الخميس، 15 سبتمبر 2011

أجر المصلي


بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة برنامج غاياتنا

أجر المصلي

الحمد لله رب العالمين احمده - جل وعلا - وأشكره مثنيا عليه، وأشهد أن لا اله إلا الله و أن محمد عبده ورسوله..

إن من الغايات العظيمة التي يسعى إلى تحصيلها كل مؤمن أن يكون محافظا على صلواته؛ ليحوز على الأجور العظيمة المرتبة على أداء الصلوات.
فانظر إلى نماذج هذه الأمور منذ أن يؤذن المؤذن إلى أن يعود المرء إلى بيته بعد كمال صلاته :
-         إذا سمع المؤمن المؤذن قال مثل ما يقول، ثم بعد ذلك دعا بالأذكار العظيمة التي وردت عند إجابة المؤذن؛ ليكون بذلك من أصحاب الشفاعة الذين يشفع لهم النبي r فإن من قال بعد الأذان : (اللَّهُمَّ رَبَّ هذِهِ الدَّعوةِ التَّامَّةِ ، والصَّلاةِ الْقَائِمةِ، آت مُحَمَّداً الْوسِيلَةَ ، والْفَضَيِلَة، وابْعثْهُ مقَامًا محْمُوداً الَّذي وعَدْتَه).
فإنه حينئذ تحل عليه شفاعة النبي r .

-         إذا خرج المؤمن إلى صلاته و توضأ قبل أن يخرج ،كان ذلك من أسباب محو الله لذنبه و غفرانه لسيئاته ،يقول النبي r : (من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسمه حتى تخرج من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره )، ثم بعد ذلك إذا خرج المؤمن إلى صلاته كتبت له أجور كثيرة في خطاه إلى المسجد فيحوز بكل خطوة يخطوها بالأجر العظيم، خطوة تحط به من خطيئة ،و الأخرى ترفع له بها درجة ،جاء في الحديث الصحيح إن النبي r قال : (من غدا إلى المسجد أو راح ، أعد الله له نزلا من الجنة كلما غدا أو راح).
يقول   النبي : r (بشروا  المشاءين بالظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة ).

-         إذا دخل المؤمن المسجد وبدأ بأذكار دخول المسجد
فقال : ( أَعوذُ باللهِ العَظيـم وَبِوَجْهِـهِ الكَرِيـم وَسُلْطـانِه القَديـم مِنَ الشّيْـطانِ الرَّجـيم،ِسْـمِ الله، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى رَسولِ الله]، اللّهُـمَّ افْتَـحْ لي أَبْوابَ رَحْمَتـِك ) حفظ بذلك من الشيطان، فإذا دخل المسجد صلى نافلة يتقرب بها إلى الله تعالى .

-         ومن صلى لله تعالى في يوم اثنتي عشر ركعة تطوعا غير الفريضة بنى الله له قصرا في الجنة ،وإذا جلس في المسجد ينتظر الصلاة فإنه حينئذ كتب له أجرا في كل ثانية ينتظرها، قال النبي r: (لا يزال أحدكم في صلاته مادامت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة فإذا أقيمت الصلاة صلى معهم ).

وبذلك حاز الأجور العظيمة ،فإن صلاة الرجل في جماعة تفضل صلاته وحده بسبع وعشرين درجة، كما قال  النبي r .
-         إذا صلى المؤمن بالمسجد حاز على الأجور العظيمة، كما قال تعالى:
( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) )
جاء عن ابن مسعود t أنه قال: ( من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هذه الصلوات حيث ينادى بها المنادي ).

-         إذا صلى المؤمن مع الإمام وكان خاشعا في صلاته كتب له الأجر العظيم بسبب ذلك، ثم إذا فرغ من الصلاة بدأ بأذكار ما بعد الصلاة تسبيحا وتهليلا وحمدا وثناء وتكبيرا حاز على الأجور العظيمة، يقول النبي r: (ألا أخبركم بأمر تدركون به من سبقكم و لا يسبقكم أحد إلا من قال مثل ما قلتم: تسبحون الله وتحمدونه و تكبرونه دبر كل صلاة ثلاث و ثلاثين ).

