليس العلم من كثرة الحديث ، ولكن العلم من الخشية }،وقال الحسن { إن المؤمن ،جمع إيمانا ً وخشية، وإن المنافق جمع إساءةً وأمنا}، وقال مسروق :{ كفى بالمرء علماً أن يخشى الله ، وكفى بالمرء جهلا ً أن يُعجب بعمله }.


أسأل الله جلَّ وعلا أن ينزل خشيته في قلوبنا وقلوبكم ، وأن يجعلنا ممن يخشاه جلَّ وعلا في ليله ونهاره ، وفي سائر أوقاته وجميع أحواله ، اللهم يا حي يا قيوم اغفر لنا ذنوبنا ،وزلّاتنا وإسرافنا ، وتجاوز لنا عن خطايانا .. اللهم باعد بيننا وبين خطايانا كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم اجعلنا ممن يخافك ويخشاك ، 
هذا والله أعلم ..
وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ....
 
بسم الله الرحمن الرحيم


قــلــــوب الصــــــائـــمـــيـــن


لفضيلة الشيخ : سعد ابن ناصر الشثري


الرحـــــــــــــــــــمــــــــــة



الحمد لله يرحم الرحماء من عباده ، والصلاة والسلام على محمد ٍصلى الله عليه وسلم ، وصفه ربه بأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم ..

أما بعد ...

فإن من العبادات القلبية التي يتقرب المؤمنون بها إلى ربهم جلَّ وعلا ، أن يرحم بعضهم بعضا ..





والرحمة خلق فاضل يتضمن الرأفة والعطف والرقة والودَّ ، ومحبة وصول الخير للآخرين ..وهذه الرحمة من مقتضى الأخوة التي يقول عنها جلَّ وعلا) إنّمَا المُؤمِنُونَ إخْوَة ( .



وإنما جعل الله المؤمنين إخوة ليتعاطفوا ويتراحموا،



وقد عاب النبي صلَّى الله عليه وسلم على رجل فقال له :{ أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة ..من لا يرحم لا يُرحم }.



ولما دمعت عينا النبي صلَّى الله عليه وسلم لموت أحد أسباطه أي أبناء بنته ، قال سعد ابن عباده :{ ما هذا يا رسول الله؟!} فقال :{ إنما هي رحمة جعلها الله في قلوب عباده ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء }، وفي الحديث الآخر{لا تُنزع الرحمة إلا من شقي } وقال صلَّى الله عليه وسلم :{ الراحمون يرحمهم الرحمن..ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء }..




ومن صفات النبي صلّى الله عليه وسلم أنه رحيم بالمؤمنين ، كما قال تعالى واصفاً نبيه صلَّى الله عليه وسلم )بِالمُؤمِنينَ رَؤُوفٌ رَحِيم ( أي شديد الرأفة و الرحمة بهم ، فهو أرحم بهم من أنفسهم ومن والدِيهم ، وقال تعالى ) فَبِمَا رَحْمَةٍ منَ اللهِ لِنتَ لَهم وَلَو كُنتَ فَضّاً غَلِيظَ القَلبِ لانفَضّوا مِن حَولِكَ (...





وقد وصف الله جلَّ وعلا نبيه محمد صلَّى الله عليه وسلم فقال) وَيُؤمِنُ لِلمُؤمِنين وَرَحمَةٌ لِلّذِينَ آمَنُوا ( وكان النبي صلَّى الله عليه وسلم يُجلِسُ الحسن و أسامه على فَخِذيه ويقول: { اللهم ارحمهما ..فإني ارحمهما } فصَّلى الله على هذا النبي الكريم الذي وصفه ربه بقوله ) لَقد جَاءَكُم رَسُولٌ منْ أنفُسِكم عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عَنِتم حَرِيصٌ عَلَيكم بِالمُؤمِنينَ رَؤوفٌ رَحِيم ( ، بل إن الله جلَّ وعلا قد وصف أصحاب هذا النبي الكريم بهذه الصفة الفاضلة ، صفة الرحمة فيما بينهم ، يقول الله تعالى ) مُحَمّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الكُفّارِ رُحَمَاءُ بَينَهم (.



لقد أوصى الله تعالى المؤمنين بالتراحم فيما بينهم ، فقال جلَّ وعلا واصفاً عباده المؤمنين) وَتَواصَوا باِلمَرْحَمَه(.



جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلَّى الله عليه وسلم قال : { مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم ، كمثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى } , وخصوصا ً إذا كان هناك من هو أصغر منك ، فإنه يشرع لك أن ترحمه ..جاء في الحديث أن النبي صلَّى الله عليه وسلم قال :{ ليس منا من لم يرحم صغيرنا}، أما بالنسبة للآية السابقة التي فيها ) ثُمّ َكاَنَ مِنَ الّذِينَ آمَنُوا وَتوَاصَوا باِلصّبْرِ وَتوَاصَوا باِلمَرْحَمَة ( فالمراد بهذه الآية ،أنه قد أوصى بعضهم بعضا برحمة الخلق ، مما يُثمر إعطاء مُحتاجهم وتعليم جاهلهم والقيام بما يحتاجون إليه من جميع الوجوه ، مع مساعدتهم لقضاء مصالحهم الدينية والدنيوية ، وأن يُحب المرء لإخوانه ما يحب لنفسه ، ويكره لهم ما يكرهه لنفسه، ومن كان بهذه الصفة .. فهؤلاء هم الذين وفقهم الله لاقتحام العقبة وتجاوز النار إلى الجنة، وبالصبر تكون الشجاعة .. وبالمرحمة يكون الكرم والإحسان.




ومما يدخل في رحمة المؤمنين بعضهم لبعض ، أن يعفو بعضهم عن زلات بعضهم الآخر .. جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{ إن لله مائة رحمة ، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والوحوش والهوام ، فا بها يتعاطفون و بها يتراحمون و بها تعطف الوحش على أولادها ، وادّخَر تسع وتسعين رحمة لنفسه يرحم بها عباده } ، ولفظ البخاري :{جعل الله الرحمة مئة جزء ، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا ، وأنزل في الأرض جزءاً واحدا فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه } ،
قال مالك ابن دينار :( ما ضرب عبد بعقوبة ..أعظم من قسوة قلب ، وما غضب الله على قوم ، إلا نزع الرحمة من قلوبهم ) ..




ومن أسباب رحمة العباد بعضهم لبعض ..محبتهم لبعضهم ، قال الله تعالى ) إنَّ الّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهمُ الرّحَمَنِ وُدّا ( أي يلقي بينهم المحبة ، فيحب بعضهم بعضا ، فيتراحمون ويتعاطفون بما جعل الله لبعضهم في قلوب بعض ٍ من المحبة ، وفي بعض الأحيان ..لا يرغب المرحوم وصول الرحمة له ، ويكرهها ..ومع ذلك ،يستحب للعبد أن يرحم من كان كذلك ولو بإيصال ما يكرهه مما ينفعه ، ومثال ذلك ..الوالد , فإنه يُؤمر بتأديب ولده وتعليمه رحمة به ، ولو كره الولد ذلك وشقّ عليه ..كالوالد .. يُلزم ابنه بشرب الدواء مع كراهيته له ، رحمة به وأملاً في شفاءه .




ولإبقاء التراحم بين المؤمنين ..نهت الشريعة عن أن يؤذي المسلم إخوانه المسلمين ، قال الله تعالى ) والّذِينَ يُؤذُونَ المُؤمِنينَ وَالمُؤمِنَاتِ بِغَيرِ مَا اكْتسَبوا فَقد احتمَلوا بُهتَانَاً وَإثمَاً مُبينَا ( .





إن تعاليم الشريعة ..كلها رحمة , و ليست رحمتها مختصة بالمسلمين , بل هي رحمة لجميع المخلوقين , كما قال تعالى) وَمَا أَرسَلنَاكَ إلا رَحْمَة ً لِلعَالَمِين ( , وفي الحديث أن النبي صّلى الله عليه وسلم قال :{ إنّا لم نُبعث طعّانين ولا لعّانين ، ولكنّا بُعثنا رحمة للعالمين } ، وقد ورد عنه صلّى الله عليه وسلم أنه قال: { إنما أنا رحمة مهداة }, ومن هنا ..كان النبي صلّى الله عليه وسلم يحسن إلى الخلق , ومن جملة ذلك أن يرحم الخلق بتعليمهم وإرشادهم ودعوتهم وبيان ما ينفعهم وما يضرهم , ولهذا كان النبي صلّى الله عليه وسلم رحمة في حق كل أحدٍ من الناس بحسبه , حتى المكذبين له هو في حقهم رحمة ..ولهذا لما قال ملك الجبال :( دعني أُطبق عليهم الأخشبين , قال : لا ، لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله )..



أسأل الله جلَّ وعلا أن يجعل الرحمة في قلوبنا ...

هذا والله أعلم , وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .....
 

0 أضف تعليق:

إرسال تعليق

أخي الزائر/أختي الزائرة:
قبل أن تكتب تعليقك ،تذكر قول الله تعالى :

{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية(18)

.๑. (النور جل جلاله) .๑.

لماكان النور من أسمائه سبحانه وصفاته كان دينه نورا،ورسوله نورا،وكلامه نورا، ودار كرامته لعباده نورايتلألأ،والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين،ويجري على ألسنتهم،ويظهر على وجوههم،ويتم تبارك وتعالى عليهم هذا النور يوم القيامة