السبت، 10 أغسطس 2013

حلمــــــه عـــزَّ وجــــلّ





بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة برنامج ذكرى

حلمــــــه عـــزَّ وجــــلّ

تخيّل لو أنّ أحداً زارك و دخل دارك , أكرمته وبذلت له غاية ما يُبذل لمثله , ما من خير إلّا بذلت له وما من شر إلّا وأصرفته عنه , هششت وبششت في وجهه , تفضّلت عليه , وبدلاً من أن يشكرك وبالخير يذكرك وإذا به قام إليك يسبّك ويشتمك , يتكلّم عليك ويسخر منك , يُهشّم أثاث بيتك , يضرب غلمانك , تعرّض لك بكل إساءة , ماذا يستحق هذا منك ؟؟!

أن تطرده مذموماً مدحورا .. أن تُخرجه من بيتك من غير رجعة , ولله المثل الأعلى سبحانه وتعالى , نحن في ملكه و فوق أرضه وتحت سماءه و نعصيه بنعمه سبحانه وتعالى فما طردنا .. ما حرمنا فضله وإنما ما زال يُمهلنا سبحانه وتعالى ويُعطينا ويُغنينا , ويتفضّل علينا سبحان الله وبحمده.. 

لماذا؟ 
لأنه الحلــــــــــــــــــــــــيم ..

فهو يحلم على من يستحق العقوبة ويعطيه الفرصة من بعد الفرصة , الكرّة من بعد الكرّة , مرّة من بعد مرّة .. لماذا ؟؟ ليتوب ويئوب .. أليس هذا من حلمه !! .

فسبحان من حلُم بعد الاقتدار .. وأمهل مع طول الانتظار .. و رزق من عصاه بالليل والنهار ..

له الحمد والثناء الجميل على حلمه الواسع .. وستره المتتابع .. وبرهان إعذاره القاطع .

ألا ما أحلم الله سبحانه وتعالى الحليم الذي اتصف بهذا الوصف العظيم ,, ألا ما أحلم الله سبحانه وتعالى الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يُجير ولا يُجار عليه , والذي مع ملكه العظيم يُمهل عباده إذا فرّطوا قال ربنا جلّ وعلا (( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ {61} النحل)) 

.
والله الذي لا إله غيره ولا ربَّ سواه لو أنَّ الله تبارك وتعالى يؤاخذنا بذنوبنا لأخذنا عن آخرنا , ولما  أبقى على هذه الأرض من ديّار , وهو سبحانه وتعالى لو شاء لعاقب العباد من أول ذنب ومن أول خطيئة ودمّر الأرض بمن عليها , لكنه من رحمته سبحانه وتعالى يعاقبنا ببعض الذنوب , ببعض الخطايا , ببعض السيئات لنتوب ونئوب ((وَلَنُذِيقَنَّهُم مِنَ العَذَابِ الأَدْنَى دُونَ العَذَابِ الأَكْبَرِ)) لما (( لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{21} السجدة)) لأنه الحليم سبحانه وتعالى لم يعاقبنا بذنوبنا جميعاً , بل إنه ربما يأتينا شيء من العقوبة لنصحح المسار مع الله عز وجل , لنصلح ما بيننا وبينه جلّ في عليائه , فعقوبته حُلم ودفعه العقوبة العظمى حُلم فهو الحليم في كل حال سبحانه وتعالى .

أخي الكريــــــــــــــــــم .. أختي الكريـــــــــــــــــــــمة :

كم عصينا الله عزَّ وجل .. كم أتينا بالعظائم .. كم اجترحنا من خطايا .. كم فعلنا من سيئات .. راجع معي الأيام , في يومك هذا ماذا فعلت من معصية الله عزَّ وجل , في أمْسِك ماذا صنعت من ذنوب , ماذا أحدثت من عيوب .
تصوّر أن الله سبحانه وتعالى الذي بيده ملكوت كل شيء والذي يرى دبيب النملة السوداء على الصفاة الصمّاء والذي يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تفنّن الحاجات مع ذلك فهو سبحانه وتعالى يدعك وأنت تبارزه بالمعصية , ها أنت ما زلت بقوّتك وصحّتك وعافيتك وإمهال الله عزَّ وجل لك لم يأخذك بذاك الذنب , لم يعاقبك بتلك السيئة , لم ينزل عليك العقوبة سبحانه وتعالى , أوليس هذا من حلمه سبحانه .