-         إذا جلس الإنسان في مصلاه الذي صلى فيه، فإنه حينئذ يكتب له الأجر العظيم، فإن العبد إذا جلس في مصلاه فإن الملائكة تدعو له وتثني عليه( اللهم اغفر له، اللهم ارحمه ) مادام على ذلك مالم يحدث أو ينقلب إلى أهله . كما ورد ذلك عن النبي r .

يقول r : (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ، قالوا بلى يا رسول الله ، قال :إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، و انتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط ) .

-         ومن الأمور التي ينبغي للمؤمن إن يعرف مقدار فضلها: أداء صلاة العشاء وصلاة الفجر في جماعة؛ فإن النبي r قد أخبر أن : (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الفجر وصلاة العشاء ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا).

وقال النبي r : (لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) يعني صلاة الفجر و صلاة العصر .

وجاء في الحديث أن النبي r قال : (إن فيكم ملائكة يتعاقبون بالليل و بالنهار فيسألهم ربهم
وهو أعلم بهم :ماذا تركتم عبادي ؟ قالوا أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون ).
كانوا يصلون صلاة العصر حينما قدم الملائكة عليهم فلما أراد الملائكة  العروج  إلى رب العزة والجلال كانوا يصلون صلاة الفجر.

-         إن صلاة الفجر لها مكانة عظيمة ،و منزلة كبيرة فيها أجر مضاعف ،وثواب جزيل، وقد أخبر  النبي r عن فضل  ذلك بالإشارة إلى فضل سنة الفجر، يقول النبي r :
( ركعتا الفجر خير من الدنيا وما عليها)، ولم يكن النبي r أشد تعهدا منه من تعاهده على
ركعتي الفجر).. (السنة) .

وجاء في الحديث أمر المؤمنين بأداء سنة الفجر قال : ( ولو لحقتكم الخيل ).

فأسأل الله - جل وعلا - أن يجعلنا وإياكم من المداومين على الصلوات المحافظين على أدائها في المساجد مع الجماعة..

كما اسأله - جل وعلا - أن يجعلنا وإياكم ممن حاز الأجور المرتبة العظيمة على أدائها وممن استجيبت لدعائه الذي دعا به في صلاته.

هذا و الله اعلم .

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.





تابع القراءة...

الأحد، 11 سبتمبر 2011

توفيقه تبارك وتعالى 2






بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة برنامج ذكرى

توفيقه تبارك وتعالى 2



يا ناظراً في نعم المولى تعالى الوهّاب ..
ويا مقلّب ناظريه في آلائه الرغاب ..فإنك لم تجد في نعمائه أعظم من هدايتك إلى الإسلام ..وتوفيقك إلى دين الفطرة والتمام ..فأسأل ربّك تعالى دوام التوفيق وسلامة الطريق .. وقل دوماً وبقلبٍ حاضر :" يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك " وقل :"اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت ,وتولّني فيمن تولّيت ,وبارك لي فيما أعطيت, وقني شر ما قضيت ,فإنك تقضي ولا يُقضى عليك ,وإنّه لا يذلّ من واليت ,ولا يعزُّ من عاديت..تباركت ربنا وتعاليت".

التوفيق أجلّ ما نزل من السماء ..فما الذي يُنزل التوفيق من السماء ؟؟! إنها أسباب جعل الله تعالى هذه الأسباب بيّنة في كتابه ,يبصرها الّذين ينفدون بأبصارهم من تلاوة الألفاظ إلى ما احتوته من المعاني الكبار من الأمور التي يحصل بها خير الدنيا وخير الآخرة .
إنَّ من أهم أسباب توفيق الله تبارك وتعالى لعبده النيّة الحسنة, فبالنيّة يبلغ العبد من توفيق الله تعالى ما يبلغ ,يقول ابن القيّم :{ النيّة رأس الأمر ..وعموده وأساسه وأصله الذي يُبنى عليه وبها يُستجلب التوفيق } لأن الله تبارك وتعالى أول ما ينظر من العبد إنما ينظر إلى ما في قلبه ((فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا))[ الفتح:18] .

يقول الله جلّ وعلا في إشكال نشب وشقاق حصل بين زوج وزوجة ((وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا ))[ النساء :35] ما شأنهما ؟؟ إنهما يبحثان في طرق الإصلاح ,لكنَّ الله نبّههما إلى ما يدركان به الغاية فقال جلّ وعلا ((إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا))[ النساء :35] .

ولذلك عليك أيها الأخ الكريم أن تُمحّص النيّة لرب العالمين ,وحقيقة ذلك نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق ,فكلما نظرت إلى الله تبارك وتعالى إلى ثوابه والخوف من عقابه ,إلى رحمته ,إلى ما أعدّ الله تعالى لأوليائه ,كلما جاءتك نفحات التوفيق من الله تبارك وتعالى .
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم تُنيخ راحلته بمكان المسجد اليوم ولا ينزل ,ثم تقوم ثم تجول جولة ثم تعود إلى مبركها الأوّل ,ما من قلب يومئذٍ مؤمن من أولئك الأنصار الأخيار إلّا ويتمنّى أن ينزل النبي صلى الله عليه وسلم عنده ,لكنَّ الذي أوقفهم قوله عليه الصلاة والسلام :[خلّوا سبيلها فإنها مأمورة ] هذا الذي أحجم بهم أن يتقدّموا , هنا يأتي التوفيق ..أتى أبو أيّوب الأنصاري إلى رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو لم يقرب الرسول ,أنت تقول خلّوا سبيلها أنا وناقتي, ترك الناقة وترك ما عليها فأخذ الرحل وأدخله بيته ,فلمّا نزل عليه الصلاة والسلام سأل عن متاعه عن رحله قالوا : [في دار أبي أيّوب ] ماذا قال ؟؟ قال :
[ المرء مع رحله ] .

هذا توفيق من الله لأبي أيّوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه وأرضاه ,توفيق وأي توفيق ..أن النبي عليه الصلاة والسلام سكن في داره ,هل تحسب أنّ أبا أيّوب رُزق هذا والله قادر على أن يرزقه من غير سريرة منه , لكن لله حكم..أورث أبي أيّوب قبل أن يصل النبي صلى الله عليه وسلّم سلامة صدر وصدق مع الله جلّ وعلا فوفّق لمبتغاه وهُدي إلى هذا الصنيع .
وإنما يُصرف العبد عن توفيق الله تعالى بسبب سوء نيّته وتكبّره على خالقه قال ربنا جلّ وعلا ((سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ))[الأعراف :146] لماذا يصرف الله تعالى عنهم آياته ؟! لأنهم تكبّروا عليه جلّ وعلا ,لأن ما أصابهم من العجب كان سبباً من أسباب الصرف عن الحق ,ولهذا قال عليه الصلاة والسلام :{ ثلاث مهلكات : شحٌ مطاع ,وهوىً متّبع ,وإعجابُ المرء بنفسه } .

ثم إن من أسباب توفيق الله تبارك وتعالى لعبده في الحياة أن ينخلع العبد من حوله وقوّته وأن ينطرح بين يدي الله تبارك وتعالى فيجعل الحول كله والقوّة كلها فيه سبحانه وتعالى .

تتحرر من قوّتك وعلمك وحسن ظنّك بنفسك وأن تعلم أنه ما كان لك أن تصل إلى مقصودك بغير الله والله لن يصلوا إلى شيء بغير الله فكيف يوصلوا إلى الله بغير الله ؟!!!