إنك وقد أغلّقت الأبواب كلها وأصبحت في جنح الظلام تبارزه سبحانه وتعالى بالعصيان , تركك الله تبارك وتعالى ..ترك لك زماناً تئوب إليه وترجع , يمدُّ لك في الأجل , يعطيك الفرصة بعد الفرصة حتى تئوب وتئوب .

هذه العين عصيت الله عزَّ وجل بها ..أين عينك !! ما زالت في رأسك تنظر بها وتذهب وتغدو بها ما سلبها منك ..

إنك وأنت تستمع إلى ما حرّم الله , فالله تبارك وتعالى لم يؤاخذك ولم يأخذك عزّ وجل بما استمعت من الحرام..

هذه اليد بطشت بها في حرام في يوم من الأيام .. أين هي الآن 
؟؟!! ما زالت في جنبك بخير وعافية تستخدمها فيما تُحب , سبحان الله ما سلبها منك ..
هذه القدم .. كم مشيت بها إلى معصية الله عزَّ وجل , كم حملتك هذه الأقدام إلى معاصي الرب سبحانه وتعالى , كم حففت الخُطى إلى الخطأ وما زالت تُنعّم بهذه النعمة , لم يسلبها منك سبحانه وتعالى .
إنك وأنت تمضي بقوتك إلى معاصيه سبحانه وتعالى وإلى ما حرّم , ومع ذلك فإنه جلَّ وعلا تركك على قوّتك وأمدّك بعافية منه سبحانه وتعالى .

يا إخواني .. وأخواتي ...

والله لو أن الله عز وجل يؤاخذنا بأي ذنب من ذنوبنا لاستوحشنا في الدنيا , ولما بقي على ظهرها أحد لأننا أهل الذنوب والمعاصي , ما من عبد إلّا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة , وذنب هو مقيم عليه ما أقام في الدنيا , ينظر إلينا ويطّلع علينا وهو قادر على أن يؤاخذنا بذنوبنا لكنه ما أخذنا بها ولم يؤاخذنا عليها .

عجيب منك أيها العبد ... تطاويت بنِعم ربك فعصيته .

عجيب منك أيها العبد ... عصيت من أكرمك وبارزت بالمعصية من صوّرك .

عجيب منك أيها العبد ... عصيت من لا يفلت من عقوبته عاص ولا يفوته آبق .
عجيب منك أيها العبد ... ألا تستحي من معصية من عصيته مرة من بعد مرة وهو يُسدل عليك من ستره , ويمدُّ لك في المُهلة .

ألا ما أحلم الله سبحانه وتعالى .. كيف سترك أيها العبد !! كيف ستركِ الله تبارك وتعالى أمة الله !! كيف كان ستر الله تعالى علينا ونحن في عيوبنا وذنوبنا , كان في مقدوره أن يفضحنا , وكان في مقدوره أن يكشف هذا عنا , ومع ذلك فإنه سبحانه وتعالى يستر عباده غاية الستر .

ومن حلـــــــــم الله تبــــــــــارك وتعـــــــــــــالى ... أنه لا يُعجّل بفضيحة العبد , ومن غرائب القصص ما ثبت أنّ أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أراد أن يُقيم الحدَّ على سارق فجاءت أمه تستشفع : [ يا أمير المؤمنين ليس لي إلّا هذا الولد .. يا أمير المؤمنين أعفو عنه .. يا أمير المؤمنين أحلم عليه فإنه لم يسرق إلّا هذه المرة ] فإذا بعمر يقول : [ ما كان لله عزَّ وجلّ أن يفضحه من أول مرّة سلوه . فسألوا الابن كم مرة سرقت ؟؟ قال : هذه الثالثة والعشرين مرة أسرق ] فانظر إلى حلم الله !! كم ستره , ولذلك الله لا يُعجّل بفضيحة العبد ولكن يجعل لكل شيء أجل .
ولذلك جعل لهذا السارق أجل ففضحه , فاحذر يا عبد الله .. نعم , الله حليم , الله غفور , الله ودود , الله شكور ولكن قد يغضب على العبد , وفي الحديث [ أن الله ليُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته ] فعجّل بالتوبة وبادر بالتخلّص مما تعلّقت به من الذنوب والمعاصي وسارع لإرضاء ربك حتى يُديم حلمه .

يقول الله تبارك وتعالى (( وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ{11}يونس )) لو أن الله عزَّ وجل يستجيب لكل دعوة بشرٍّ دعا بها إنسان لأهلكه , فكم من أناس إذا أصيبوا بالمصيبة وقعوا في الرزية وحلّت بهم البليّة دعوا على أنفسهم بالويل والثبور وسيئات الأمور حتى نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال :[ لا تدعوا على أنفسكم ولا على أولادكم علّها تكون ساعة إجابة فيُستجاب لأحدكم فيتحسّر عمره كله ] ولكن من حلم الله أنّ أكثر هذه الأدعية لا يستجيبها الله وإلّا لتحسّر الخلق , فانظر إلى حلم الله عليك يا عبد الله .

تأملّوا معي إلى كفّار مكّة .. في عتوّهم واستكبارهم وحربهم لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قائلهم (( رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ{16} ص)) يا رب نريد العقوبة في الدنيا قبل يوم القيامة استهزاءً وعناداً .. ما أنزل عليهم العقوبة سبحانه وتعالى , بل يقولون في عتوّهم واستكبارهم وكفرهم وضلالهم (( اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ{32} الأنفال)) إن كان هذا الدين هو الحق , هذا الرسول هو الحق , هذا القرءان هو الحق , فماذا يجب أن يقولوا ؟؟!! اهدنا إليه .. اشرح صدورنا له !! لا ... ما قالوا بهذا , إنما قالوا (( اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ {32} الأنفال)) .

لو أنَّ الله استجاب دعائهم فأمطر عليهم حجارة من السماء لرُجموا وهلكوا ولكنَّ الله ما عاجلهم بعقوبة فالله سبحانه وتعالى لا يستفزّه غضب أحد ولا يستفزّه معاصي العباد , ولكنَّ الله حليم عليهم وصبور لا يعاجلهم بعقاب حتى لو دعو على أنفسهم لا يعاجلهم بعقوبة واستجابة دعاء .
لأنه سبحانه وتعالى أحلم بهم من أنفسهم .. وأرحم بهم من والديهم .. ومن الناس أجمعين .

إلهي ... قدرت فحلُمتَ فعفوت ..

إلهي ... حلمت فرحمت ..

إلهي ... حلمت فأمهلت ..

إلهي ... حلمت فرزقت ..

إلهي ... حلمت فعفوت ..

إلهي ... حلمت فسترت ..

ألا وإنّ من دلائل حلم الله سبحانه وتعالى على عباده أنه جلَّ وعلا يستمع إليهم وهم يكذّبونه , ويستمع إليهم جلَّ وعلا وهم يشتمونه , ومع ذلك يمهلهم جلَّ وعلا كما في حديث البخاري :[[ كذّبني ابن آدم وما ينبغي له ذلك , وشتمني ابن آدم وما ينبغي له ذلك , أمّا تكذيبه إيّاي فقوله أنّي لن أُعيده , وأمّا شتمه إيّاي فقوله أنّي اتخذتُ ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفواً أحد ]] .

سبحـــــــــــــــــــــان الله ... ما أحلــــــــــــــــم الله ..

ينادي الذين يقولون إنَّ الله ثالث ثلاثة , والذين يقولون يد الله مغلولة , والذين يقولون إنَّ الله فقير , ينادي هؤلاء فيقول (( أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {74} المائدة)) أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه ... والله لو تابوا لتاب عليهم ولغفر لهم ولرحمهم , بل وبُدّلت تلك السيئات إلى حسنات , أوليس هذا من حلم الله .

كم هم الملايين من البشر الذين يدّعون مع الله تعالى ولدا ((مَا اتَّخَذَ اللهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ {91} المؤمنون)) كلمة تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّا ومع ذلك الله سبحانه  وتعالى يمهل هؤلاء الّذين تعدّوا عليه والّذين كذّبوه فيما ذكره تعالى من البعث والنشور ثم شتموه فادّعوا له الولد سبحانه وتعالى , ومع أنه جلّ في عليائه يسمع منهم ما يكره وما يبغض إلّا أنه لم يعاجلهم بعقوبة , فلا أحد كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم [[ أصبر على أذى سمعه من الله ]] إنه يخلقهم ويرزقهم وينسبون له الصاحبة والولد .
كم من العباد يُسيئون إلى ربهم ويُخطئون في حقه ويأكلون خيره ويعبدون غيره ويتوجّهون إلى غيره ولكنه حليم عليهم لا يعاجلهم بعقوبة ولا يعاجلهم بعذاب , وبالرغم من هذا يفتح لهم باب التوبة بل والله لو تابوا لبُدّلت تلك السيئات إلى حسنات فضلاً منه ومنّة سبحانه وتعالى ,أوليس هذا من حلم الله , أوليس هذا من رحمة الله تبارك وتعالى !! فيا سبحان الله , الله عزَّ وجل يُملي ويعطي الفرصة ثم لا نتوب ولا نئوب ولا نرجع إليه ولا نستحيي منه !! ما أغفلنا عن ربنا عزّ وجلّ .. ما أجهلنا بالله تبارك وتعالى وبعظيم حلمه على عباده .