هذا الشعور بالحاجة إلى توفيق الله عز وجل هو شعار الأنبياء والصالحين ,فنبي الله شعيب يقول مخاطباً قومه ((إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ))[هود:88] فهو عليه الصلاة والسلام يُعلنها على الملأ أنه إن كان من خير فمن الله وحده ,وإن كان سوى ذلك فالله بريء منه .

ولذا رأينا نبينا صلى الله عليه وسلم كان شعاره لا حول ولا قوة إلّا بالله ,ولذلك أمرنا إذا سمعنا حي على الصلاة ..حي على الفلاح من المؤذن أن نقول لا حول ولا قوة إلّا بالله ,أي لا حول لنا ولا قوة لنا في إجابة هذا النداء والمثول بين يديه سبحانه وتعالى راكعين ساجدين إلّا بأن يوفّقنا رب العالمين .

إنَّ جهرك بقولك بعد الصلاة ( لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ) هو إعلان للافتقار إلى الله تعالى ,إعلان للضراعة ,والعبد إذا افتقر إلى الله تعالى استمطر منه التوفيق ,العبد إذا أعلن أنه ما له سبيل ولا له طريق إلى إدراك مطالبه فإنه يُعلن فقره إلى الله ..وإعلان الفقر إلى الله أكبــــر المفاتيح التي تستمطر بها الخيرات .

من ظنَّ أنه يستغني عن الله جلَّ وعز ووثق بنفسه وقدراته ونسي أنه لا حول ولا قوة إلّا بالله فإنه في هذه الحالة يوكل إلى نفسه ويُحرم التوفيق ..
ولذلك إمام المتوكّلين ورسول رب العالمين الذي أحبّه ربّه وأعطاه كان يدعو ربّه ومولاه :{ اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين} , من وكل إلى نفسه خاب وخسر ,ولقي في الدنيا ضنكاً وعنتا ,ولقي في الآخرة ذلاً وخزيا ..

ومن الأسباب التي ذكرها الله تعالى في محكم كتابه من أسباب التوفيق ومفاتيحه إنَّه صدق الاعتماد على الله جلَّ وعلا في جلب المنافع ودفع المضار .
يقول نبي الله الصالح شعيب ((وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ))[هود:88] فتوفيق الله تعالى لا يتأتى إلّا بالتوكّل عليه والإنابة إليه سبحانه وتعالى ,إنه التوكّل ..ذاك الذي إذا حققه العبد أدرك كل مطالبه فإنه لا أنجع ولا أنفع ولا أسرع في تحقيق المطالب من تفويض الأمر إلى الله ((وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إلَى اللهِ إنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ ))[غافر:44] إن العبد إذا صدق في توكّله أدرك مطلوبه ولو كان من أعسر ما يكون فإن التوكّل أمضى الأسباب وأنفعها .

وقديماً قالوا :[ إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده ] ,إنّ التوكّل حقيقته أن يلجأ العبد إلى ربّه ,أن ينطرح بين يدي الله تعالى ,أن يصدق في اعتماده على ربّه جلَّ وعلا في جلب المنافع ودفع المضار ,فمن حقق هذا فقد استمطر التوفيق ..من حقق صدق التوكّل على الله تعالى أسرعت إليه الخيرات واندفعت عنه الشرور ,يقول الله تعالى في محكم التنزيل ((وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)) [الطلاق:3] أي كافيه والكفاية هي أعظم ما يدركه الإنسان من وقاية الشر وإدراك الخير وبه يُعرف التوفيق ..نسأل الله التوفيق .

ومن جميل التماس العبد لتوفيق ربّه أن يلزم الذكر المتعلّق بهذا التوفيق {حسبي الله لا إله إلّا هو عليه توكلت وإليه أنيب } قالها النبي صلى الله عليه وسلّم وقالها إبراهيم عليه السلام ,وكان عليه الصلاة والسلام يقولها في كل يوم سبعاً وهذا من أعظم مما يستجلب العبد توفيق الله تبارك وتعالى في دفع الضر أو جلب الخير .

ومن أسباب التوفيق أن تجاهد نفسك في عمل الخيرات ,قال جلَّ عز ((والّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُم سُبُلَنَا ))[العنكبوت:69] فكلما اجتهد في طاعة ..وكلما اجتهد في ترك معصية وفّقك الله تبارك وتعالى ,وتذكّر قول الله جلَّ وعز ((فأمَّا مَن أعْطَى واتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى* فَسَنُيَسّرُهُ لِليُسرَى))[الليل:5ــ 7] فالذي تكون منه تلك المبادرة وذاك الأمل وذاك الإقبال فإن الله جلَّ عز سيُيسّره لليسرى .

وفي الحديث الصحيح { من تقرّب إليَّ شبرا تقرّبت منه ذراعا ,ومن تقرّب إليَّ ذراعا تقرّبت منه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة } , يقول الكتّاني رحمه الله :[ إذا أردت التوفيق فابتدئ بالعمل ] ويقول أبو سليمان الداراني :[ إنَّ التوفيق مقرون بالقربة ] .

تعرّض إلى نفحات الله بالأعمال الصالحة كالصلاة ..هذه الصلاة التي هي صلة بين العبد وربّه ,هل يوم نريد التوفيق ونحن نقطع الحبل الذي بيننا وبين الله ,يدخل أحدنا في الصلاة فلا يستشعر ماذا يقول والبعض يُضيّع الصلاة ثم يريد توفيق الله ..والله لو وفّقنا في الصلاة وأدائها خاشعة لوفّقنا في كل شيء ,وفّقنا في الرزق لأن الله يقول ((وَأمُر أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ))[طه:132] ,سُلّينا في مصائبنا وهمومنا لأن الله يقول في المصيبة وعند الكربة ((وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ))[البقرة:45] أصبحت نفسيّتنا منشرحة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنّه من صلى الفجر في جماعة أولاً فهو في ذمّة الله ..تخيّل تُصلّي الفجر فتُصبح في ذمّة الله ,في توفيق الله ,في حفظ الله ,في عناية الله في بركات الله تنقلب .

طاعتك وحسن سريرتك وبرّك بوالدتك بما يغلب على الظنِّ أن هذه الثلاثة من أعظم أسباب التوفيق ,برُّ الوالدين وما أكثر ما نسمع عن تقصير في برِّ الوالدين ,أنا لا أقول العقوق ,بعض الناس إمّا أن لا يكون عاق وإمّا أن يكون عاق ,هناك شيء أعظم هو برُّ الوالدين / الإحسان/ البذل / الزيادة في العطاء, والله لن تجد إنساناً موفّقاً في الدنيا وهو عاق لوالديه .

((وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ))[هود:88] إنّه السبب الآخر من أسباب التوفيق أن تُنيب يا عبد الله إلى الله جلَّ وعلا , والإنابة إلى الله سبحانه وبحمده حقيقتها عكوف القلب ..لزوم القلب لطاعة الله تعالى ,لزوم القلب لمحبّة الله تعالى ,لزوم القلب في المسارعة إلى الله سبحانه وبحمده ,إنّها ثلاثة أعمال بها يتحقّق مقام الإنابة الذي هو من أشرف المقامات وأعلاها ,إنّه :
لزوم للطاعة          للزوم للمحبّــة          إقبال على الله تعالى
إنها اختصار لذاك العمل الصالح ظاهراً وباطناً الذي به يُستمطر
 التوفيق .

ومن أسباب التوفيق الدعـــــــــــــاء ,كما قال ذاك العالم الصالح في تربيته لابنه { وسل من ربّك التوفيق فيها وأخلص في السؤال إذا سألت ,وأكثر ذكره في الأرض دأباً لتُذكر في السماء إذا ذكرت ,ونادي إذا سجدّت به اعترافا كما ناداه ذي النون ابن متّى } .