هذا ربنا تعالى ينادي من حرّقوا أوليائه ممن تنكّبوا الصراط من الّذين حرّقوا المؤمنين والمؤمنات يدعوهم إلى التوبة والأوبة إليه ,يقول سبحانه وتعالى (( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُواْ المُؤمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ)) ثم ماذا ((ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ{10} البروج )) يا لله ... حرّقوا أوليائه ..قتلوهم شرّ قِتلة ومع ذلك من حلمه تعالى أنه يدعوهم إلى التوبة , فتح لهم الباب لم يغلقه في وجوههم , لأن الله عزّ وجل يُملي ويُمهل ويُعطي الفرصة لكل عبد عاصي حتى للمشرك يُعطيه الفرصة , مع أنه سبحانه وتعالى قادر أن يؤاخذ بجريرة واحدة وبخطيئة واحدة .

هذا سعيد ابن جبير لمّا مثُل أمام الحجاج ابن يوسف فيقول عن نفسه :[ فررت منه حتى استحييت من ربي , فلما جئت إليه تبسّمت فقال لما تتبسّم قال من جرئتك على الله ومن حلم الله عليك ] يقول تبارك وتعالى ((لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلَادِ{196} آل عمران )) .

لعلّك تجد في واقعنا المعاصر صوراً مفزعة من اعتداء الكفار على بلاد المسلمين , ومن إحداث القتل والتشريد حتى سجلّت الإحصائيات أنَّ أكثر عدد المهجّرين إنما هم من المسلمين , أكثر عدد اللاجئين إنما هم من المسلمين , أكثر عدد البلاد التي تفتقر إلى سيادتها وتمكّن أهلها منها إنما هي بلاد المسلمين , عداوات صارخة , بكل أنواع الأسلحة الفتّاكة حتى المحرّمة دولياً إنما هي تُجرّب على المسلمين , حتى أصبحت دماء المسلمين رخيصة وهي التي تنزف اليوم ولا موقفٍ لها .

إنك تعجب من حلم الله على هؤلاء الّذين يعتدون على عباده , يعتدي كافر على مسلم , يعتدي مشرك على موحّد , والله يحلم .. والله يحلم , إنه حلم الله الذي وسع كل شيء ..

اللهم إنَّ بعض خلقك قد غرّهم حلمك .. واستبطئوا آخرتك .. فلم يتّبعوا القرءان وسخروا من أهل الإيمان , فأسألك ألّا تمهلهم حتى لا يكونوا أسوة لكفر غيرهم ..

اللهم إني أحمدك على كل قضاءك وجميع قدرك حمد الرضا بحكمك لليقين بحكمتك ..وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد .

ثم إنّ من عظيم حلم الله عزّ وجل أنه قد قرن صفة الحلم بالعلم , فقال عز وجل (( لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ{59} الحج )) .
ولا يحلم عليك لأنه لا يعلم بك .. هو العليم .. الخبير .. الشهيد .. الرقيب سبحانه وتعالى .. السميع البصير , ينظر إليك وأنت تعصيه , يطّلع عليك وأنت تُخالف أمره , وتُضيّع حدوده , وهو قادر أن ينتقم منك , أن يخسف بك الأرض , أن يعطّل أركانك , أن يُنزل عليك صاعقة من السماء , قادر لا يُعجزه شيء سبحانه وتعالى .

فهو القادر على أن يأخذ , وهو القادر على أن يبطش , وهو القادر على أن يستبدل عباداً بعباد , ولكن الله جلّ وعلا سبحانه وتعالى يحلم غاية الحلم مع عباده .

جاء في الأثر إن من دعاء حملة العرش يقولون :[[ سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك .. سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك ]] تأمّل معي قولهم [ سبحانك وبحمدك على حلمك بعد علمك ] فهو سبحانه أولاً يعلم الذنب قبل وقوعه , ويعلمه بعد وقوعه , ويعلم ما يستحق ذلك العاصي القدر المحدد لتلك العقوبة لذلك الذنب فهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .

لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ..إذاً هو يحلم عليك لا من عجز فهو القادر القاهر أمره بين الكاف والنون إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون ((وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ{50} القمر)) فيعلم ويطّلع وهو قادر وبالرغم من هذا كله يحلم على عباده , فسبحانه على حلمه بعد علمه وعلى رحمته بعد قدرته .

وتأمّل معي قول الله تبارك وتعالى (( أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُواْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا {44} فاطر)) فتأمّل معي كيف أخبر بما أوقع من العقوبة على من سبق ولكنّه أيضاً أمهل غيرهم ليس لعجزه ولكن لعلمه وقدرته وحلمه تبارك وتعالى .

لماذا يحلم عليهم سبحانه  وتعالى وهو القادر عليهم جلّ في عليائه ؟!! رحمة منه بهم .. لطفاً منه سبحانه وتعالى بعبيده .. لماذا ؟؟ ليغفر لهم , لأنه يحب التوبة ويحب المغفرة وهو أهل العفو سبحانه وتعالى يحب العفو فهو العفو الغفور جلَّ في عليائه , يُحبُّ سبحانه وتعالى أن يغفر لعباده , يُحبّهم أن يتوبوا إليه وأن يرجعوا إليه (( وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ {27} النساء )) .

حتى في دعاء الكرب الذي علمه صلى الله عليه وسلم لهذه الأمّة ماذا يقولون :[[ لا إله إلّا الله الحليم الكريم لا إله إلّا الله ربُّ العرش العظيم .. الحمد لله ربِّ العالمين ]] هذه كلها فيها التوحيد وفيها الإيمان وفيها الغرس في قلوب المؤمنين أن يتعلّقوا بربّهم , الله كريم يعطي من يستحق ومن لا يستحق , والله حليم سبحانه وتعالى يؤجل العقوبة حتى يفيئ العباد إلى ربّهم .

الله سبحانه وتعالى يريد أن يرحم هؤلاء الجهلاء الّذين جهلوا ربّهم , لم يعرفوا قدره ..لم يُعظّموه تعظيمه اللائق به سبحانه وتعالى (( وَمَا قَدَرُواْ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ{67} الزمر )) , (( مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ للهِ وَقَارًا{13} نوح ))

يقول ابن عباس أي مالكم لا تُعظّمون الله حق عظمته سبحانه وبحمده , فهو يحلم عليهم ليغفر لهم وليرحمهم سبحانه وتعالى .

ومن حلمه سبحانه وتعالى أنه يُناجي عبده يوم القيامة فيعرض عليه ذنوبه ويُبيّن له عيوبه , يجعله في كنف وفي ستر كما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما في حديث المناجاه , يدني الله تعالى عبده فيضع كنفه عليه فيقول :[[ عبدي عملت يوم كذا ذنب كذا وكذا , فيقول : نعم أي ربي , فيقول عملت يوم كذا ذنب كذا وكذا , فيقول: أي نعم ربي , حتى إذا قرّره بذنوبه ورأى من نفسه أنه قد هلك قال ربنا جلّ وعلا : سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم , ثم يُعطى كتاب حسناته بيمينه ]] .
فماذا بقي يا عبد الله ... أن تتوب إلى الله , أن ترجع إلى مولاك .. ثم ابشر بالعطايا منه سبحانه وتعالى فهو الكريم ذو الفضل العظيم .

اللهم إني أعلم أني عصيت ولكنّي أحب من يطيعك فاجعل اللهم حبي لمن أطاعك شفاعة تُقبل لمن عصاك , اللهم إنَّ بعض خلقك قد غرّهم حلمك , واستبطئوا آخرتك , فلم يتّبعوا القرءان وسخروا من أهل الإيمان , فأسألك ألّا تمهلهم حتى لا يكونوا أسوة لكفر غيرهم , اللهم إني أحمدك على كل قضاءك وجميع قدرك حمد الرضا بحكمك لليقين بحكمتك..
وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد .....

تمت حلقات البرنامج بحمد الله
وفضله ...







تابع القراءة...
.๑. (النور جل جلاله) .๑.

لماكان النور من أسمائه سبحانه وصفاته كان دينه نورا،ورسوله نورا،وكلامه نورا، ودار كرامته لعباده نورايتلألأ،والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين،ويجري على ألسنتهم،ويظهر على وجوههم،ويتم تبارك وتعالى عليهم هذا النور يوم القيامة