يقول سهل ابن عبد الله ألتستري :{ الأعمال بالتوفيق ,والتوفيق من الله ,ومفتاحها التضرّع والدعاء } أدعو الله أن يوفّقك كما دعا صلى الله عليه وسلّم في أحاديث كثيرة وكما كان في سجوده يقول { يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك } ويدعو الله أن يوفّقه ويهديه لأحسن الأخلاق و يهديه لأحسن الأعمال .

فنبينا صلى الله عليه وسلّم قد غرس هذا الأمر في نفوس أمّته حينما مارس كل ذلك عملياً ,فعلّم أصحابه دعاء الاستخارة كما يعلّمهم السورة من القرءان ,وهذا يدل على أهميتها وقيمتها لأن عنوانها الرئيس هو التوفيــــــــــــــــق ..

كان النبي الكريم عليه الصلاة والسلام يُعلّم الصحب الكرام {اللهم إنّي أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم ....} وهكذا أستخيرك ..أطلب منك أن تختار لي يارب لأن العلم عندك ولأن القدرة قدرتك ولأن الحول حولك ,وكلما كان العبد كذلك فإنه يوفّق من الله سبحانه وتعالى فيما أراد من الأمور تركاً أو عملا ..

فإذا تردد الإنسان في أمر من الأمور ثم استشار ثم همَّ بالإقدام على أمر لا يدري ما الله قاضٍ فيه كما قال القائل :

فما أدري إذا يممت أمراً أريد الخير أيهما يلينِ * * ءآلخير الذي أنا أبتغيه أم الشر الذي لا يأت ليني وهي حالة تعتري كل إنسان حينما يجد نفسه على مفارق الطرق فيفزع إلى هذا الدعاء العظيم الذي به سكينة النفوس و طمأنينة القلوب .

فحريٌ بك ـ أخي الكريم ـ يا من بذلت الأسباب وعملت ما عملت تذكّر سهام الليل ,تذكّر قول الله عز وجل ((ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم ))[غافر:60] فحينما يستجيب الله عز وجل لك معنى ذلك أن التوفيق سيحضر لا محالة , فهنيئاً لمن وفّق لدعاء الله عزّ وجل وهنيئاً لمن استجاب الله تعالى له فكان التوفيق هو عنوانه الذي حضر دائماً معه في حياته كلها .

اللهم بعلمك بحالنا ..وقدرتك على إصلاحنا ..ورحمتك التي لم تزل تعاملنا بها منذ خُلقنا ..أتمم علينا نعمتك .. وأوجب لنا رضاك ورحمتك .. وأجزل نصيبنا من جزيل لطفك وخفي عنايتك .. اللهم وفقنا للعمل بموجبات رضاك .. ولا تحرمنا عطائك .. ولا تقطع لنا بنا دونك ..ولا تُخيّبُ رجاءنا فيك ..ولا تولِّنا أحداً غيرك .. ولا تحرمنا خيرك .. يا من خير الدنيا والآخرة في خزائنه ..وأهل السماوات والأرض مفتقرون لرحمته ..

وإذا وفّقك الله عز وجل لنعمة فعليك بالشكر ,فبالشكر تزيد النعم ,ويدوم التوفيق ,الشاكر لله عزّ وجلّ سيعطيه الله نعمة أخرى ويوفّقه لعمل آخر ..

إذا كنت في نعمة فرعها           فإنَّ المعاصي تُزيل النعم
وداوم عليها بشكر الله               فإنَّ الإله شديد النِّقم

احذر أسباب الخذلان ,احذر الخيانة وأنَّ الله لا يهدي كيد الخائنين ,احذر الحسد ,احذر الغيبة ..النميمة الكبر ,هذه الأمراض التي تُبعدك عن التوفيق وتجلب لك الخذلان .

ما الذي ينتظره هؤلاء ...أي مكافئة ينشدون ,هل سيجدون ثناءً وتمجيداً وتوفيقاً ؟!! لا والله ,لا يكون ذلك أبداً طالما أنه مارس أسباب الخذلان التي تُبعده عن التوفيق .

وإيَّاك والمعاصي ...إيَّاك والمعاصي فإنها تحرم الإنسان من التوفيق ,فإن الإنسان إذا ترك أمر الله تبارك وتعالى وتعالى وطغى فإنَّ الله تعالى ربما يحرمه خيراً عظيماً ويُنكّس قلبه ,قال ربُّنا جلَّ وعلا ((فَلَمَّا زَاغُوا أزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُم ))[الصف:5] وقال تعالى ((ونُقَلِّبُ أفْئِدَتَهُمْ وأبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤمِنُوا بِهِ أوَّلَ مَرّةٍ))[ الأنعام:110] لما لم يؤمنوا أول مرة ,لما عرض الحق عليهم أول مرة تجهّموا له وتركوه فإذا بالله تبارك وتعالى يُغلق قلوبهم ويمنعهم الهداية كلها .

ولذلك كان بعض السلف يقول للحسن البصري وهو من العُبّاد قال:{يا إمام ما لنا حُرمنا قيام الليل ؟؟} لماذا لا نقوم الليل كالعُبّاد ,فنظر إليه ثم قال :{ كبّلتكم ذنوبكم } ,يوم أن تُحرم من رزق أو تُحرم من طاعة اعلم أنها بمعصية , والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :{وإنَّ العبد ليُحرم الرزق بذنبٍ يُصيبه} .

ومن أسباب توفيق الله جلَّ وعز :

التقـــــوى .. قال الله جلَّ وعز ((وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجَاً))[الطلاق:2] ,ومن يتقي الله فهو حسبه ,تقــــــــوى الله أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية ..وهنا تستجلب توفيق الله سبحانه وتعالى .
إنَّ من أعظم الناس توفيقاً هم الأتقياء ..الأنقياء الّذين اتقوا الله عز وجل ..نعم ,لتذوق طعم التوفيق كن لله تقيـــّـا واستمع إلى ربك وموالاك وهو يُذكّرك بأن أولئك الّذين اتقوا سيأتيهم خير الدنيا والآخرة ,يقول سبحانه وتعالى (( وَلَوْ أنَّ أهْلَ القُرَى آمَنُوا واتَّقَوا لَفَتَحْنَا عَلَيهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَمَاءِ والأَرْضِ ))[الأعراف:96] يأتيهم خير الدنيا ,وإذا نزلت بهم مصيبة تُفرّج ((وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجَاً *وَيَرْزُقْهُ مِن حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ))[الطلاق] وإذا عاش مع التقوى سيعطيه الله عز وجل علماً وإيماناً ونوراً في قلبه ((واتَّقُوا اللهَ ويُعَلِّمُكُمُ اللهُ )) [البقرة:282] وإذا اتقى الله سيُحبّه الله لأن الله يُحبُّ المتَّقين ,فإذا أحبّه كان توفيقاً له في كل أمر صغير و كبير .

إذاً لنسأل الله عزّ وجلّ التوفيق ..ونتعلّق بقلوبنا لله رب العالمين ,ولنُقبل على الطاعات ,ولنجتنب المعاصي التي تجعله يغضب علينا سبحانه وتعالى ,ولنكن من عباد الله المتَّقين لنعيش موفّقين بفضل رب العالمين , اللهم وفّقنا لخير الأعمال ..وأحسن الأقوال ..ووفّقنا لما تحبّه وترضاه في الدنيا والآخرة واجعلنا في زمرة الموفّقين ..واجعلنا من الّذين يثنون عليك يوم القيامة أن هديتهم للإيمان ..وجعلتهم من عبادك الموفّقين ..

i تمّت p




تابع القراءة...
.๑. (النور جل جلاله) .๑.

لماكان النور من أسمائه سبحانه وصفاته كان دينه نورا،ورسوله نورا،وكلامه نورا، ودار كرامته لعباده نورايتلألأ،والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين،ويجري على ألسنتهم،ويظهر على وجوههم،ويتم تبارك وتعالى عليهم هذا النور يوم القيامة